هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تساءلت مجلة "إيكونوميست" في افتتاحيتها، عن سبب قرار الرئيس دونالد ترامب قتل القيادي العسكري الإيراني قاسم سليماني، متسائلة إن كانت عملية اغتيال سليماني ضربة معلم أم جنونا.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "عربي21"، إن الرئيس الأمريكي يريد الحد من نشاطات إيران، لكنه هل سار على الطريق الصحيح؟، مشيرة إلى أن قتل سليماني بصاروخ يوم 3 كانون الثاني/ يناير يهدد بأن يضع إيران والولايات أمام مواجهة مباشرة، وأخطر من تلك التي حدثت في عام 1979.
وتشير المجلة إلى أنه في جزء من العالم، الذي لم تعد لديه قدرة على الصدمة، فإن العملية الجريئة التي أدت إلى مقتل أهم قيادي عسكري بناء على أوامر من الرئيس ترامب، جعلت إيران في حالة من الغليان.
وتقول الافتتاحية إنه "في مظاهر عزاء عامة نسي ملايين الإيرانيين سخطهم على النظام، وخرجوا للمشاركة في جنازة سليماني، وصدرت من الشرق الأوسط التهديدات التي تجمد الدم في العروق، وترافقت مع تحذيرات من الخبراء بحدوث فوضى في الغرب".
وتستدرك المجلة بأن "الهجمات الصاروخية الانتقامية على قاعدتين عسكريتين في العراق لم تؤد إلى قتل أحد، وبدت وكأنها محاولة من إيران لحفظ ماء وجهها، ومحاولة لتخفيف حدة الأزمة، ولو كانت هذه هي الحال فإن باستطاعة ترامب القول إن غارته نجحت، كما جاء في تصريحاته يوم 8 كانون الثاني/ يناير، فتخليص العالم من شخص مؤذ، وإجبار إيران على الحد من عدوانها، سيكون إنجازا مهما، وستثبت الأشهر المقبلة صحة هذا الكلام، إلا أن المشكلة أنه لا يمكن لأحد التعويل على هذا، بمن فيهم ترامب".
وتلفت الافتتاحية إلى أن "هناك امتحانين سيثبتان إن كان قتل الجنرال ناجحا من ناحية أثره على استراتيجية الردع والتأثير الإيراني الإقليمي، وظل الرئيس العام الماضي يقف متفرجا عندما قامت إيران والجماعات الوكيلة بالهجوم على الناقلات التجارية في مضيق هرمز، وإسقاط طائرتين دون طيار، وضرب المنشآت النفطية السعودية وقواعد عسكرية في العراق، وقد استنتجت إيران أن لا ثمن تدفعه جراء نشاطاتها، ولهذا صعدت من لهجة الحرب والتحدي، وكان الأثر الفعال لهجوم 3 كانون الثاني/ يناير هو إعادة فكرة أن أمريكا مستعدة للرد، وعليه فإن الرد الإيراني المنضبط يوم الثلاثاء يعطي صورة بأنها لا تريد مواجهة قصف جوي من أمريكا، ولهذا فلا يوجد احتمال لسقوط صواريخ في الأسابيع القليلة المقبلة".
وتجد المجلة أنه "مع ذلك، فإن تعطش إيران للانتقام لم يتلاش، وحتى لو تجنبت إيران المواجهة المباشرة، فإن الحرس الثوري سيقوم على أكبر احتمال باستخدام أساليب أخرى، مثل حرب إلكترونية وعمليات انتحارية واستهداف مسؤولين أمريكيين، وغيرها من الأساليب التي لجأ إليها وأتقنها، وهذه العمليات الانتقامية تحتاج لأشهر ليتم التخطيط لها وتنفيذها".
وتبين الافتتاحية أنه "مع تراجع أثر مقتل سليماني فإن إيران ستحاول مرة أخرى امتحان استعداد أمريكا لاستخدام القوة، ففي الحروب غير المنسقة تلجأ القوى الضعيفة إلى التراجع أمام الطرف الأقوى لتعود مرة أخرى، وتتميز هذه القوى بالصبر والقدرة على تحمل الألم من القوى العظمى".
