قضايا وآراء

يا مصريين.. أدركوا اللحظات الفارقة

فدوى العجوز
1300x600
1300x600
منذ أسبوعين أو ثلاثة أسابيع فقط كنا ننظر للوضع في مصر على أنه "hopeless case" لا أمل فيه، وكنا نزعم (المتفائلون منا) أن أمامنا على الأقل 10 سنوات حتى نستطيع التخلص من السيسي أو نستبدله برئيس آخر، وهذا الكلام سمعته من محللين ومفكرين ومن عوام الناس، ومن كل الفئات والطبقات، بل إن البعض زادت عنده جرعة الإحباط واليأس؛ قائلين إن أمام المصريين ليس أقل من 20 أو 30 سنة حتى يتمكنوا من الخلاص منه.

ولكن يد الله فوق أيديهم.. فكثيرا ما ننسى أن الله هو المدبر لهذا الكون، أرضه وسمائه، حكامه ومحكوميه، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، وأنه تعالى يفعل ما يشاء وقتما يشاء كيفما يشاء.

حينما ننظر للتحالف الدولى ضد حرية الشعوب المسلمة والعربية يتملكنا اليأس والإحباط.. ولسان حالنا يقول: "هنروح فين" من خطط الصهيانة وسيطرت الأمريكان على العالم والحكام العرب المتصهينين والخائنين لعروبتهم ودينهم.. حين ننظر لحال المجتمع وضياع الدين والأخلاق في مصر وفي غيرها من الدول الإسلامية؛ نقول هيهات هيهات.. أنى لنا أن ينصرنا الله أو تتنزل علينا رحمته، وحين ننظر لتغلغل الدولة العميقة وتغول السلطة التنفيذية والقضائية وضياع القانون وضياع كل ما فيه أمل لتحررينا من هذه العصابة؛ نضرب كفا بكف ونقول لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي هذه اللحظة حينما تيأس العقول عن التفكير وننظر إلى السماء ونقول.. يارب ليس لها إلا أنت.. يا رب لا حول لنا ولا قوة إلا بك.. "حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين".. (يوسف: 110).

هنا تأتي اللحظة الفارقة التي يغير الله فيها الأقدار، ويضرب الله عز وجل بكل حساباتنا البشرية وتفكيرنا المحدود عرض الحائط، وتتحرك يد القدرة الإلهية لضرب الظالمين بالظالمين وتحرير مصر والقصاص للشهداء، وتفريج كرب المعتقلين وأهلهم، وكنا نظن أنها لن تأتي إلا بعد عشرات السنين.. ألا ندرك هذه اللحظة!! ألا نغتنمها!! وكأن الأرض والسماء قد اتفقتا على تحرير المصريين وإنقاذ مصر من هذا الطاغية الخائن.. وكأن الله قد أذن بالقصاص لدماء الشهداء.. وكأن لعنة دم الرئيس الدكتور محمد مرسي قد رجحت كفة الغلبة للمظلومين، فقد أذن الله للمكلومين بأن يشفي صدورهم، وأذن لظلمة السماء أن تنقشع.

وهناك عدة أسباب تجعلنا نوقن بأنها لحظة فارقة في تاريخ مصر، وأن الله قد هيأ هذه اللحظة بقدرته وتدبيره، وأن الأمر ليس صدفة ولا انقلابا ناعما، ولا هي شطارة محمد علي ومن معه.. هي فعلا أسباب مجتمعة ومرتبة وترتيبها أكبر من قدرات البشر وتتمثل بعض هذه الأسباب في ما يلي:

السبب الأول هو الوضع الدولى المرتبك، فالحليف الأكبر للسيسي دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة يواجه الآن مجلس الشيوخ ومجلس النواب للتحقيق معه وعزله، إذا ثبتت عليه التهم الموجهة إليه، والمتمثلة في عدد من الملفات خلال فترته الرئاسية وماضيه وأعماله. أما الحليف الاستراتيجي الآخر المتمثل في الكيان الصهيوني، فيعاني نتنياهو من خسارته في الانتخابات البرلمانية مع احتمالية محاكمته. وبالنسبة للسعودية كفيلة السيسي، فهي ما زالت تترنح من الضربة القاسية في اقتصادها.

والسبب الثاني هو انضمام فئة كبيرة من الجيش والشرطة (من غير المتورطين في قضايا فساد أو دم) لصف الشعب في الإطاحة بالسيسي، بعد تأكدهم بالأدلة أنه عميل صهيوني وخائن، مما حرك المياه الراكدة، وقد نقول المتعفنة في صفوف الجيش والشرطة، والذين فقد أغلبيتهم الإحساس بوطنيتهم من طول خدمتهم للنظام ورموزه وعناصره الفاسدةـ ونسوا أنهم أبناء مصر وليسوا أبناء النظام.. وهذا بالطبع نقطة حاسمة.

أما السبب الثالث فهو وجود "قائد" لتحريك الشعب؛ لا ينتمى لأي فصيل من الفصائل التي كان يدور حولها الصراع في مصر، "قائد" يوجه الشارع ويحفزه بلغة يفهمها الغالبية العظمى من الشعب المصري وتحرك فيه النخوة والحمية، وهذا أيضا من أكبر متطلبات الثورات التي نادرا ما تتوفر.

والسبب الرابع والأهم هو غليان الشعب المصري بكل طوائفه وانتماءاته وأيديولوجياته، فالكل قد اكتوى بنار السيسي وظلمه وفساده وخيانته ولسان حالهم "مش باقيين على حاجة هي موتة والسلام.. يا هنموت بالرصاص يا هنموت من الجوع والفقر والظلم".

هذه الأسباب نادرا ما تجمتع في وقت واحد في بلد واحد.. أليست هذه لحظة فارقة يا سادة؟! لو ضاعت هذه الفرصة من أيدينا وبقي السيسي جاثما على الصدور وعاد من نيويورك كرئيس لمصر؛ فترقبوا الطامة الكبرى.. انتقاما أعمى ومذابح وقمعا أكثر فأكثر.. وقد لا أستبعد استعانته بقوى ومليشيات خارجية في استعادة سيطرته على الجيش والشرطة، وتأديب كل من خرج عليه أو حتى راودته نفسه بذلك.

يا شعب مصر لا تنتظروا تأويل النخب والأحزاب أو الجماعات لما يحدث في مصر.. فقليل منهم فقط من أعلن موقفا رسميا بشأن دعوة محمد على للتظاهر، فكل منهم ينتظر ما ستؤول إليه الأمور وبعدها يقرر موقفه.. هكذا هم حكماء الغفلة، تجدهم حيثما لا تريدهم وتفتققدهم عندما نكون في أشد الحاجة لفكرهم وتنظيرهم ورؤيتهم.

يا كل المصريين إنها فعلا لحظات فارقة في تاريخنا.. هيأها الله لنا بعد أن يئست العقول وحارت القلوب، وكل منا ينادي في نفسه: أين السبيل والمخرج؟ فمن يقرر منكم النزول للشارع فلتكن لله، ولرفع الظلم وللدفاع عن الأوطان المغتصبة والأعراض المنتهكة والدين الذي أراد السيسي وأده وطمسه وتحريفه.. فلتكن للقصاص من القاتل الخائن.. فلتكن لتحرير مصر من عميل صهيوني سلّم بلدنا للصهاينة على طبق من ذهب.
التعليقات (0)