هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية مقال رأي لجان بيار فيليو، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في معهد الدراسات السياسية في باريس، تطرق فيه إلى التطورات الأخيرة في منطقة الساحل الأفريقي وتأثيراتها على الحرب الأهلية في ليبيا والموقف الفرنسي.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إن المزايدات المناهضة للفرنسيين بين الجماعات الجهادية في الساحل الأفريقي تهدد بتجدد الحرب الأهلية في ليبيا. وتواجه فرنسا في هذه المنطقة خطر ركود عملية برخان التي بدأت سنة 2014.
وبين الكاتب أنه "على فرنسا مواجهة توسّع منطقة النشاط الجهادي من مالي إلى بوركينا فاسو ثم إلى حدود شمال بنين، حيث اختُطف سائحان فرنسيان في الأول من أيار/ مايو، إلى جانب ظهور "الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى"، وهي فرع تنظيم الدولة في المنطقة. في الأثناء، إن استئناف الحرب الأهلية في ليبيا سيؤدي حتما إلى تصعيد متطرف جديد في البلاد".
اقرأ أيضا: ستة قتلى بهجوم على كنيسة شمال بوركينا فاسو
وفي مقطع فيديو دعائي نشر يوم 29 نيسان/ أبريل، هدد أبو بكر البغدادي بشكل مباشر "فرنسا الصليبية". وحث البغدادي أنصاره "في بوركينا فاسو ومالي" على مواصلة هجماتهم ضد الأهداف الفرنسية والتكثيف منها.
وفي الواقع، يجب أن تؤخذ هذه التهديدات على محمل الجد لأنه يشتبه في أن تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى هي المسؤولة عن اختطاف السائحين الفرنسيين في بنين.
وذكر الكاتب أن "المسلح الذي نقل الأسرى إلى مالي قُتل في التاسع من أيار/ مايو خلال عملية فرنسية جريئة على أراضي بوركينا فاسو. وبالإضافة إلى الرهينتين الفرنسيتين، تم إطلاق سراح رهينتين من أمريكا وكوريا الجنوبية. لكن سقط جنديان فرنسيان خلال هذه العملية، وقتل أربعة من المقاتلين المتطرفين الستة، بينما فر الآخران".
وأشار الكاتب إلى أن الدعاية تعد سلاحا أساسيا في الترسانة الجهادية. وفي حال اتضح أن الدعوة إلى القيام بأعمال معادية لفرنسا، التي أطلقها البغدادي من الشرق الأوسط، قد طُبقت سريعا في منطقة الساحل، فإن هذا التطور يبعث على قلق شديد.
اقرأ أيضا: بينها تونس وتركيا.. البغدادي يتصفح ملفات هذه الدول
وقال إن "تعزيز قدرات تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى (الذي يثير القلق في حد ذاته) قد رافقه تعاون عملي مع جبهة تحرير ماسينا، وهي المجموعة الجهادية التي تركز فرنسا ضرباتها ضدها في وسط مالي".
وأوضح الكاتب أن "طبيعة علاقة جبهة تحرير ماسينا بتنظيم القاعدة، عبر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، أقل أهمية من الروابط المافي وية القائمة بين مختلف التشكيلات الجهادية، لا سيما عند احتجاز الرهائن. لذلك، إن فرنسا مجبرة على مواصلة حملتها المناهضة للجهاديين في منطقة الساحل الكبيرة والمعقدة على نحو متزايد، على الرغم من أن أعداءها يسيطرون على الحدود ويتعاونون مع الجريمة المنظمة، بغض النظر عن ولاءات البعض لتنظيم القاعدة والبعض الآخر لتنظيم الدولة. كما يتعين على باريس تحمل عواقب النوايا الحسنة للجيش الجزائري تجاه رئيس جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إياد أغ غالي".
وأورد الكاتب أن "هيئة الأركان العسكرية الجزائرية تعتقد أن الهدوء على الحدود الجنوبية للبلاد يجب أن يكون له الأسبقية على جميع الاعتبارات الأخرى، بينما تدعو فرنسا عبثا إلى تعبئة منسقة ضد القادة الجهاديين. وقد عزم رئيس الأركان العسكرية الجزائرية، أحمد قايد صالح، الذي أصبح الرجل القوي في الجزائر منذ استقالة الرئيس بوتفليقة، على التشبث بهذا الموقف فيما يتعلق بالحدود مع مالي".
وأكد الكاتب أن "هذا السياق الإقليمي ازداد تعقيدا في أوائل شهر نيسان/ أبريل 2019 مع اندلاع حرب أهلية جديدة في ليبيا. وفي الحقيقة، ضرب رجل الحرب حفتر، الذي حصل على لقب "المشير" لقيادة "الجيش الوطني الليبي"، بجهود الأمم المتحدة للسلام عرض الحائط في محاولة منه للاستيلاء على طرابلس، أين يقع مقر الحكومة المعترف بها من المجتمع الدولي".
وقال: "على الرغم من إعلانها التمسك بعملية السلام التابعة للأمم المتحدة، إلا أن فرنسا لم تفعل شيئًا لتثبيط هجوم حفتر، الذي يؤدي اليوم إلى حرب دموية. وفي حين أن حفتر يتهم جميع خصومه "بالإرهاب"، فإن ميليشيات مصراتة المعارضة له هي التي طردت تنظيم الدولة في سنة 2016 من معقله في سرت، وقد خسرت مئات المقاتلين في هذه المعركة الشرسة ضد الجهاديين".
وذكر الكاتب أنه سبق لمراسلي صحيفة "لوموند" أن التقوا على الجبهة الجنوبية للدفاع عن العاصمة الليبية برجل ميليشيا يبلغ من العمر 23 سنة، انضم للقتال ضد تنظيم الدولة في سرت سنة 2016، وقُتل بعد أيام قليلة من التحقيق الذي نشرته الصحيفة من قبل قناص تابع لحفتر. وتشير هذه النهاية المأساوية إلى أن مغامرة حفتر العسكرية تضعف بشدة أعداء تنظيم الدولة.
وفي الختام، نوه الكاتب إلى أنه "في حين يبدو أنه تمت السيطرة أخيرا على التهديد الجهادي في ليبيا، فإن هذه الحرب الأهلية الجديدة لا يمكنها إلا إعادة منح الفرص وفسح المجال أمام تنظيم الدولة للعودة مجددا. وحيال هذا الشأن، قال جان بيار فيليو: "دعونا نراهن على أن البغدادي، أينما كان مختبئا، سيرحب حتما بهذه التطورات السلبية لفرنسا في الساحل الأفريقي".