اليمين واليسار مصطلحات سياسية تُستّخدم كوسيلة مختصرة لوصف الأفكار والمعتقدات السياسية والمواقف الأيديولوجية، للسياسيين والأحزاب والحركات السياسية المختلفة. وفي عموم التنظير السياسي، يتم التعامل مع اليمين واليسار بوصفهما يعبران عن القطبين أو اللونين الرئيسيين للطيف السياسي، إلا أنه ينبغي إدراك عدم وجود معنى محدد لمفهومي اليمين واليسار. فالطيف السياسي (في معناه الضيق) يلخص التوجهات المختلفة تجاه الاقتصاد ودور الدولة، حيث تؤيد العقيدة اليسارية تدخل الدولة والمذهب الجماعي، بينما تفضل العقيدة اليمينية آليات السوق والمذهب الفردي.
التطرف اليميني توجه عالمي
اليمين المتطرف هو التوجه السياسي المحافظ المتعصب لفكرة أو أيديولوجية، قد تكون القومية أو الدين. والعصر الحديث يحمل مهلكتين للتعصب هما: التعصب القومي والعرقي، والتعصب الديني والطائفي.
وجد التيار اليميني المتطرف في تعظيم الخطر من الإسلام مصلحة كبرى من أجل توحيد الأوروبيين على قضية كبيرة بعد التوحد الماضي في مواجهة اليسار المتطرف "الشيوعية"
وهذا اليمين المتطرف ينمو بشكل متسارع في العديد من البلدان، وخاصة في
الغرب، وبشكل يعطي إشارات تحذير وتنبؤات كارثية. فاليمين المتطرف الغربي يصعد في الولايات المتحدة الأمريكية، مع ترامب، وكذلك في أوروبا مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. ومن الملاحظ، أن نتائج انتخابات ألمانيا والنمسا وفرنسا وهولندا جنحت نحو يمين الوسط، والائتلاف مع اليمين المتطرف في بعض الأحيان.
اليمين المتطرف في أوروبا الغربية والولايات المتحدة كان موجودا تاريخيا، خلال العقدين الماضيين، واستمر بحالة ما بين الصفر، كما هو الحال في المملكة المتحدة، وإلى الخُمس كحالة أعظمية في النمسا، حتى ما بعد بداية الألفية الثالثة.
صعود يميني متسارع
الحديث عن "اليمين المتطرف" أو "الشوفينية الوطنية المرضية"، والتي تملأ الآفاق هذه الأيام، هو تعبير عن مفهوم سياسي، أو سياسي اجتماعي (سوسيو- بوليتيكي)، يشغل مساحات واسعة من الجدل النظري بشأن هذه الظاهرة السياسية المقلقة، وظل وقتا طويلا مقبولا كاتجاه مضاد للقوى اليسار، ومعبر عن أيديولوجية سياسية يقبلها الكثيرون، إلا أنَّ الاتجاه عن الحديث حول تطرف اليمين هو الذي بات سائدا مع الوقت، بالقياس إلى شدة التطرف في سياقات الخطابات نفسها من جهة، وانتماءات الخيارات الأيديولوجية لهذه التوجهات لنزعات سياسية يمينية يقاومها اليسار، وتقوم بالدرجة الأولى على خطابات وطنية وخيارات محلية، سواء بالقياس إلى الهموم الثقافية أو الاقتصادية أو الهوية السياسية للدولة الوطنية، من جهة أخرى. وهي الخيارات التي لا تقلق الأيديولوجيات اليسارية بذاتها، بل واشتركت معها في بعض النقاط المنهجية في الحفاظ على وطنية الدولة وهويتها الثقافية.
تطرف يميني ضد الإسلام
يقوم الخطاب اليميني المتطرف على إطلاق وعود مغرية، ولكنها وعود شعبوية، تفتقر إلى طرح بدائل منهجية، فلا يعتمد صعود اليمين المتطرف على قوة ذاتية تحوّل التأييد المؤقت إلى مستدام. بل نستطيع أن نقول أكثر من ذلك: إنه يهرب إلي الحائط بهجومه الشرس على الإسلام، وذلك لعدم وجود رؤية اقتصادية محددة، على سبيل المثال لا الحصر، وهي المدخل الرئيسي لانتخاب أحزاب اليمين، لإخفاق الأحزاب اليسارية في تحقيق تطلعات الشعوب الكادحة، والتي ما انفكت تعاني من فكرة شمولية الدولة؛ في توزيع الموارد علي جموع الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية "الافتراضية"، التي تراها الشعوب الآن مظلمة كبيرة، وذلك لإلزام دافعي الضرائب بهذه المبالغ الطائلة المستحقة لأفراد غير مستحقين.
الساسة في الأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة يتخذون من الترويج لكراهية الإسلام، واستخدامه فزاعة لتجييش الأوروبيين ضده؛ من أجل أن يبلغوا غاياتهم الانتخابية للحصول على السلطة والنفوذ السياسي
ترسيخ مفهوم الإسلام الإرهابي
من المؤسف حقا، أن الغالبية العظمي من الأوروبيين لديها تصورات خاطئة ومشوشة عن الإسلام وعن نبيه محمد "عليه الصلاة والسلام"، حيث يعتقدون أنه دين شمولي، لا يعرف معنى للحريات، ويحقّر من شأن المرأة، ويروّج للإرهاب والتعدي على حقوق الآخرين، ويعادي الأديان الأخرى، وعلى رأسها المسيحية واليهودية.
