شهدت
أسعار السلع في الأسواق
المصرية ارتفاعا ملحوظا في أعقاب تحرير سعر صرف
الجنيه المصري مقابل
الدولار
الأمريكي، في أواخر عام 2006، والذي أسفر عن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار بأكثر
من 50 في المئة. وأرجعت الحكومة المصرية وخبراؤها المسؤولية الرئيسة عن ارتفاع
الأسعار خلال عام 2017 لخفض قيمة الجنيه.
وظل سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق
المصرية شبه مستقر خلال عامي 2017 و2018، إلا أنه منذ أواخر الشهر الأول من العام
الماضي، قد اتخذ مسارا هبوطيا متواصلا أمام الجنيه المصري، واستمر
سعر الصرف يسير
في اتجاه واحد للانخفاض حتى الشهر الأخير من العام، ليفقد نسبة 10.5 في المئة من
قيمته، واستمر ذلك الهبوط حتى الأسبوع الثالث من كانون الثاني/ يناير الحالي، لتصل
نسبة الانخفاض بسعر الصرف 11.8 في المئة.
ومع بداية انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي
أمام الجنيه المصري بشّر المسؤولون المواطنين باتجاه أسعار السلع إلى الانخفاض
مستفيدة من تراجع قيمة الدولار، في ظل استيراد حوالي 60 في المئة من المواد الغذائية،
وتكررت الوعود على مدار العام إلا أن ما حدث كان انخفاضا في عدد قليل من السلع
خاصة السلع المعمرة واللحوم، بسبب ضعف الطلب عليها، بينما ظلت أسعار كثير من السلع
إما على حالها أو اتجهت للارتفاع.
وأصابت الحيرة البعض، خاصة وأن تراجع سعر صرف
الدولار قد رافقه انخفاض سعر الفائدة في البنوك أربع مرات في العام الماضي، بمجموع
4.5 في المئة، إلى جانب استمرار حالة الركود في الأسواق نتيجة ضعف القدرة الشرائية
لكثير من المواطنين، ما أدى لانخفاض الطلب.
ارتفاع السلع الغذائية ومواد البناء والخدمات
وها هي البيانات الرسمية لمؤشر أسعار
المستهلكين الصادر عن جهاز الإحصاء الحكومي المصري، والتي قارنت بين متوسط أسعار
السلع ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2019 ونفس الشهر من عام 2018، لتسفر المقارنة عن
وجود ارتفاع بسعر الدجاج والسمك البلطي والبوري والقراميط وسمك ماكريل المجمد.
وكذلك الجبن الأبيض والرومي والزبدة والطحينة
والحلاوة الطحينية، والأرز الأبيض المعبأ، واللبن، والمعكرونة، وزيت عباد الشمس
وزيت الذرة، والفول الحصا، وفي الخضر والفاكهة، وزادت أسعار الثوم البلدي
والبطاطس، والطماطم والفاصولياء الخضراء والجزر والكرنب والليمون والبرتقال واليوسفي.
وزادت أسعار وقود السيارات والغاز الطبيعي
والبتوجاز والكهرباء والصحف والمجلات، وفي مواد البناء زاد سعر الطوب والرمل
والزلط والأخشاب الزان والبلاط والرخام والجرانيت والمواسير البلاستيك، كما أشار
مؤشر أسعار المستهلكين الذي يرصد أسعار 945 سلعة وخدمة عبر 12 مجموعة سلعية
وخدمية؛ إلى حدوث زيادة بنسبة 22 في المئة لأسعار الخدمات التعليمية، و16 في المئة
لخدمات النقل، و14 في المئة للخدمات الثقافية والترفيه، و12 في المئة للخدمات
الصحية، و11 في المئة لخدمات المطاعم والفنادق.
وتعود مسألة استمرار ارتفاع الأسعار بالسوق
المصرية رغم تراجع سعر صرف الدولار وانخفاض سعر الفائدة واستمرار الركود بالأسواق؛
إلى أن هناك عوامل أخرى زادت تكلفة إنتاج وتوزيع السلع والخدمات، بنسبة تفوق نسب
انخفاض الدولار والفائدة، وأبرزها زيادة أسعار الوقود في شهر تموز/ يوليو الماضي.
