مقالات مختارة

خريطة الطريق العراقية… الخوف من الفوضى وسقف اليوتوبيا

صادق الطائي
1300x600
1300x600

بعد كل هياج ثوري لا بد من وقفة ونظرة تأمل في لحظة مواجهة التساؤلات الكبيرة، وفي حالة الانتفاضة العراقية اليوم، يواجه المنتفضون أسئلة وجودية، مفادها؛ ماذا تريدون عندما خرجتم ضد الحكم الحالي؟ ومن هم قادة الانتفاضة أو المتحدثون باسمها؟ وما هي بالتحديد مطالب التغيير المقبل؟ وكيف يمكن تحقيق هذه المطالب؟ وهذا ما يسمى خريطة الطريق التي ستعقب حقبة التفجر الثوري. والكل يعلم أنه في ظل حمى الثورية المفرطة التي تغلفها الحماسة والطهرانية الثورية، يكون سقف المطالب مرتفعا عادة، كما يمكن أن تكون قيادة الانتفاضة مخفية، أو غير معلنة لفترة ما ولأسباب مختلفة، لذلك تكون الأسئلة الوجودية خطيرة ومحرجة، والإجابات عنها تهويمية وغير واضحة المعالم، مما يحيلنا إلى حدود قد تصل إلى نوع من اليوتوبيا.


منذ بدء الانتفاضة العراقية كان، وكما هو متوقع، سقف المطالب مرتفعا جدا، وتمثل في إطاحة العملية السياسية برمتها، وإقالة الحكومة والبرلمان، واجتثاث الأحزاب والتيارات السياسية التي وجدت في العملية السياسية منذ 2003، بالإضافة إلى مطالب أخرى مثل تغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وتغيير نظام الانتخابات وآلية التمثيل في البرلمان الجديد، مع تقليص عدد النواب وتخفيض مميزاتهم المالية هم والسلطة التنفيذية، وتقليص الفارق المهول بين الحد الأعلى والحد الأدنى للدخول، والأهم مطاردة الفاسدين ومحاكمتهم واسترجاع الأموال المنهوبة طوال ستة عشر عاما.
الطبقة السياسية، وهنا يمكن أن نضع بين قوسين، الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية، اشتركت جميعا، وحتى اللحظة الراهنة في رؤية مفادها أن الزلزال الذي تطالب به الانتفاضة غير ممكن التحقيق، وأن الحل الأمثل للخروج من الأزمة يتمثل بحزم الإصلاح التي أطلقتها وتطلقها الطبقة السياسية منذ بداية الحراك الاحتجاجي حتى الآن، وربما كانت قمة حراك الطبقة السياسية في إيجاد الحلول للخروج من الأزمة قد تمثل في الاجتماع الذي عقد في دار السيد عمار الحكيم في الجادرية، وحضره طيف واسع من الأحزاب والكتل السياسية، يكاد يجمع الكل باستثناء كتلة «سائرون» التي يقودها مقتدى الصدر.


جاء اجتماع الجادرية بعد خطبة الجمعة 15 تشرين الثاني/نوفمبر، التي حذرت فيها المرجعية الطبقة السياسية من الاستمرار في إغفال ‏المطالبات الشعبية، والبطء الحاصل في إجراء الإصلاحات السياسية‎.‎ وقد وقع 12 طرفا سياسيا، أبرزهم «النصر» بقيادة حيدر العبادي و«الفتح» بقيادة هادي العامري و«الحكمة» بقيادة عمار الحكيم والحزبان الكرديان، على اتفاق سياسي ‏يشمل تغييرا حكوميا وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة، وإطلاق حملة قضائية لمحاسبة الفاسدين.


