قضايا وآراء

حول الهجمة التي طالت الفصائل الفلسطينية بعد مقتل سليماني

عبد السلام فايز
1300x600
1300x600
هجمةٌ شرسة تطال فصائل المقاومة الفلسطينية منذ الساعات البِكْر لاغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني بطائرة أمريكية مُسيّرة في العاصمة العراقية بغداد، وقد رفع المنتقدون سقف الشتائم بعد مشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد نخالة في جنازة سليماني في العاصمة الإيرانية طهران وتقديم العزاء هناك. وقد وصلت الشتائم حدّ التخوين والتكفير والعِداء..

وأمام هذا الكيل من الشتائم لا بد من توضيح بعض النقاط:

أولاً: التحالف الاستراتيجي بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإيران لم ينجم عن عبث ولم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تخلي الدول العربية عن الشعب الفلسطيني ومآسيه بسبب ويلات الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي وجدت بعض الفصائل نفسها مضطرة لإبرام هذا النوع من التحالف. فلا أحد يستطيع أن ينكر حجم الدعم الكبير الذي تتلقاه الفصائل من إيران على كافة الصعد عسكرياً واقتصادياً وسياسياً وكذلك إعلامياً, فالغريق يتعلق بقشة، حيث وجدت هذه الفصائل ضالتها في إيران بسبب القدر التاريخي والجغرافي والإنساني..

ثانياً: هل فصائل المقاومة تؤيد إيران في كافة ملفات الإقليم؟ بالتأكيد لا، لأن الفصائل لم تقاتل مع إيران في سوريا ولا في العراق ولا في اليمن ولا في أية معركة خارج حدود فلسطين، بل اقتصر هذا التحالف فقط في ملف المواجهة مع دولة الاحتلال. فحركة حماس على سبيل المثال خسرت نفوذها الكبير في دمشق بسبب موقف واحد، وأُغلِقَت مكاتبُها في مخيم اليرموك وسائر المخيمات الفلسطينية في سوريا، ولوحقت كوادرها هناك، وقُطعت علاقتها مع دمشق واختلفت مع إيران في الملف السوري، وتم توجيه التهم إليها بأنها شاركت في القتال إلى جانب المعارضة السورية في معاركها هناك. ولا يوجد جندي لها قاتلَ مع إيران، بل آثرت التفريط بحليفها السوري مقابل موقفها الثابت من الأحداث التي شهدتها سوريا على مدار تسع سنوات مضت. وهذا ما يُثبِت عدم تبعية الحركة لإيران، بالإضافة إلى رفض إسماعيل هنية إقامة مراكز دينية شيعية في قطاع غزة..

ثالثاً: لماذا يتم تخوين الفصائل الفلسطينية بسبب علاقتها الوطيدة مع إيران، في حين سلمت كثير من الدول الإقليمية من هذا التخوين، رغم أنّ لديها علاقات مع إيران تفوق علاقة الفصائل الفلسطينية بمراتٍ عديدة، فالذين يخوّنون الفصائل اليوم نراهم قد التزموا الصمت إزاء تحالف دول داعمة لهم لها تاريخ من العلاقات مع إيران؟ فتركيّا على سبيل المثال، والتي تعتبر أكبر داعم للمعارضة السورية، لها سجل حافل من التحالف مع إيران، حيث سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاتصال بنظيره الإيراني حسن روحاني لتقديم واجب العزاء بمقتل قاسم سليماني، وأعربَ عن حزنه وأساه إثرَ فقدهِ، وعبّر عن أمله بعدم التصعيد. ولم ينبس المنتقدون ببنت شفة إزاء هذه التصريحات، بل اكتفوا بمهاجمة الفصائل الفلسطينية وتخوينها. وهذا الرأي ليس محل انتقاد لتركيا، لأنه من حق الأتراك وغير الأتراك البحث عن مصالحهم في المنطقة بعيداً عن الاضمحلال والشحّ في الخبرة السياسية، ولكنّ هذا الرأي ينتقد بطبيعة الحال المعارضة السورية التي لم تكن منصفة في تخوينها للفصائل الفلسطينية عندما غضت الطرف عن علاقة تركيا بإيران وروسيا أيضاً التي تُعتبَر الحليف الأبرز للنظام السوري، ووجّهت لهجة الخيانة فقط للفصائل الفلسطينية..

رابعاً: الجهات التي تخوّن الفصائل الفلسطينية بسبب تلقّيها الدعم من إيران؛ هي ذاتها التي استعانت في يوم من الأيام بأعداء الأمة خلال معاركها الدائرة وهذا من حقها..

هي ذاتُها أيضاً التي تلقت دعماً مالياً وعسكرياً أمريكياً، وهي ذاتها التي تعالجت في المشافي الإسرائيلية بعدما قامت شخصيات محسوبة عليها بزيارة دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتقت بقادة عسكريين هناك على رأسهم أفيخاي أدرعي الناطق الرسمي باسم جيش الاحتلال. فلماذا إذاً حلالٌ عليهم الاستعانة بـ"بالقرود السود" في معاركهم، وحرامٌ على الفصائل الفلسطينية أن تتلقى دعماً من إيران فقط لمواجهة دولة الاحتلال التي ما انفكت يوماً عن رفع ماكينة الإجرام عن الشعب الفلسطيني؟

خامساً: في منتصف العام 2018 ذكرت وسائل إعلام المعارضة السورية أن بضائع إيرانية بدأت تغزو الشمال السوري الذي تسيطر عليه قوات المعارضة، في خضم الحصار الشديد الذي تعرضت له تلك المناطق. وقد اعترف التجار السوريون آنذاك بصحة هذا الخبر، وكانت البضائع الإيرانية موسومة بصور علي خامنئي وبعض الرموز الإيرانية، وقد تم تبرير هذه القضية بحجم الحصار الخانق. والمتابع اليوم لحصار قطاع غزة الضارب في جذور 13 عاماً يدرك تماماً حجم المعاناة التي يقاسيها أهالي القطاع، ثم بعد ذلك يُطلَب من الفصائل قطع علاقتها مع إيران دون تقديم بدائل أو مقترحات سوى الموت البطيء ومواجهة مزيد من الضنك والمشقة..

نعم ربما بالغت الفصائل الفلسطينية في ما يخص مقتل قاسم سليماني وخرجت عن المألوف، وهي محل انتقاد في هذا الأمر، لكنّ أصحاب النظرة البعيدة في السياسة يكتفون بالنقد الأديب والبنّاء بعيداً عن التخوين والتكفير، فالمنطقة اليوم بغِنى عن المزيد من التفرقة والانقسام..
التعليقات (1)
محمد حسن
الثلاثاء، 07-01-2020 04:37 م
صحيح انك يمكنك استخدام مبرر " الاضطرار"....لكن لاحظ ان الاخرين ايضا يمكنهم استخدام نفس المبرر لتبرير علاقاتهم مع الكيان الصهيوني و من ورائه....و تبرير دمغ المقاومة بالارهاب....و تبرير قفل المعابر و الحصار و التجويع و كل ما يرتكبونه من موبقات يمكن تبريرها بهذه الكلمة السحرية"الاضطرار"... سر قوة المقاومة هي كونها اخلاقية في مقابل خصومها ممن لا يأبهون بالاخلاق......اذا تساوت الكفتان فلا يبقى الا التفوق المادي و هو ليس في صالح المقاومة