وتنوه المجلة إلى أنه "في الامتحان الثاني، فإن مقتل سليماني سيظهر إن كانت إيران فقدت السيطرة على جيرانها وشبكة المليشيات التابعة لها والقواعد المتقدمة لقوات فيلق القدس الممتدة من البحر المتوسط إلى بحر العرب، وهذا كله لاستعراض القوة الإيرانية، دون الاهتمام لجرائم الحرب والأعمال الوحشية التي يرتكبها عملاؤها، مثل بشار الأسد، الذي استخدم غاز الاعصاب دون أي اعتراض من طهران".
وتؤكد الافتتاحية أن "مقتل سليماني سيحرم هذه الشبكة من مهندسها، ومن الباكر لأوانه الحكم على قدرات خليفته، لكن سليماني كان شخصية استثنائية وسيترك فراغا برحيله، وقد يحرم فيلق القدس من التمويل، حيث يرى الإيرانيون العاديون أن المال الذي ينفق على الصواريخ وقنابل الهاون يجب أن ينفق على المدارس والمستشفيات".
وتفيد المجلة بأن "المشكلة الآن هي أن إيران مصممة على إخراج الامريكيين من الشرق الأوسط بعد مقتله، وستبدأ من العراق الذي تفوقت فيه على أمريكا، وتسيطر على الحكومة فيه الجماعات الشيعية، وفي 5 كانون الثاني/ يناير مرر البرلمان قرارا يدعو فيه لطرد القوات الأمريكية من العراق، ومع أن القرار ليس ملزما، إلا أن الكثير من العراقيين ساخطون من التأثير الإيراني، مع أن المال والسلاح الأمريكي مهمان للبلد، والسؤال هو متى وكيف سيخرج الأمريكيون؟".
وترى الافتتاحية أن "الأهم من هذا كله هو الملف النووي الإيراني، فقد خرج ترامب من المعاهدة النووية التي وقعها سلفه مع ست من القوى العالمية عام 2015 من أجل إجبار طهران على معاهدة جديدة بحسب شروطه، وتشمل نشاطات إيران غير النووية، بما فيها التأثير الإقليمي، وفي الصيف الماضي كانت هناك تقارير حول موافقة إيران على التفاوض، لكن هذه التكهنات أصبحت خارج التفكير، وبالتأكيد ففي 5 كانون الثاني/ يناير قالت إيران إنها لن تلتزم بالقيود المفروضة عليها لتخصيب اليورانيوم، ولديها الأسباب كلها لتزيد من نشاطاتها النووية، ليس لتعزيز ورقة التفاوض قثط، لكن أيضا لأن حصولها على القنبلة النووية سيجبر أمريكا على تغيير حساباتها كلها فيما يتعلق باستخدام القوة ضدها".
وتقول المجلة إن "غياب الاستراتيجية الأمريكية الواضحة يعني أن قتلها للجنرال لن يؤدي إلا إلى زيادة العقوبات والتهديد باستخدام القوة في حال تصرفت إيران بطريقة لا ترضي واشنطن، ولن يؤدي تجويع أمريكا لإيران إلى خضوعها، ففي الماضي تحملت أنظمة أخرى العقوبات الأمريكية لمدة أطول، ولا توجد أي طريق للسلام الذي تحدث عنه ترامب هذا الأسبوع، ولعدم وجود خطوط حمراء واضحة فإن احتمالات الانجرار إلى الحرب تظل قائمة، ومع مرور الوقت ستفقد العقوبات والردع قيمتهما، ولو أرادت أمريكا نهجا ناجعا، فالثمن هو جولات من العقوبات التي ترافقها مواجهات عسكرية ضد العدوان الإيراني، وقصف جوي لو كشف عن أن طهران على طريق امتلاك القنبلة النووية، والسؤال هو: هل ترامب أو خليفته مستعدان لهذا الثمن؟"
وتختم "إيكونوميست" افتتاحيتها بالقول إن "باراك أوباما، الذي تعب من المنطقة والمصادر التي تستهلكها أمريكا فيها، حاول الخروج منها والتركيز على آسيا من خلال معاهدة مع إيران، لكن ترامب يريد الخروج منها بطريقة بلطجية، وسيفشل هو الآخر؛ لأن استراتيجية الخروج تعتمد على بقاء القوات الأمريكية في الشرق الأوسط وسيلة ردع، وربما كان اغتيال سليماني الدرامي مجرد مقامرة حققت أهدافها على المدى القصير، لكنه لم يحل مشكلة أمريكا مع إيران".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)