هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار تنظيم مصر "المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد"، سخرية المصريين الذين تندروا بالحديث عن حبس النظام رئيس جهاز المركزي للمحاسبات الأسبق المستشار هشام جنينة، الذي كشف أن حجم الفساد الحكومي والجهات السيادية في مصر بلغ 600 مليار جنيه، متسائلين: كيف يرعى السيسي مكافحة فساد أفريقيا ومصر غارقة فيه؟
وعلى مدار يومي الأربعاء والخميس، نظمت مصر "المنتدى الأفريقي الأول لمكافحة الفساد" بمشاركة 55 دولة، في مدينة شرم الشيخ، برعاية رئيس سلطة الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وذلك بالتزامن مع المؤتمر الرابع لاتحاد هيئات مكافحة الفساد.
وتقبع الأجهزه الرقابية تحت سيطرة الجيش، منذ ثورة يناير 2010، فرئيس هيئة الرقابة الإدارية هو اللواء شريف سيف الدين، ومن قبله القادة العسكريون السابقون اللواء محمد عرفان، واللواء محمد عمر هيبه، واللواء محمد فريد التهامي.
"فساد الكبار"
والشهر الماضي عادت أنباء الدفاع عن الفساد وأركانه للواجهة، ففي الوقت الذي تم حبس رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة لكشفه قضايا فساد مليارية، وتبرئة وزير داخلية مصر الأسبق حبيب العادلي، من قضايا فساد تربو على 2 مليار جنيه، ورفع اسمه واسم زكريا عزمي، أحد أعمدة نظام مبارك من قوائم الممنوعين من السفر؛ تفجرت قضية فساد كبيرة تم التكتم عليها إعلاميا.
القضية أبطالها، هما وزيرة الاستثمار السابقة ورئيسة مجلس إدارة شركة "إيجل كابيتال" التابعة للمخابرات داليا خورشيد، وزوجها محافظ البنك المركزي طارق عامر، واللذين مارسا ضغوطا على إحدى البنوك لمنع الحجز على شركة تابعة لنجل رجل الأعمال محمد فريد خميس المديونة بـ(450 مليون جنيه)، نحو (25 مليون دولار).
"لم التكتم على الكبار؟"
وللتكتم على القضية منعت السلطات طباعة صحيفة "الأهالي" التي نشرت بالأرقام فساد كبار رجال الدولة، في أيار/ مايو 2019، فيما لم تكن الواقعة الأولى التي يتم فيها التستر على الفساد حيث صودرت صحيفة "الوطن"، في آذار/ مارس 2015، لنشرها معلومات عن "تهرب ضريبي لـ 13 جهة سيادية بما يقرب 8 مليارات جنيه".
وعلى وقع قضية فساد خورشيد وعامر، فجر البنك المركزي، قضية فساد مالي كبير، حيث وجه طارق عامر، اتهاما للعضو المنتدب للبنك العربي الإفريقي الدولي السابق، حسن عبدالله، بإهدار (9.2 مليارات جنيه) وتحويلها للخارج، والاستيلاء على 24 مليون دولار و112 مليون جنيه مكافآت بعام واحد.
ورغم أن البرلماني محمد فؤاد، وجه تساؤلا لرئيسي البرلمان والحكومة، وقدم مذكرة للرقابة الإدارية، عن استغلال داليا خورشيد، لمنصب زوجها طارق عامر، للتربح، إلا أنه لم يتم التحقيق بالواقعتين اللتين اعتبر مراقبون أن كشفهما جاء تصفية لحسابات بين الكبار.
"الفساد والفقر"
وكشف كتاب "هل مصر بلد فقير حقا؟"، الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، والذي تسبب باعتقال مؤلفه الأكاديمي عبدالخالق فاروق -أفرج عنه لاحقا- وغلق المطبعة ومصادرة الكتاب؛ عن حجم الفساد في مصر، وزيف مقولة السيسي، "مصر فقيرة".