ورغم حدوث خفض محدود لبعض تلك المنتجات
البترولية بشهر تشرين الأول/ أكتوبر، فقد أسفر العام الماضي عن زيادة بمتوسط 15 في
المئة بأسعار الوقود حسب جهاز الإحصاء، وهو ما ينعكس على أسعار النقل والمواصلات.
كذلك زيادة أسعار الكهرباء في شهر تموز/ يوليو
بمتوسط 19 في المئة، إلى جانب ارتفاع الأجور للعاملين وزيادة رسوم بوابات الطرق ما
بين المحافظات، كذلك زيادة السكان، حيث كان صافي الزيادة الطبيعة ما بين عدد
المواليد والوفيات عام 2018 نحو 1.8 مليون شخص، وساعد انتعاش السياحة على زيادة
الطلب على العديد من السلع والخدمات.
ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء
ويبقى ارتفاع أسعار عدد من السلع بالأسواق
العالمية كعامل رئيسي منع تراجع أسعار تلك السلع محليا، فحسب بيانات صندوق النقد
الدولي لمقارنة أسعار السلع ما بين الشهر الأخير من العام الماضي والعام الأسبق،
فقد زادت سعر الزيوت النباتية بنسبة 11 في المئة، خاصة زيت النخيل وزيت الصويا.
وزادت أسعار اللحوم والدواجن والسكر، وارتفعت
الأسماك بنسبة 12 في المئة، وبلغت نسبة ارتفاع أسعار منتجات الألبان 40.5 في
المئة، والبن 5 في المئة، والمطاط 16 في المئة، والمعادن 13 في المئة، خاصة الحديد
الخام والنيكل، كما زاد سعر الذهب والفضة، وارتفع النفط بنسبة 18 في المئة.
وكانت بيانات مؤشر أسعار الغذاء الصادرة عن
منظمة الأغذية والزراعة المقارنة بين أسعار الشهر الأخير من العامين الماضي
والأسبق، قد أشارت إلى نمو أسعار زيوت الطعام بنسبة 31 في المئة، واللحوم 18 في
المئة، ومنتجات الألبان 17 في المئة، والسكر 6 في المئة، بينما انخفضت أسعار
الحبوب بنسبة 2 في المئة.
إلا أن المقارنة بين متوسط الأسعار في نفس
العامين قد أشارت إلى ارتفاع أسعار اللحوم بنسبة 5.7 في المئة، ومنتجات الألبان 3
في المئة، والسكر 1.6 في المئة، بينما انخفض متوسط أسعار الزيوت بنسبة 6.2 في
المئة، والحبوب بتراجع 6 في المئة.
عامل رئيس آخر خاص بالبيئة التجارية المصرية
التي يغلب عليها العشوائية وتعدد حلقات الوساطة خلال تداول السلع، وارتفاع نسب
الفاقد ولجوء التجار لرفع السعر لتعويض ذلك الفاقد، بالإضافة إلى المشاكل التي
يواجهها التجار والمستوردون؛ من وجود نسبة تفرضها البنوك عند شراء العملات
الأجنبية منها تحت مسمى عمولة تدبير عملة، وكذلك صعوبة اشتراطات تراخيص المخازن،
ومعوقات تسجيل المصانع الأجنبية التي يتم الاستيراد منها.
كذلك تبرير جانب من التجار عدم خفض الأسعار بأنهم
اشتروا السلع بقيمة مرتفعة وأن الركود حال دون تصريفها، وأنهم من الصعب أن يخسروا،
كما أن تراجع سعر الصرف كان تدريجيا وبقيم محدودة يصعب تعديل الأسعار على أساسها،
أيضا إدراك كثير من التجار أنه لا توجد مبررات اقتصادية واضحة لتراجع سعر صرف
الدولار في ضوء استمرار الاقتراض الخارجي، والشعور بأنه خفض إداري يصعب استمراره،
ولهذا يترقبون عودة الدولار للارتفاع بشكل يومي.