وتجدر الإشارة إلى أن أولى النقاط التي حذرت منها الطبقة السياسية، في اجتماع الجادرية، هي التخوف من الانزلاق إلى الحرب الأهلية، وأن التغيير الممكن لن يتم إلا عبر الأطر الدستورية للدستور الحالي، ووضعت سقفا لتنفيذ الإصلاحات أمده خمسة وأربعون يوما، ما يعني بشكل لا لبس فيه أن هذه الطبقة السياسية غير جادة في ما تطلقه من حزم إصلاحاتها، أو التوقيتات التي تحددها، وأنها تهدد المنتفضين الموجودين في ساحات الاحتجاج بخطر الحرب الأهلية، والانزلاق إلى السيناريو السوري. بينما من طرفهم، أجاب المحتجون على ذلك الاجتماع في الليلة نفسها بإحراق ورقة القرارات الباهتة بشكل علني في ساحة التحرير، وأوصلوا رسالتهم بأنهم مصرون على السير وفق السيناريو السلمي في التغيير، وإن الدفع باتجاه الاقتتال المسلح هو هدف أحزاب السلطة ومليشاتها، ورغم كل حملات القتل والقمع والاعتقال، إلا أن شباب الانتفاضة مازالوا مصرين على السلمية، لأنها السلاح الأمضى في مواجهة قمع الدولة الوحشي.


خريطة الطريق التي يطالب بها المنتفضون ما تزال غير واضحة المعالم، ولا توجد نسخة نهائية متفق عليها من أطياف المحتجين في ساحات الحراك المختلفة في بغداد وبقية مدن الانتفاضة في العراق، فإذا ناقشنا من يطالب بتعديل قانون الانتخاب وتشكيل مفوضية جديدة وإقالة الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية غير حزبية، سنصطدم بسؤال يوقف سلسلة خطوات خريطة الطريق هذه، والسؤال هو؛ في حالة إقالة الحكومة والبرلمان، كيف سيتم تشكيل الحكومة الانتقالية؟ ومن الذي سيشرع قانون الانتخابات الجديد؟ وما هي الجهة التشريعية التي ستقوم بكتابة الدستور؟ وما هي آلية اختيار لجنة كتابة الدستور؟ وهل تتحلى المنظومة القضائية العراقية بالثقة لتمارس دورها في محاسبة شبكات الفساد الراسخة والمتفشية في كل مفاصل الدولة؟ كل تلك الأسئلة لم نجد لها أجوبة واضحة في المقترحات التي طرحتها ساحات الانتفاضة حتى الآن، باستثناء بعض الرؤى العملية الحصيفة.


ومن هذه الرؤى ما كتبه الباحث والناشط الدكتور نصير غدير نعيم في صفحته في فيسبوك، التي سعى عبر علاقاته بناشطين في ساحات الانتفاضة إلى التثقيف بها ومحاولة إيجاد صدى لها لدى جموع المنتفضين. وقد قدمت ورقة الدكتور نصير غدير شرطا جوهريا وحاسما يجب على جموع الحراك أن تضعه في اعتبارها؛ وهو أن إقالة الحكومة أمر غير عملي وخطير، إذ يترتب على إقالتها المجيء بغيرها في مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوما ‏بتطبيق مواد الدستور النافذ، ‎وهذه المواد لا تسمح بتمديد عملية اختيار الحكومة أكثر ‏من خمسة أربعين يوما كحد أقصى، فإذا فشل البرلمان ومضت المدة، وقع العراق في فراغ سلطة ‏دستوري، وإذا تم اختيار حكومة من القوى الموجودة في الساحة، نكون قد أعدنا اختيار الوجوه القديمة الفاسدة نفسها.


