كتاب عربي 21

التوافق ممكن

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600

يتفق غالبية المصريين على أنهم يعيشون في أسوأ العهود، ولكنهم يختلفون في كيفية الخلاص من هذا الكابوس.. يتفقون على تشخيص المرض، ولا يتفقون على كيفية العلاج.

يرى البعض أن العلاج يكون ببتر العضو المريض، وليحدث ما يحدث!

ويرى الآخرون أن الحل في علاج العضو المريض، وأنه لا أحد يمكنه - حاليا - أن يقوم بعملية البتر، وأن يرعى المريض في فترة نقاهته بعد هذه العملية الجراحية الكبيرة، فإذا أجريت هذه العملية دون عناية مشددة في فترة النقاهة سيموت المريض حتما.

الغريب في الأمر... أن كلا الطرفين لا عمل له سوى مهاجمة الطرف الآخر، وغالبية المشاركين حاليا لا علاقة لهم بالمريض، فلا الذي يرى الحل في البتر يجهز المريض لتلك العملية الجراحية الكبرى، ولا الذي يرى الحل في علاج العضو المريض يعطي هذا المريض الأدوية المطلوبة...!

لا عمل لهؤلاء سوى تسفيه آراء أولئك، والعكس بالعكس!

* * *

قضية التعديات الدستورية التي ينظمها "سيسي" جمعت المصريين على رفضها، وانقسم الرافضون في كيفية التعامل مع الاستفتاء إلى فريقين؛ الأول يرى الحل في مقاطعة الاستفتاء، والثاني يرى أنه لا بد من الاشتباك بشكل ما، إما بالتصويت بلا، أو على الأقل بالمقاطعة الإيجابية (وكانت هناك اقتراحات عديدة).

 

وانقسم الرافضون في كيفية التعامل مع الاستفتاء إلى فريقين؛ الأول يرى الحل في مقاطعة الاستفتاء، والثاني يرى أنه لا بد من الاشتباك بشكل ما، إما بالتصويت بلا، أو على الأقل بالمقاطعة الإيجابية

الغريب أن جلّ الجهد بذل في تخوين كل فريق للآخر، وتسفيه كل مجموعة لرأي المجموعة الأخرى، ولم يخل الأمر من تخوين وتجريح شخصي، مع أن في الأمر سعة، فلا هذا ولا ذاك يملك الحقيقة المطلقة، ولا هذا الرأي أو الآخر فيه أي دليل على نية سيئة لمن يطرحه.

* * *

استطاعت مجموعة عمل من الشباب الوطنيين أن تطلق حملة "باطل"، وأطلق هؤلاء موقعا للتصويت على رفض هذه التعديات الدستورية، وتفاعل المصريون مع الحملة تفاعلا عظيما، وجمعت الحملة في وقت قياسي ما يقرب من 600 ألف توقيع (حتى كتابة هذه المقالة).

هذه الحملة تقوم عليها مجموعة لا يجمعها رأي محدد في كيفية التعامل مع هذه التعديات الدستورية، فالبعض يرى التصرف السليم هو المقاطعة التامة، وبعضهم يرى الحل في المشاركة والتصويت بلا.

تمكنت هذه المجموعة من التقاط الحد الأدنى من المشترك الوطني، وهو بطلانها، ورفضها رفضا تاما، وهذا أقل ما يمكن التوافق عليه.

الغريب أن بعض الذين يحسبون أنفسهم من الثوار المقاومين للنظام المصري لم يعجبهم الأمر، وتفننوا في التقاط ما يفرق الصفوف، فوجدناهم لا هم لهم سوى النهش في حملة باطل آناء الليل وأطراف النهار، وتحفظاتهم أقل ما يقال عنها أنها عجب عجاب. فترى سوء الظن في أسوأ صوره... يقول أحدهم: "إذا قلت "لا" للتعديلات الدستورية، فمعنى ذلك أنك تعترف بالدستور العسكري وبالانقلاب وما ترتب عليه، ولكنك تعترض على التعديلات فقط"! وهو أمر لم يخطر ببال أحد من القائمين على الحملة أصلا!

 

الذين يحسبون أنفسهم من الثوار المقاومين للنظام المصري لم يعجبهم الأمر، وتفننوا في التقاط ما يفرق الصفوف، فوجدناهم لا هم لهم سوى النهش في حملة باطل

هذا الدستور عبارة عن "بلطجي"، وهو "ابن حرام"، وقد ارتكب جرائم كثيرة، كان آخرها أنه استولى على أرض قبيلتي عنوة بقوة السلاح. وليس معنى رفضي لآخر جرائمه (أعني استيلاءه على أرض القبيلة) أنني أعترف بنسب هذا البلطجي مجهول النسب، وليس معنى ذلك أنني أعترف بكل جرائمة التي سبقت هذه الجريمة!

* * *

لقد دخلت الجماعة الوطنية في جدل عقيم، واجتهد كل فريق في قمع الرأي الآخر. والحقيقة، أن لكلا الرأيين وجاهته، فالمقاطعون لا يمكن تسفيه رأيهم، وللمقاطعة تأثير بالغ، ولكننا نطمح في أثر أكبر. فالنظام يتمدد، ويتوغل، والمقاطعة أصبحت لا تضيف جديدا. لقد كانت مفيدة في فضحه في بداية المرحلة، والآن أصبحت ذات تأثير محدود (في رأي كثيرين).