الأحزاب اليمينية تروج أن الإسلام لا يمثل ديانة سماوية، بل تعتبره أيديولوجية سياسية فقط، وهي أفكار في حقيقتها مستوحاة من أوعية المستشرقين على أفضل الأحوال، وليس لها مذهب فكري أصيل تنهل منه جل أفكارها الممجوجة عن الإسلام.
ويعمل الإعلام الأوروبي بشكل مستمر علي نشر تلك الصورة النمطية، بل ويدعمها عبر ترسيخ الصورة التقليدية للتعصب والتطرف بالدين الإسلامي كعقيدة ومنهج؛ بغية جذب المزيد من القراء والمشاهدين، مستغلا عدم معرفة الغربيين بحقيقة الإسلام.
خواء برامج أحزاب اليمين
نسبة صعود الأحزاب اليمنية المتطرفة في أوروبا أكبر بكثير من احتمالات فوزها، بشكل ديمقراطي منهجي كما عرفته السياسة بشكل انسيابي، وبكلاسيكيات العملية الانتخابية والتصويت الحر في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية في هذا البلد أو ذاك؛ لأن تلك التيارات التي تتسم بالجهل والتعصب وعدم القدرة على قبول الآخر، تسعى دائما إلى إشعال صدام الحضارات تارة، وصراع الأديان تارة أخري، ولا تقبل بالتعايش السلمي بين فئات المجتمع، وتنشغل دائما بالإسلام والمسلمين، وترفض قيم التسامح بين الأديان، بل وتؤجج المفاهيم المغلوطة بين الأديان، حتى تجد لها مقعدا في نهاية المطاف، للتعويض عن فشل الأحزاب في معالجة الأزمات الاقتصادية، وإيجاد فرص عمل واسعة والقضاء على البطالة، والنهوض بالمستويات الاقتصادية والاجتماعية للمتضررين من أصحاب الدخول المحدودة، وإحداث طفرة معيشية، ومستوى رفاهية عجزت الأحزاب اليسارية عن تحقيقه، فكانت الضربة القاصمة التي قصفت بها جبهات تلك الأحزاب.
من جهة أخرى، عمّق بزوغ نجم تلك الأحزاب والأفكار العدائية؛ المشاكل، سواء على مستوى الداخل الأوروبي، أو على مستوى العلاقات بين العالم الإسلامي والدول الأوروبية.
تضييق الخناق على المسلمين
الجاليات الإسلامية في أوروبا تواجه مأزقا خطيرا مع انتشار الأفكار اليمينية "المتطرفة"، والعمل من جانب الحكومات التي يتصدرها في أحسن الظنون ائتلاف يميني يجنح بالوسط إلى أقصي التطرف؛ على تضييق الخناق على المسلمين، وحرمانهم من حرياتهم، والتدخل في خصوصياتهم، وتكرار الإجراءات العنصرية التي تتخذها الحكومات اليمنية التي تتصدر أوروبا وأمريكا الآن. وكل هذا يجعل المراقب للمشهد العالمي غير متفائل إزاء السياسات الأوروبية تجاه قضايا المسلمين في الغرب، وحقوق المواطنة التي غابت عن المشهد التنظيري الفكري المعتدل؛ الذي يتبنى سياسات أبعد ما تكون عن العدل والحكمة، وتسعى إلى الحد من قدرات وحقوق الجاليات الإسلامية في الغرب، إضافة المواقف المناهضة تجاه قضايا العرب والمسلمين، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. ففي حال استمرار صعود التيارات اليمينية المتطرفة، فمن المؤكد انحيازها لإسرائيل، وتبنى سياسات أبعد ما تكون عن العدل والحكمة، بل ستسعى إلى التطرف في إقصاء الحقوق العربية والإسلامية، والحد من قدرات العالم الإسلامي بشكل عام، والعربي بشكل خاص.
هل تغيب المواطنة وحقوق المسلمين بتغييب اليسار؟
عملت الأحزاب اليسارية على انسجام التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية لبلادها؛ مع تطور الوجود الإسلامي في أوروبا، وتحوله من جاليات وافدة إلى فئات شعبية مع حقوق "المواطنة"، لتملك قواسم مشتركة مع الفئات السكانية الأخرى. وليس من مصلحة المسلمين في أوروبا على الإطلاق؛ الاقتصار على طرح منطلق "إسلامي" محض، والانزلاق إلى "الاستقطاب" والدخول في أتون صراعات أيديولوجية، وخاصة مع اليمين المتطرف المتعصب، بدلا من رؤية تناسب واقع التصورات "التعددية الثقافية والاجتماعية والسياسية" الأوسع انتشارا.
فعداء الأحزاب اليمنية الراديكالية للوجود الإسلامي هو "وسيلة تجييش" تحولت إلى هدف، وقد يؤدّي التسرع في مواجهتها إلى الانزلاق في "معركة ثنائية" خاسرة مهلكة لمكتسبات الجاليات الإسلامية، بل لتواجد المسلمين بشكل معيشي آمن.