هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حفلت تنظيمات جهادية معروفة بكتاب "إدارة التوحش.. أخطر مرحلة ستمر بها الأمة" لمؤلفه أبي بكر ناجي، والذي وُصف منذ صدوره في 2004 بــدستور الحركات الجهادية الذي يحدد ويشرح الأسس النظرية لاستراتيجيات تيارات الجهاد المعولم.
ووفقا لمؤلف الكتاب ناجي فإن ما أسماه حالة التوحش هي "المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتُعد أخطر مرحلة فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة – بإذن الله – هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة".
ويشير الباحث المتخصص في شؤون الحركات الجهادية، حسن أبو هنية إلى أن فكرة "إدارة التوحش" التي طرحها ناجي في كتابه تعني أنه "في حالة سقوط الدولة وذهاب قوتها، تسود أجواء الفوضى والتوحش، وعلى الجهاديين أن يسارعوا إلى استغلال هذه الفرصة، واتخاذها وسيلة تمهيدية بين يدي مرحلة التمكين"، موضحا أن ناجي "درس في كتابه تجارب تاريخية عديدة شهدت إدارة التوحش".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "إلا أن التعاطي الإعلامي غير المتخصص والشعبوي للفكرة صورها وكأنها تدعو إلى خلق حالة التوحش وإيجادها، مع أن الكتاب يعرض للفكرة بطريقة مختلفة تماما، فهو يحرض الجهاديين على أن يحلوا محل الدولة المركزية في حال انحلالها وسقوطها، والمبادرة إلى إقامة إدارات مستقلة تدير شؤون الناس، وتحكم بالشريعة".
وتابع: "ولعل من أوضح الأمثلة على فكرة الكتاب ما طبقه تنظيم "أنصار الشريعة"، فرع تنظيم القاعدة في اليمن، والذي فرض سيطرته على محافظة أبين، ومنطقة عزّان بمحافظة شبوة الجنوبية، أثناء الثورة الشعبية ضد نظام الرئيس علي عبد الله".
ولفت أبو هنية إلى أن الكتاب "لم يكن من مرجعيات تنظيم الدولة الإسلامية بصورة أساسية، لأن تنظيم الدولة استند بشكل رئيسي ومركزي في تطبيقاته على كتاب "فقه الدماء" لعبد الله المهاجر، موضحا أن تنظيم الدولة تلاقى مع فكرة الكتاب حينما استغل الفرصة التي أُتيحت له بإدارة المناطق التي خضعت لسيطرته، بعد تفكك السلطة المركزية في كل من العراق وسوريا".
رأى الحموي أن التنظيمات الجهادية مُنيت بضربات موجعة، خاصة "بعد انشقاقات تنظيم الدولة، وشقها لتنظيم القاعدة، وقتالها وتكفيرها لها، والذي كان من آثاره أنه لم يعد هنالك أحد من الشباب الجدد يثق بهكذا فكر وهكذا تنظيمات".
ويُذكر أن هوية مؤلف الكتاب، والذي ظهر باسم "أبو بكر ناجي" ما زالت مجهولة، ويُرجح الباحث أبو هنية أن يكون مؤلف الكتاب أحد شخصين، إما أبو مصعب السوري أو المصري محمد خليل الحكايمة.
من جهته قال القيادي السابق في جبهة النصرة السورية صالح الحموي، صاحب الحساب المعروف على تويتر بـ"أس الصراع في الشام" في تعليقه حول معرفة الجهاديين بفكرة الكتاب وتطبيق رؤيته: "عادة ما يتم تضخيم الأمور والمبالغة فيها"، لافتا إلى أننا "لا نجد في كل جبهة النصرة خمسين شخصا سمعوا بأبي بكر ناجي، فضلا عن سماعهم بكتابه ثم تطبيقه".