فاروق، قال بكتابه: "هناك سبب آخر لسوء الأوضاع الاقتصادية، وهو الفساد وسوء إدارة موارد الدولة"، مشيرا لـ"اقتصاد المحاسيب"، والتواطؤ بين رجال المال والأعمال وأفراد الحكم والإدارة، ودورهم باصطناع الأزمات للتربح منها، داعيا لتنقية المنظومة القانونية من مواد حماية الفاسدين.
"أين كانت وماذا أصبحت؟"
وبينما سجلت مصر المركز السبعين بمؤشرات الفساد عام 2006، والمركز 98 عام 2009، نهاية عهد مبارك، إلا أنها تتذيل مؤشرات الشفافية الآن.
وفي آذار/ مارس 2018، صنفت منظمة الشفافية الدولية مصر بمؤشر مدركات الفساد بالمركز 117 من 180 دولة، وفي كانون الثاني/ يناير 2017، احتلت المرتبة 108 بين 176 فيما كانت بالمرتبة 88 من بين 168 دولة عام 2015.
واتهمت المنظمة مصر بعهد السيسي، بالفساد في مشتريات السلاح وعدم الشفافية حول الصفقات والمشاريع الاقتصادية للجيش، مؤكدة أن "الفساد مستشر بمصر مع غياب الإرادة السياسية لمكافحته".
كما انتقدت الشفافية الدولية للدفاع والأمن، عدم الكشف عن ميزانية الدفاع وجعلها سرا من أسرار الدولة، نحو (4.5 مليارات دولار) في 2016.
"بالأفعال لا بالمؤتمرات"
وأكد الخبير الاقتصادي رضا عيسى، أن "مكافحة الفساد تتم بالأفعال وليس بالأقوال والمؤتمرات"، مشيرا إلى أن مصر لا تنفذ مواد هامة باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعتها بعهد حسني مبارك، عام 2005.
عيسى، اعمتد بحديثه على دراسة لمركز العقد الاجتماعي، عن مدى إلتزام مصر بالاتفاقية قبل 3 سنوات، مؤكدا لـ"عربي21"، أن "تلك المخالفات مازالت قائمة ومن بينها عدم وجود قانون لحماية الشهود والمبلغين؛ ما يمثل حماية للمسؤولين الفاسدين".
وعن أرقام فساد الوزارات والمحليات والهياكل الإدارية للدولة، جزم عيسى، بعدم وجود أرقام معلنة، مشيرا إلى منع "نشر تقارير الجهاز المركزي لمحاسبات أكبر الأجهزة الرقابية التي تتحدث عن الفساد وإهدار المال العام بالشركات والحكومة".
وقال: "كان لدينا استراتيجية طرحها رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم محلب، عن مكافحة الفساد لكنها لم تكتمل ولم تحدث تغيير"، موضحا أن "ما تضبطه الرقابة الإدارية من قضايا ومسؤولين صغار، غير كاف، وأن العالم حدد طرقا لمكافحة الفساد يجب الالتزام بها".
الخبير الاقتصادي، أكد أن أحدا لا يمكنه الحديث عن فساد الجهات السيادية التي تشتري فضائيات وصحفا وإذاعات، وتنتج مسلسلات وأفلاما، وتدشن منصات عبر الانترنت، وتدخل الإنتاج بكل مجالاته؛ ولا حجم أموالها والفساد بها.
وبين أن "هناك حسابات وصناديق خاصة خارج الموازنة العامة للدولة، ليس لنواب الشعب، ولا الجهاز المركزي للمحاسبات، ولا الإعلام؛ القدرة على معرفة من أين جاءت تلك الأموال؟ وأين تصرف؟ ومن الذي يتحكم بصرفها؟".
وأرجع عيسى، تراجع الدور الوطني والشعبي بمحاربة الفساد والكشف عنه وإهدار المال العام للمخاوف الأمنية وما حدث للجمعيات الأهلية من سيطرة وتقييد عبر القانون.