هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دخلت الاحتجاجات الشعبية في العراق أسبوعها الثالث، دون أن تلبي الحكومة مطالب المتظاهرين، وأبرزها استقالة رئيسها عادل عبد المهدي، والذهاب لانتخابات مبكرة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مصير المظاهرات، ومن يراهن من الطرفين على عامل الوقت.
واستأنف العراقيون الاحتجاجات في 25 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، بعد انطلاقها في مطلع الشهر ذاته، وتوقفها نحو أسبوع لمناسبة "أربعينية الحسين"؛ للمطالبة بالقضاء على الفساد، وإنهاء البطالة، وتوفير الخدمات، ثم تطورت إلى دعوة الحكومة إلى الاستقالة.
اتباع النصيحة الإيرانية
وتعليقا على ذلك، قال المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي، لـ"عربي21"، إن "عامل الوقت لم يدخل حتى الآن في إستراتيجية طرفي الخلاف، سواء من المتظاهرين أو الحكومة، كلاهما لا يزال يعتقد أن الذي عند الآخر إرادة وقتية، وبالتالي فالوقت لا يعني لهم شيئا، بمعنى أن خطواتهم تكتيكية، وليست إستراتيجية طويلة الأمد".
وأضاف أن "الحكومة تعتقد أن هذه المظاهرات بلا قيادة، وبالتالي هي بلا خطاب ولا منهج ولا إستراتيجية، وبالتالي فإن الحكومة لا تميل إلى مفاوضة المظاهرات، فهي الآن هي تفاوض حصرا أحزاب المولاة والمعارضة؛ لأنها لم تجد من يفاوض من المتظاهرين".
وأوضح الهاشمي أن "المظاهرات الحالية لا تمتلك قيادة تمثلها؛ لأن القيادة تتطلب ثلاثة أشياء، أن تكون ملزمة، وأن يكون لها قاعدة جماهيرية حقيقية، وأن يكون لها خطاب، وهذه الثلاثة غير موجودة في المظاهرات، فهي لديها شعارات وليس خطابا".
وبخصوص الحديث عن تعويل الحكومة على تململ المتظاهرين من خلال التضييق عليهم وحصرهم في أماكن محدودة كما يحصل في ساحة التحرير ببغداد، قال الهاشمي، إن هذه "الخطة الرديئة" أو النصيحة الإيرانية مبنية على أن تحييد المظاهرات أولى من احتوائها أو تهدئتها، وما يجري نوع من أنواع التحييد.
وبخصوص زيادة زخم المظاهرات في المحافظات الجنوبية مع تراجعها إلى حد ما في بغداد، رأى الهاشمي أن "المظاهرات اليوم أشبه بالمخطط البياني لدقات القلب، فالصعود في أماكن معينة والهبوط في أخرى لا يعني شيئا".
اقرأ أيضا: FP: عودة الدولة البوليسية للعراق والمحتجون خائفون
وعلل الهاشمي ذلك بالقول: "لأن هذه المظاهرات توضع تحت مسمى الانفجار الشعبي، وهذا الانفجار غالبا يأكل نفسه قبل أن تأكل شظاياه خصمه، وبالتالي الآن المظاهرات إن لم تخرج قيادة فهي أشبه بالانفجار الذي يأكل نفسه قبل خصمه".
المتظاهرون الرابح الأكبر
من جهته، رأى القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، علي مهدي، أن الرابح الأكبر في استمرار الاحتجاجات هم المتظاهرون أنفسهم، وذلك لأنهم يكسبون الكثير من المتعاطفين معهم، والدليل الموقف الأخير لمرجعية السيستاني في النجف، وموقف الأمم المتحدة، والجامعة العربية، والاتحاد الأوروبي، كلها عوامل تعزز من موقف المتظاهرين، والضغط باتجاه تلبية مطالبهم".
وأعرب مهدي في حديث لـ"عربي21" عن اعتقاده بأن "القوى المهيمنة، التي لا تستطيع تلبية مطالب الشعب، هي الآن حشرت في الزاوية، عكس ما كانوا يتصورون بالتعويل على عامل الزمن والتعب لانحسار هذه المظاهرات، فالاحتجاجات اليوم تتسع رقعتها أكثر فأكثر".