وواصل حديثه لـ"عربي21" مشيرا إلى أن "القاعدة في سوريا شبه انتهت، وفي اليمن تشظت وتشرذمت، وغالب التنظيمات الجهادية تآكلت وأفل نجمها، وما تبقى منها فلول، وغالبهم اقتنعوا بخطأ الفكر والتطبيق، حتى غالب قيادات تنظيم الدولة من الصف الأول باتوا يبحثون عن سبيل للخلاص بعد أن رأوا عقم منهجهم".
ورأى الحموي أن التنظيمات الجهادية مُنيت بضربات موجعة، خاصة "بعد انشقاقات تنظيم الدولة، وشقها لتنظيم القاعدة، وقتالها وتكفيرها لها، والذي كان من آثاره أنه لم يعد هنالك أحد من الشباب الجدد يثق بهكذا فكر وهكذا تنظيمات".
وتعليقا على ما آلت إليه أحوال التنظيمات الجهادية، أشار الحموي إلى أن "أعدادا كبيرة من الجهاديين بعد فشل مشاريعهم في سوريا، باتوا على قناعة بأن الحل الأنجع يتمثل بوجود دولة مدنية دستورية، تجري فيها انتخابات حرة ونزيهة، ويكون تطبيق الشريعة بالتدرج وفق استفتاءات دستورية" على حد قوله.
توقع عبد الولي أن تظل فكرة إدارة التوحش حاضرة في صفوف الجهاديين، نظرا لعدم وجود أي تنظير آخر يستطيع أن يقدم البديل بنفس الوضوح وصولا إلى غايتهم المبتغاة.
وعن مدى مراجعة التنظيمات الجهادية لفكرة إدارة التوحش، أو تخليهم عنها، لاحظ عبدالولي أن "نظرة التنظيمات الجهادية في سوريا، متمثلة بجبهة النصرة، اتخذت منحى مخالفا ومغايرا للخطوط المرسومة، بدخولها في العملية السياسية، واجتهادها في الحد من استعداء الدول من خلال التعامل والتعاون مع الأتراك، والاتجاه نحو الدولة المدنية وما إلى من توجهات أخرى".
وإجابة عن سؤال "عربي21" حول تمسك تنظيم الدولة والمجموعات الجهادية الأخرى بفكرة إدارة التوحش، أكدّ عبد الولي أنها "ستكون أكثر تمسكا بها، لتحافظ على وجودها بعد خسارتها الأرض، عبر تفعيلها لعمليات الذئاب المنفردة التي ستكون أقوى بكثير مما كانت عليه في سابق عهدها".
وطبقا لعبد الولي فإن "المطاردين من تنظيم الدولة والتنظيمات الأخرى لن يتمكنوا من المحافظة على وجودهم إلا بتطبيق استراتيجيات إدارة التوحش، والتي سيصاحبها على الأغلب توسيع دائرة التكفير، وهو الملاحظ فبعد أن كان تكفيرهم مقتصرا على السروريين والإخوان المسلمين أضافوا إليها الجماعات الجهادية التي لم تدخل في بيعتهم كأحرار الشام والنصرة، وحتى طالبان لم تسلم منهم، وقيادات القاعدة وعلى راسهم الظواهري".
وتوقع عبد الولي أن تظل فكرة إدارة التوحش حاضرة في صفوف الجهاديين، نظرا لعدم وجود أي تنظير آخر يستطيع أن يقدم البديل بنفس الوضوح وصولا إلى غايتهم المبتغاة.
وتجدر الإشارة إلى أن التنظيمات الجهادية تتسم بصلابة أيدولوجيتها العقدية، ووثوقيتها الشديدة بمنهجيتها الحركية والقتالية، ما يعني أنها إن مُنيت بخسارة أفقدتها وجودها بعد ممارستها لإدارة التوحش في منطقة ما، فإن ذلك لا يمثل نهاية المطاف بالنسبة لها، وهو ما عبر عنه مؤلف الكتاب بقوله "وإذا أخفقنا – أعاذنا الله من ذلك – لا يعني ذلك انتهاء الأمر، ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش" وفق وصفه.