هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شكك مركز كارنيغي للشرق الأوسط، في الفوائد الاقتصادية لمشاريع البنى التحتية الضخمة التي نفذها رئيس رئيس سلطة الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي، منذ استيلائه على الحكم.
وقال المركز في تقرير له بعنوان "مشاريع السيسي الكبرى العقيمة" نشره موقع صدى، المعني بنشر إضاءات جديدة عن التغيير السياسي والنزاعات الإصلاحية في العالم العربي، إنه على الرغم من أزمة الديون المستفحلة في مصر، تبقى مشاريع البنى التحتية الضخمة المشكوك في فوائدها الاقتصادية أولوية حكومية.
وأشار التقرير إلى أن أزمة الديون في مصر تفاقمت مع بلوغ مجموع الديون ما نسبته 101 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول أواخر عام 2018، وكلفة خدمة الدين 31 في المئة من موازنة 2016-2017.
اقرأ أيضا: MEE: هؤلاء المستفيدون من قرض صندوق النقد الدولي لمصر
وأوضح التقرير أنه "من التحديات البارزة التي تطرحها أزمة الديون العبء الذي تتحمّله الموازنة بسبب استحقاقات تسديد الفوائد"، لافتا إلى أن هذا العبء دفع بالحكومة إلى التخطيط لإعادة جدولة الديون، والاعتماد على القروض الطويلة المدى، وإصدار سندات ذات قسائم صفرية أي سندات من دون فائدة تُباع بسعر مخفَّض جداً.
واستطرد: "وعلى الرغم من الأعباء على الموازنة، تتواصل الاندفاعة لتنفيذ مشاريع ضخمة في البنى التحتية".
"وظيفتَان مهمتَان"
وبين التقرير، أن النظام المصري يُروّج لهذه المشاريع أنها أساسية لإنعاش الاقتصاد المصري، لكنها تؤدّي وظيفتَين مهمتَين. فهي توفّر للجيش فرصاً إضافية لزيادة تدخّله في جوانب مختلفة من الاقتصاد المصري، وفي نفس الوقت تُستخدَم هذه المشاريع كأداة لفرض السلطة وترسيخ الدعم في صفوف أنصار النظام.
وكان السيسي قد أنكر ذلك في أيار/ مايو، مشيراً إلى أن دور الجيش في هذه المشاريع هو محض "إشرافي". بيد أن التقارير تحدّثت مؤخراً عن نمو الشركات المملوكة من القوات المسلحة في عهد الرئيس السيسي من خلال مشاركتها في مشاريع ضخمة للبنية التحتية.
والمثال الأبرز في هذا الصدد هو شركة العريش للأسمنت التي شيّدت مؤخراً مصنع الأسمنت الأكبر في مصر بقيمة مليار دولار أمريكي. وبلغت قدرة المصنع الإنتاجية 79 مليون طن من الأسمنت في عام 2018، وهذه الكمية أعلى بكثير من قدرة السوق على الاستيعاب والتي تُقدَّر بـ52 مليون طن. غير أن الجيش أشار سابقاً إلى أن أعمال البناء والمشاريع الجديدة سوف تؤدّي إلى زيادة حجم السوق.
وقد دفع توسُّع الامتداد الاقتصادي للقوات المسلحة بصندوق النقد الدولي إلى التحذير في أيلول/سبتمبر 2017 من أن "تدخّل الكيانات التابعة لوزارة الدفاع قد يتسبب بتعطيل" استحداث الوظائف وتطوير القطاع الخاص.
اقرأ أيضا: بضباط التقاعد.. السيسي يعسكر الشركات وقطاعات الدولة
"زيادة نفوذ الجيش"
وكان السيسي نفسه قد أشاد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بقدرة القوات المسلحة على تنفيذ مشاريع البنى التحتية الضخمة بوتيرة أسرع بثلاث إلى أربع مرات من القطاع الخاص – في إشارة إلى نيّته التعويل على الجيش لتنفيذ هذه المشاريع التي تُفضي إلى زيادة النفوذ الاقتصادي للقوات المسلحة.
وعن استخدام مشاريع البنى التحتيه كأداة لفرض السلطة وترسيخ الدعم في صفوف أنصار النظام، قال التقرير إن المثال الأبرز في هذا المجال هو توسعة قناة السويس التي صُوِّرت بأنها ضرورية للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية.
وفي عام 2014، زعم رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، أنه يُتوقَّع أن تصل الإيرادات إلى مئة مليار دولار في السنة. ولكن الأرقام تُظهر أن الحجم الإجمالي للاقتصاد المصري بلغ 249 مليار دولار في أواخر عام 2018، في حين أن مجموع العائدات التي أمّنتها قناة السويس في السنة نفسها لم يتجاوز الـ5.7 مليار دولار.