ولا يمكن كذلك تسفيه الرأي الداعي للمشاركة، فالعائد التراكمي من المشاركة هو ما سيؤدي إلى نتيجة، والجلوس في مقاعد المتفرجين حجة العاجزين، والمقاطعة في عصر مبارك كانت تحدث في الوقت الذي كنا فيه نعمل ضد النظام في ألف موقع آخرز الآن... لا مجال لأي عمل سياسي، وتكاد تكون هذه هي الفرصة الوحيدة لغرس أظافرنا في لحم النظام، ولن تلوح فرصة أخرى إلا بعد عدة سنوات (وكل ذلك يرى الفريق الآخر أنه مجرد افتراضات)!

* * *

إن التوافق ممكن... لقد استطاع العاملون في حملة "باطل" إطلاق الحملة، وفي نهاية العمل ذهب هؤلاء ووضعوا أصواتهم في الصناديق وقالوا "لا"، بينما قاطع الآخرون، ولم يخسر هذا ولا هذا... وربح الوطن!

 

لقد استطاع العاملون في حملة "باطل" إطلاق الحملة، وفي نهاية العمل ذهب هؤلاء ووضعوا أصواتهم في الصناديق وقالوا "لا"، بينما قاطع الآخرون، ولم يخسر هذا ولا هذا

إن تحويل كل خلاف في الرأي بين الأشقاء إلى معركة بين الحق والباطل عمل لا يقوم به أصحاب النوايا السليمة. خلاف الآراء حتمي، وكثير ممن يسب ويطعن يوهم نفسه بأنه يدافع عن الحق... والحقيقة أنه يدافع عن كبريائه وغروره، أو عن جهله المطبق بحقيقة أن الحياة تحتمل مثل هذه الاختلافات.

إن المعركة الحقيقية بيننا وبين من سلب بلادنا منا، وحملها فوق ظهره ككنز مسروق وألقاها في حجر رئيس العصابة ليقبض ثمنها، ونحن اليوم بدلا من مقاومة هذا اللص، نتنازع في سفاسف الأمور، وننشغل عنه بأمور صغيرة... تافهة.

سيظل السارق أقوى، ما دمنا ضعفاء بتفرقنا... وسنظل متفرقين ما دام كل منا يظن أن رأيه حق، ورأي الآخرين باطل...!

إن الفرصة اليوم كبيرة للانتصار، بل إن فرصة الانتصار اليوم تلوح بشكل لم يسبق له مثيل، ومن الممكن أن يحدث انتصار إقليمي يغير موازين القوى في الإقليم كله.

إن الصمود الرائع لثوار ليبيا في وجه الأجير المرتزق حفتر، وانتفاض السودان والجزائر، يمكن أن يتحول - لو تحركت مصر - إلى موجة ثورية تهزم معكسر الثورة المضادة في هذه الجولة، قبل أن تصل إلى الجولة التي تنتصر فيها نصرا نهائيا.

هل هناك من يعي هذه التغيرات الإقليمية؟

للأسف الشديد... يبدو أن معسكر الثورة المضادة هو الذي يولي هذه التغيرات انتباهه..!

إلى كل عاقل نقول... التوافق ممكن... ولكن أنفسنا تأبى أن تعترف وأن تتواضع من أجل غاية أكبر... هي الوطن.

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]

التعليقات (3)
نفس المرض و نفس الدواء
الإثنين، 22-04-2019 06:33 م
أعتقد أن ما يحصل في مصر هو قمة التفنن في إضاعت الوقت، بعد إنقلاب عسكر الجزائر منذ 20 سنة ها هو الشعب كله يتوحد من جديد صفا واحدا ضد الاستعمار الداخلي (عساكر فرنسا) و هذا ما سيحدث لمصر حتميا، فلمذا لا يتحد الاحباب بدل إهدار المزيد من الوقت.
ستنتهي الصدمة
الإثنين، 22-04-2019 12:49 ص
النظام يتهم أعدائه بأنه إخواني، إذن الحل بيد قيادات الأخوان، لكن لا يوجد صدق، سيأتي يوم بإذن بأن يكنس الشارع المصري الكل وبدون إستثناء.
مصري جدا
الأحد، 21-04-2019 03:59 م
انت راجل محترم ويضيع وقتك ،،، استاذ عبد الرحمن بعد جولات طويلة مع نظام مبارك بين الإصلاح والخروج المسلح ،،، انطفأت فكرة الخروج المسلح لاعتبارات شرعية ووطنية وواقعية ،، وظلت فكرة إصلاح النظام يحملها الاخوان وفي الأخير فشلت هي الاخرى في إصلاح النظام وأن كتب لها النجاح في بعض النماذج والمجالات الاخرى لكن داخل المجتمع ولا صله لها بالدولة ونظامها ومؤسساتها ،،، حتى جاءت فكرة التغيير والجبهة الوطنية للتغيير ،،، التغيير بمعنى عدم جاهزية النظام للإصلاح وبالتالي تغييره او إسقاطه ،،، وجاءت ثورة 25 يناير شعارها الشعب يريد إسقاط النظام وبالفعل سقط بعض رموز النظام والباقي نعرفه جميعا ،،، الشاهد وما أقصده ،، أن بقايا قيادات المعارضة الاسلامية والمدنية جماعات وأفراد ينطبق عليهاما انطلق على مبارك ونظامه ،، ولابد من تغييرها بمنصات قيادة جديدة ،، حفاظا على ما تبقى من الكيانات و حفاظا على ما تبقى من وطن ،،، السيسي ونظامة لا امل فيهم ،،، بقايا قيادات المعارضة لا امل فيهم ،، منصات قيادة جديدة ،، وهذه مسؤلية قواعد هذه الكيانات ،، وإلا فليغادر الجميع المشهد قيادات وقواعد ،، ونعلن ان التخلف قدرنا الذي لا مفر منه ،،،