أما خطوات الحل العملية المقبلة بحسب هذه الورقة، فتتمثل بالاتفاق على تعديل قانون الأحزاب، إذ يجب أن يُكشف عن مصادر تمويل الأحزاب ‏بشفافية، وأن يمنع تشكيل الأحزاب ‏العرقية والطائفية، ومن ثم‎ يصار إلى ‎تشريع ‏قانون انتخابات متعددة الدوائر، بدائرة لكل مقعد‎، كما يجب أن تلغى المفوضية العليا للانتخابات الحالية، ‏ويصار إلى مفوضية موجزة لضمان شفافية تسجيل النتائج‎.‎‏ وهنا أيضا نواجه بسؤال هو؛ من الذي سيقوم بكل ذلك وكيف؟


تجيب خريطة الطريق التي يسعى المنتفضون لتبنيها، بأنه يجب أن يحل البرلمان نفسه أولا، وتكون حكومة عادل عبد المهدي حكومة تصريف أعمال بصلاحيات محدودة، يتم في غضون مدة محددة التهيئة لانتخابات ‏جديدة، وعندها يتم انتخاب حكومة وبرلمان يمثلان ‏إرادة الشعب‎.‎‏ ولا يجوز للحكومة المؤقتة والقوى المغضوب عليها من الشعب أن تمس الدستور بالتعديلات‎، ‏بل يترك أمر التعديلات لحكومة شرعية منتخبة من الشعب، وفق نظام انتخابي عادل. وحينها ستتشاور ‏هذه الحكومة في التعديلات مع شعبها ومثقفيه وأكاديمييه وخبرائه، وتقرها وتطرحها له للاستفتاء‎.‎


كما ستكون مهمة الحكومة الدائمية المنتخبة، بالإضافة إلى تعديل الدستور، إرساء سلطة القانون، والعدالة الاجتماعية ‏والضمان الاجتماعي، ومكافحة الفساد ومخلفاته، ووضع خطة تنمية اقتصادية تنهض بواقع كل ‏القطاعات الإنتاجية والخدمية وبرامج الصحة والتعليم‎.‎ ربما كانت هذه أرصن خريطة طريق يمكن الركون لها، أو الانطلاق منها لإرساء الحلول بعد إضافة بعض التعديلات، كما يجدر وبشكل ملح أن يتم التحرك بطريقة عملية على تشكيل تيار أو كتلة سياسية تمثل شباب الانتفاضة، ليكون لهم دور فاعل في العملية السياسية المقبلة، وحتى لا تقع الانتفاضة العراقية في أخطاء حركات الانتفاضات العربية في موجة الربيع العربي الأولى، عندما حققت الإطاحة بالنظم السياسية، وأحست أنها حققت ما عليها وتركت العملية السياسية لحركات الإسلام السياسي، أو الثورة المضادة، أو تيارات النظام القديم التي غيرت شكلها الخارجي والتفت على الانتفاضات وأجهضتها.


لكن يبقى ضمن المسكوت عنه في الانتفاضة العراقية حتى الآن موقف القوى السنية والكردية، واحتمالية وقوفهم ضد طموحات المنتفضين، وأولها تعديلات الدستور، التي بالتأكيد ستنتقص من حصصهم في عراق ما بعد التغيير. وقد أعلنت القيادات الكردية ذلك بشكل صريح، ورفضت أي تعديل للدستور يمس مكتسبات إقليم كردستان، بينما مايزال موقف سياسيي السنة المنخرطين في العملية السياسية غائما حتى الآن.

 

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

1
التعليقات (1)
احمد
الإثنين، 25-11-2019 03:36 م
جوهر المشكله هو ايران و ميليشياتها الاجراميه و احزايها المافيويه و فوق ذلك المرجعيه و قاسم سليماني و من ثم الشيعه الذين لا يمكن ان يكونوا شيعه دون ان يكون لهم ولاء لايران بشكل من الاشكال بل مجرد اعطاء منصب او سلطه لشيعي لانه شيعي هو خيانه و عماله . هجر مليوني سني من بغداد خلال 15 عاما ولا نتكلم عن المجازر في الانبار و الموصل و ديالى و التهجير كله تم بايادي شيعيه هل مثل هذه الحثالات يمكن ان تبني اوطان ؟