ديمقراطيات الدول المتخلفة!‎

مهما أغرقنا في تلميع كلمة "ديمقراطية" فهي تبقى حبر على ورق طالما أنها تُختصر في الصناديق الانتخابية، بل إن الأمر يتجاوز ذلك، حتى إننا نجد بعض الدول لا تحكمها الصناديق لكنها أعدل حكما أو لنقل أقل ظلما من بعض الديمقراطيات التي أريد لها أن تكون ملهاةً للشعوب.

صحيح أن الديمقراطية في أوروبا وأمريكا يضرب بها المثل عطفا على ما توفره من حرية وسلاسة في تداول السلطة لكن ذلك لم يحصل بين يوم وليلة، بل إن الديمقراطية تتخذ سلَّماً هرميا وكل مؤسسة تحترم الأخرى. فالقضاء هو السلطة الأعلى، وكل المؤسسات الدستورية تراقب بعضها وتحافظ باستقلاليتها حتى لا تكون فتنة ويكون الأمر أغلبه للشعب. ومع ذلك فإن الفساد دائما يشق طريقه رغم كل هذا التنظيم الصارم للمؤسسات.

وفجأة يستيقظ شعب مبكرا متجها نحو صناديق الاقتراع احتفالا بدخولهم نادي الشعوب الديمقراطية، والجزائر مثال حي رغم تحفظنا على التعميم بسبب رفض فئة عريضة من الشعب لهذه الانتخابات. كما أسلفنا الذكر، فإن الديمقراطية عبارة عن مؤسسات كالرواسي، وليست شعوبا تساق زُمرا لاختيار المفترس المفضل.

إن أقصى ما قد تحصل عليه شعوب الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو ديمقراطيات مثل الديمقراطيات الأفريقية (مالي والسنغال مثلا)، ظاهرها تقدمي ديمقراطي وباطنها ملون بالعلم الفرنسي.

الديمقراطية أحسن ما وصل إليه الإنسان كوسيلة لتداول السلطة، لكنها ليست في منأى عن التبعية للغرب أو حتى دليلا على استقلال الدولة. الشعوب تغلي ويجب تهدئتها وما من حلٍّ سوى رمي بعض الفُتات لإسكاتها. الأنظمة تعي جيدا أن الطرق التقليدية في مواجهة المطالب الديمقراطية للشعوب ليس بالضرورة ناجعة، ولذلك فإلهاؤها بديمقراطيات مزيفة له طائل حتى لو عارضه الكثير، فيكفي أن يؤيده القليل.

الديمقراطيات الحقيقية التي ليس لديها أعداء في الغرب هي ليست ديمقراطيات، وهنا لا نتحدث بمنطق المؤامرة، ولكن بمنطق الربح والخسارة. فماذا ستربح مثلا فرنسا من ديمقراطية تجعل دولة كانت تابعة لها اكتفاءً ذاتيا؟! ماذا ستستفيد ضباع العالم إذا كانت ديمقراطيتك ستجعلك مكتفيا ذاتيا من سلاح ومواد غذائية ونسيج؟ الديمقراطية سلاح فتاك والطريق إليها طويل وشاقٌ ويحاربها كل ضباع العالم، وليست تمثيلية لا تنطلي إلا على السُذج.