هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
غاب الانسجام في مواقف أحزاب التيار الإسلامي في الجزائر، إزاء الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بين من يرى المشاركة بمرشحه، وإمكانية دعم مرشح من خارج التيار، وخيار المقاطعة.
رغم أن ثمة شبه إجماع بين أحزاب التيار الإسلامي على الانخراط في المسار الانتخابي، إلا أن هذا الواقع لم يمنع وجود حساسيات مختلفة في التعاطي مع الانتخابات الرئاسية، ظهرت مع إعلان عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني، المشاركة في الانتخابات مباشرة، بعد قرار رئيس الدولة استدعاء الهيئة الناخبة في منتصف الشهر الجاري.
بن قرينة
ويُعد بن قرينة الذي اشتغل وزيرا زمن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من القيادات الإسلامية التي توصف بأنها قريبة من السلطة، إذ كان دائما يشتغل ببراغماتية، ويرفض المواقف الراديكالية، وفق ما يعرفه نشطاء.
وتبدو حظوظ بن قرينة ضئيلة في لعب أدوار أولى في هذه الرئاسيات، رغم تفاؤله المفرط بالفوز، فحزبه يمتلك عددا محدودا من المنتخبين والوعاء الانتخابي الذي يغرف منه تتقاسمه أحزاب أخرى أكثر تجذرا.
وأبدى حزب بن قرينة في الأشهر الأخيرة، تماشيا مع مواقف السلطة في الجزائر، حتى أنه وافق على تقديم نائب عنه (سليمان شنين) ليكون رئيسا للمجلس الشعبي الوطني.
موقف "حمس"
وتتوجه الأنظار إلى أكبر الأحزاب الإسلامية، حركة مجتمع السلم (حمس)، التي تحسم غدا السبت، قرارها النهائي إزاء الانتخابات، مع احتمال قوي بدخولها هي الأخرى برئيسها عبد الرزاق مقري.
ورغم أن حركتي "مجتمع السلم" و"البناء" هما في الأصل في حزب واحد انقسم في ظروف خاصة بعد وفاة المؤسس محفوظ نحناح، إلا أنهما غير متفقتين على رؤية واحدة بخصوص الانتخابات الرئاسية.
وكانت حركة مجتمع السلم، قد استبقت جلسة تصويت مجلس الشورى الخاص بها السبت، باستشارة واسعة شملت مناضليها والمتعاطفين معها في كل المحافظات الجزائرية.
اقرأ أيضا: رجالات محسوبة على نظام بوتفليقة تنافس بسباق الانتخابات
وأفضت هذه الاستشارة بحسب مصدر قيادي من الحركة تحدث لـ"عربي21"، إلى وجود ترجيح لكفة المشاركة للقواعد المستطلعة آراؤها، ما سيكون تأثيره ظاهرا في جلسة التصويت على القرار النهائي.
وأوضح المصدر أن المواطنين الذين يرغبون في الذهاب للرئاسيات، قالوا بأنهم يخشون عواقب استمرار هذه الأزمة، ويعتقدون بأن الانتخابات الرئاسية هي الوسيلة الوحيدة التي يمكنها أن تُعيد الأمور إلى نصابها.
واجتهدت حركة مجتمع السلم، وفق رئيسها عبد الرزاق مقري، في الوصول إلى توافق وطني باختيار مرشح واحد في الانتخابات الرئاسية، كونه الخيار الأكثر أمانا في المستقبل القريب، إلا أن الطموحات الشخصية للسياسيين البارزين في المعارضة خلال هذه الفترة يبدو أنها عطّلت هذا المشروع.
جبهة العدالة والتنمية
ويوجد في قائمة الإسلاميين الذين لم يحسموا قرارهم بعد، حزب جبهة العدالة والتنمية الذي راجت أخبار منذ فترة عن إمكانية دعمه المترشح علي بن فليس رئيس الحكومة سابقا المحسوب على التيار الوطني.
وكان هذا الحزب الذي يقوده عبد الله جاب الله، قد نسّق قبل الانتخابات الرئاسية لـ18 نيسان/ أبريل الماضي، مع حزب طلائع الحريات الذي يقوده علي بن فليس في إطار مشروع مرشح توافقي للمعارضة، إلا أن الحراك الشعبي أدى إلى إلغاء هذه الانتخابات بعد أن ترشح لها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقال لخضر بن خلاف رئيس مجلس شورى جبهة العدالة والتنمية، إنه "لا يوجد قرار نهائي داخل الحزب بشأن موقفه من الانتخابات الرئاسية، وسيكون على مجلس الشورى الخروج بموقف في اجتماعه غدا".