وجرى تمويل توسعة قناة السويس بصورة أساسية من خلال إصدار سندات محلية في أيلول/ سبتمبر 2014، بمعدّل فائدة بلغ 12 في المئة. وترافق ذلك مع حملة ترويجية وصفت المشاركة في التمويل بأنها واجب وطني. لم يُحقّق المشروع المنافع المتوقَّعة، وشهدت إيرادات القناة تراجعاً في السنوات الأولى. ففي عام 2014، أي قبل التوسعة، بلغت الإيرادات 5.5 مليار دولار. وفي عام 2015، تراجعت إلى 5.1 مليار دولار، ثم إلى 5 مليارات دولار عام 2016، لتشهد ارتفاعاً من جديد عام 2018 مع بلوغها 5.5 مليار دولار.
ولم يتمكّن مشروع التفريعة الجديد من توليد إيرادات كافية لتسديد الأقساط، ما أرغم وزارة المالية على تسديد مبلغ الـ 600 مليون دولار، لأن هيئة قناة السويس لم تكن تملك الاحتياطي الضروري.
اقرأ أيضا: هذه أسباب فشل "برامج السيسي" في حماية المصريين من الفقر
"رفع معنويات الشعب"
ومع ذلك، فقد صرّح السيسي في مقابلة تلفزيونية في حزيران/ يونيو 2016 أن الهدف من التوسعة التي بلغت كلفتها 8 مليارات دولار كان رفع معنويات الشعب المصري لا تحقيق منافع اقتصادية ملموسة.
وقد سلّط حفل تدشين المشروع الضوء على هذه الجهود، مع تأدية مروحيات عسكرية ومقاتلات "إف 16" عروضاً عبر التحليق على علو منخفض، وحضور الرئيس السيسي في زيّه العسكري الكامل، ومشاركة عدد من رؤساء الدول. وكان الهدف من هذا الاستعراض إظهار قوة النظام وعظمته.
وتابع التقرير: "من المشاريع العقيمة المشابهة جسر روض الفرج المعلّق الذي افتتحه الرئيس السيسي في 15 أيار/ مايو. وقد تولّت تشييده الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالاشتراك مع شركة المقاولون العرب المحلية للإنشاءات، وعملت حملة إعلامية على الترويج للجسر الذي وصفته بأنه الجسر المعلّق الأكبر في العالم، وصوّرته بالإنجاز الذي تحوّل إلى "حديث العالم بأسره".
وأردف التقرير: "من الأمثلة الأخرى بناء المسجد والكنيسة الأكبر في البلاد، والعاصمة الإدارية الجديدة التي دشّنها السيسي في كانون الثاني/ يناير 2018، وصُوِّر تدشين الكنيسة بأنه "حيوي" للأقباط في مصر. علاوةً على ذلك، أُطلِق على المسجد اسم الفتاح العليم في إشارة واضحة إلى السيسي. وتشمل هذه المشاريع أيضاً بناء البرج الأطول في أفريقيا والمتحف الأكبر في العالم المخصّص لحضارة واحدة".
ووتوقع التقرير أن تبلغ كلفة المتحف الذي أِطلِق عليه اسم "المتحف المصري الكبير" مليار دولار، ويُرتقَب أن يكون الافتتاح عام 2020.
اقرأ أيضا: بلومبيرغ عن الاقتصاد المصري: الفقر يزداد رغم تباطؤ التضخم
"ضغوط ملحة"
وقال: "قد تكون لبعض هذه المشاريع منافع ما، لكن مصر تواجه عدداً من الضغوط الملحّة في مجال البنى التحتية، بما في ذلك ترميم السكك الحديد التي تنقل يومياً 1.4 مليون راكب في المعدل والتي باتت قديمة ومتهالكة".
يُشار في هذا السياق إلى أنه جرى مؤخراً تخصيص 300 مليون جنيه مصري (18 مليون دولار) للسكك الحديد، في حين أن الحاجة هي إلى استثمار سنوي قدره نحو عشرة مليارات جنيه (602 مليون دولار). وفي عام 2017 وحده، شهدت السكك الحديد 1657 حادثاً، أي بزيادة بلغت نسبتها 33 في المئة في الأعوام الأخيرة.
وأكد التقرير أن "التحديات التي تطرحها هذه المشاريع الضخمة هي أنها تُنفَّذ على حساب مشاريع من شأنها إحداث تحسينات اقتصادية ملموسة تساهم في رفع المستوى المعيشي للمصريين العاديين الذين يرزحون تحت وطأة مشقات اقتصادية متزايدة"، لافتا إلى ارتفاع معدلات الفقر من 27.8 في المئة عام 2017 إلى 30.2 في المئة عام 2018، ما يتسبب في استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.