ونوه القيادي في الحزب الشيوعي العراقي إلى أن "المظاهرات الحالية وما يرافقها من تعطيل للأعمال نتيجة الإضرابات في الدوائر الحكومية، كلها تداعيات تصب بالتالي في مصلحة الاحتجاجات، لأن الولادة الجديدة تتطلب مخاضا وتداعيات متعبة بعض الشيء أحيانا".
وردا على تقييد حركة المتظاهرين وحصرهم في أماكن محددة، قال مهدي إن "انتشار المتظاهرين في أكثر من مكان بالتأكيد أفضل من أن يكونوا محصورين في مكان واحد، لكن أهم ما في الاحتجاجات سلميتها، الذي يعد أحد أهم عوامل نجاحها، وعندما تخرج من سلميتها ستكون لها تداعيات سلبية".
وتابع: "قد يفكر الطرف الآخر أن حصر المتظاهرين في ساحة التحرير ببغداد قد يجعل تأثيرهم محدودا، لكن الشواهد تثبت عكس ذلك، فما حصل في العاصمة المصرية القاهرة خير دليل؛ فعندما استمر احتشاد الثوار فقط في ميدان التحرير، كانت النتيجة سقوط نظام حسني مبارك، وحققت نجاحا للثورة".
واختتم مهدي حديثه بالقول: "لكن يبدو أن السياسيين العراقيين غير معنيين بتجمع نصف مليون شخص في ساحة التحرير ببغداد، وكأنه يجب أن يقدم المتظاهرون المزيد من الدماء حتى تتغير الحكومة الحالية".
حكومة فاقدة للشرعية
وعلى صعيد المتظاهرين أنفسهم، يقول الناشط "مصطفى"، أحد متظاهري ساحة التحرير ببغداد، إن "المتظاهرين يحاولون ترتيب أنفسهم أكثر فأكثر كلما مضى الوقت على تواجدهم في ساحة التحرير، على الرغم من تراجع أعدادهم بعد التضييق عليهم من الأجهزة الأمنية، وحصرهم فقط في ساحتي التحرير والخلاني".
وأوضح مصطفى أن "الكثير من المتظاهرين لا يعول على القوى السياسية العراقية الحاكمة منذ 16 عاما، التي يتلقى الكثير منهم التعليمات من إيران، ولا يمتلك استقلالية في قراراته، وإنما العويل على الشارع العراقي والمنظمات الدولية".
وأشار إلى أن "المتظاهرين على الرغم من عدم تقديمهم قيادة تمثلهم حتى الآن، لا سيما في بغداد، إلا أن مطالبهم واضحة، وقد صدرت عنهم بصحيفة تكتك، وتضمنت عشر نقاط، أبرزها إقالة الحكومة، وحل مفوضية الانتخابات الحالية، وإجراء انتخابات مبكرة تشرف عليها الأمم المتحدة، إضافة إلى مطالب أخرى".
ورأى الناشط مصطفى أن "تحقق هذه المطالب يجعل الحكومات المقبلة قوية وفعالة وتمتلك قرارها، لأنها استمدت قوتها من الشارع الثائر، وستكون قادرة على محاسبة رؤوس الفساد في البلد، وإعادة ما نهبوه إلى الشعب".
وبحسب قوله، فإن الحكومة الحالية فقدت شرعيتها، بعدما أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين العزل، فكيف يثق بها الشعب وهي لم تستطع مصارحته بمن يقف وراء قنص الشباب المتظاهر الأعزل؟
وكانت رئاسات الجمهورية والوزراء والنواب في العراق قد تعهدت في بيان رسمي، السبت الماضي، "بالامتناع ورفض أي حل أمني للتظاهر السلمي". وأكد الالتزام بـ"المحاسبة الشديدة لأي مجابهة تعتمد العنف المفرط". وإن القائد العام للقوات المسلحة منع استخدام الرصاص الحي وجميع أشكال العنف التي تعتمد القسوة والمبالغة فيها" في مواجهة المتظاهرين.
وارتفع عدد ضحايا المظاهرات في العراق، منذ بدايتها أول الشهر الماضي، إلى 301 على الأقل، وأكثر من 15 ألف مصاب، حسب المفوضة العليا لحقوق الإنسان.