وأوضح بن خلاف في تصريح لـ"عربي21"، أن هناك خيارات عدة مطروحة، من بينها مشاركة الحزب إما برئيسه أو بإطار منه أو بدعم مرشح آخر، وإما مقاطعته للانتخابات بالطريقة الإيجابية التي يؤمن بها".
وتابع بن خلاف بأن حزبه سعى لأشهر من أجل جمع الأحزاب خلال الأشهر الأخيرة، الأمر الذي تحقق مع أرضية "عين البنيان" التي كانت تدعو لحل سياسي دستوري، إلا أن أطرافا أفسدت هذا المشروع الذي كان قادرا على أن يخرج البلاد من الأزمة، وفق قوله.
المقاطعون
وضمن زمرة المقاطعين للانتخابات الرئاسية من التيار الإسلامي، يبرز قياديون ومناضلون من الجبهة الإسلامية للإنقاذ، المحظور نشاطها، إذ يتبنى هؤلاء موقف الحراك الشعبي الذي يشاركون فيه كل جمعة رفضا لتنظيم الانتخابات الرئاسية مع بقاء رموز نظام بوتفليقة.
وفي الفترة الأخيرة، أعلن كذلك حزب الحرية والعدالة الذي يقوده محمد السعيد مقاطعته للانتخابات، بسبب "عدم توفر شروط النزاهة"، وفق ما أكده بيان للحزب.
اقرأ أيضا: قايد صالح يهاجم رافضي انتخابات الجزائر ويصفهم بـ"الشرذمة"
ويُحسب محمد السعيد على "التيار الإسلامي النخبوي"، إذ كان من مؤسسي حركة الوفاء التي لم تحصل على الاعتماد بقيادة أحمد طالب الإبراهيمي في نهاية التسعينيات.
نقاش فكري
ويبدو أن الإسلاميين في الجزائر، قد تجاوزوا مع الوقت، فكرة ضرورة "الوحدة" التي ظلت تلازم طرحهم لسنوات طويلة، وأصبحوا اليوم يعترفون بالتعددية داخل تيارهم ولا يتحرجون منها.
وقال ناصر حمدادوش، أحد القيادات التي تكتب مقالات أسبوعية عن علاقة الإسلاميين بالسياسة، أن أبناء التيار أصبحوا كغيرهم من التيارات والمدارس الفكرية الأخرى "يخضعون إلى منطق التعددية الحزبية، على اعتبار أن العمل السياسي اجتهاد تقديري بشري، مهما اختلفت مرجعياته، ولذلك فهم يناضلون ضمن قاعدة: المذاهب أحزاب الفقه، والأحزاب مذاهب في السياسة".
وأبرز حمدادوش في حديثه مع "عربي21"، أنه "بالرغم من الخطوط الحمراء التي يُراد إخضاعهم لها، ومنها عدم السماح لهم للوصول إلى منصب رئيس الجمهورية، خاصة بالنسبة للحركة الإسلامية العربية بخلاف الحركة الإسلامية لدى الأعاجم، إلا أن ذلك ليس قدرا نازلا، ولا أمرا دائما".
وأضاف النائب في البرلمان، أن "قيد عدم ترشح الإسلاميين، قد كسره الشيخ الراحل محفوظ نحناح سنة 1995، ووصول إسلاميين إلى هذا المنصب، مثل ماليزيا وتركيا وإيران، ووصول بعض الإسلاميين إلى مواقع متقدمة في المشاركة السياسية، سواء في البرلمانات أو الحكومات"، وفق قوله.
غير أن رسالة للمفكر الإخواني محمد أحمد الراشد، ظهرت قبل يومين، ناشدت الإسلاميين في الجزائر الابتعاد في هذه المرحلة عن قبول منصب الرئاسة.
وبرّر الراشد مخاوفه بالقول إن هذه المرحلة حساسة، بل مجهولة الصفات، مشيرا إلى أن "فرنسا من خلال التطرف اليميني والنهج الاستعماري المعروف عن رئيسها ماكرون ستنوب عن أمريكا في منع إسلامي صِرف أن يترأس الجزائر".
وأشار إلى أن الوعي الشعبي العام في الجزائر لن يبلغ درجة فهم المؤامرة الغربية، وأن يستوعب ضرورة إسناد الرئيس، بل قد يخذله ويتركه وحيدا، فيصعب عليه الصمود".