هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: الأكراد في العالم تاريخهم ومستقبلهم الجزء الأول
الكاتب: د.عايدة العلي سري الدين
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ـ تشرين أول (أكتوبر) 2018
عدد الصفحات: 471 من القطع الكبير
ترى الكاتبة عايدة العلي بعد أن بدأ الحراك الشعبي في سوريا في 15 آذار/مارس 2011 بأن الأكراد لم يملوا ولم يكلوا وأصروا على متابعة النضال في وجه النظام رغم الصعاب، حيث لم يتوان النظام عن رفع سوطه في وجه النشطاء الكرد منذ عام 2004. والحق أن تغيير النظام يصب في مصلحة الكرد قبل أي مكون سياسي ومجتمعي آخر، ولذلك يحرص الكرد على تفعيل الحالة التشاركية مع كل مكونات المعارضة السورية، على أساس لوحة سياسية واضحة تحفظ لكل مكون صورته السياسية وتطلعاته، لتكون الشراكة أمرا ضاغطا على النظام الذي ما انفك يعاني من الترهل والضعف في إدارة الأزمة، الأمر الذي يزيد من أعباء السوريين ومن تدهور أوضاعهم الأمنية والسياسية، نتيجة إصرار النظام على عدم التجاوب مع تطلعات الشارع السوري بكل أطيافه من عرب أو كرد، المنتفض بوجهه.
الثورة السورية وحسابات الأكراد
وتؤكد العلي أنه "كلما يزداد عناد النظام وممانعته للتغيير يزداد ويقوى تصميم الشارع، بمعنى آخر إن حرص الشارع وإصراره على التغيير وإسقاط النظام الحاكم منذ (49) عاما، لا يقل ضراوة عن إصراره على البقاء ورفض الواقع الذي فرضته الثورة السورية" (ص 189 من الكتاب).
وتعتقد الكاتبة عايدة، أن الكرد لا يريدون الاندماج في إطار (المجلس الوطني السوري) الذي يجهلون كيفية تأسيسه، خصوصا أن هذا المجلس يرى أن يكون للكرد حضور شكلي، في حين يرى الكرد أن هذا الحضور يضعهم في خانة التوظيف السياسي ليس إلا، ويسعون (الكرد) لأن يكونوا شركاء للمعارضة لا أن يكونوا ضيوفا ومراقبين في محافلها.
كما يرى الكرد، وفق العلي، أن المعارضة السورية بعربها وكردها تحتاج إلى عقد سياسي، يكون بمنزلة وثيقة وشراكة ترسم رؤية واضحة لمستقبل سوريا، دون الخوض في توحيد المعارضة في تنظيم واحد وإنما توحيد خطابها، حيث يحرص "المجلس الوطني السوري" على انضمام كل أطياف المعارضة تحت لوائها (ص 190 من الكتاب).
مع بداية الأزمة السورية في سنة 2011، عملت الحكومة السورية على تلبية بعض المطالب للأكراد السوريين لتحييدهم عن الحركة الاحتجاجية، فتم إصدارالمرسوم التشريعي رقم 49 في 7 نيسان لسنة 2011م والقاضي بمنح الجنسية العربية السورية للمسجلين في سجلات أجانب محافظة الحسكة، أي "الأكراد المحرومون من الجنسية".
وكان العميد حسن جلالي معاون وزير الخارجية قد صرّح في شهر آذار (مارس) 2012م لوكالة الأنباء السورية الرسمية، بأن عدد الذين تقدموا بطلبات قد وصل إلى 105.631 طلب. فلو أردنا من خلال هذا الرقم معرفة العدد التقريبي للذين حرموا من الجنسية في عام 1962م، آخذين بعين الاعتبار متوسط الزيادة السكانية السنوية الأعلى في محافظة الحسكة (2.4%)، لوجدنا بأن عدد الذين حرموا من الجنسية آنذاك 31.353 نسمة. وهذا الرقم لا يجب الاستهانة به فهو يمثل 10% من سكان الجزيرة آنذاك وهو معقول. كما أنه قريب من عدد المواطنين الذين استقدمهم النظام إلى منطقة الجزيرة ممن غمرت مياه سد الفرات أراضيهم "المغمورين"، ومنحتهم أراض على الحدود التركية السورية وعددهم (4000 عائلة) موزعين على 42 قرية، تم إنشاؤها على أراضي أملاك الدولة.
جدل الإحصاء والجنسية
من ناحية أخرى يجب أن نعلم بأن القرار كان قد نزع الجنسية عن جميع السكان في المرحلة الأولى، وطالب المواطنين باستخلاص واستحضار ما يثبت أنَّ لهم قيودا مدنية قبل عام 1945م، أي إنّه لم يشمل من دخل إلى سوريا قبل هذا التاريخ وحصل على إثبات، بل كان الغرض حصر من دخل بعد سنة 1945م.
وفي سياق عملية استرضاء الأكراد، تم إطلاق عدد من السجناء الأكراد في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وذلك ضمن اتفاقية توصّلت إليها الدولة السورية مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، وذلك لقاء تعهّد قيادة الحزب بعدم السماح لمحازبيها بالمشاركة في التظاهرات. وفي الأشهر الأولى للاحتجاجات التي عمت بعض المدن السورية، طلب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني إلى محازبيه عدم المشاركة في التظاهرات ضد النظام، وجارته في ذلك أحزاب كردية أخرى.
منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011، تعاملت الدولة السورية بمرونة كبيرة تجاه نشاطات الأكراد السلمية ونشطائهم، أفضت في النهاية إلى تحييد الأكراد عن طريق منحهم ميزات من جهة، والاتفاق مع حزب الاتحاد الديمقراطي بإعطائه الضوء الأخضر للتصرف في المناطق الكردية السورية من جهة أخرى، الذي بدأ فعليّا منذ شهر أيار (مايو) 2011، بالتضييق على المظاهرات التي كانت تخرج ضد الدولة السورية من قبل المجموعات الشبابية، وبمشاركة عدد من الأحزاب السياسية.
موقع الأحزاب الكردية في المخطط الأمريكي
مع صعود تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا، وتمدده بشكل درامي في العراق، كان أكراد العراق هم القوة الوحيدة على وجه التقريب التي تمكنت من الصمود في وجه هذا التمدد، بفضل صمود قوات البيشمركة، وما قام به التحالف الدولي من إسناد، نجحت الأحزاب الكردية، لا سيما حزب الاتحاد الديمقراطي، وقوات حماية الشعب (الكردية)، وقوات حماية المرأة (الكردية) في استغلال حربهما ضد تنظيم "داعش" في سوريا، ومن كسر تمدده باتجاه مدينة كوباني (عين العرب) فقد تمكنت، حيث تشكل هذه القوات حاليا العمود الفقري لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تمكنت من السيطرة على مدينة الرقة.
وجعل هذا الوضع من الأكراد رقما صعبا يصعب تجاهله في معادلات الشرق الأوسط، كما جعل من مسألة نشأة دولة جديدة للأكراد تأخذ مكانا بارزا في تحليل أو حوار يتعلق بمستقبل كل من العراق وسوريا. ونجح حزب الاتحاد الديمقراطي، ووحدات حماية الشعب في استغلال حربهما ضد تنظيم "داعش" في خلق تحالفات كانت سابقا مستحيلة بسبب العزلة الدولية عليهما، نتيجة إدراج حزب العمال الكردستاني المؤسِّس لحزب الاتحاد الديمقراطي على قوائم المنظمات الإرهابية لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية، باستثناء بعض الدول الاشتراكية (من بينها روسيا) التي كانت بينها وبين تركيا خلافات بسبب اختلاف التحالفات، باعتبار وجود تركيا في المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
كانت الحرب ضد تنظيم "داعش" فرصة للحزب (الرئيسي PKK والفرعي PYD) لكي يخرج من انعزاليته التي استمرت أكثر من ثلاثة عقود؛ حيث كان الخيار الأفضل للولايات المتحدة ـ من بين الخيارات التي كانت متاحة آنذاك ـ في حربها ضد تنظيم "داعش" (للأسباب التي ذُكرت سابقا)، وعلى الرغم من أنَّ الولايات المتحدة تنفي وجود تحالف سياسي مع الحزب أو الإدارة الذاتية، إلا أنَّ الاتحاد الديمقراطي استفاد سياسيّا من تحالفه العسكري هذا، على الصعيد المحلي وكذلك الإقليمي والدولي.
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد سوريا من أجل إسقاط الدولة الوطنية، وتقسيم البلاد، وهي جزء من مخطط الشرق الأوسط الكبير أو الجديد
عملت واشنطن ما في وسعها خلال السنوات الأولى للحرب ضد سوريا، لتلتقي مصالح أمريكا مع عدد من القوى المتحاربة ومنها مليشيات الأكراد، لتكون الولايات المتحدة هي الرّابَح الوحيد من هذه الحرب
الحرب على "داعش"
لقد سمح الغطاء الجوي الأمريكي في شمال سوريا بحجة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، بتسويق أحد الأطراف الكُرْدِيّة (حزب الاتحاد الديموقراطي) - الذي أسَّسَه حزب العمال الكردستاني في تركيا ـ وذراعيه الأمنية والعسكرية (الأسايش) و(وحدات الحماية) كأحد الأطراف الرئيسية لمكافحة الإرهاب، وسمح كذلك بتحقيق بعض النجاحات العسكرية ضد تنظيم "داعش".
لكن هذه الاستراتيجية الانتهازية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا وخضوعه للشروط الأمريكية، أدَّتْ إلى تَدَهْوُرِ علاقاته مع الدولة الوطنية السورية، التي لا تزال تُؤمِّنُ رواتب الموظفين والخدمات الأساسية في المناطق التي تُسَيْطِرُ عليها القوى المعادية لها، ومنها القوات الكُرْدِية ، وتشتري إنتاج المُزارعين من الحنطة.
كما تدهورت علاقات "حزب الاتحاد الديمقراطي" مع المكونات الكردية الأخرى، وعلى رأسها "المجلس الوطني الكردي" الذي يعتبر أن الاتحاد الديمقراطي الكُردي أصبح لُعْبَة بيد أمريكا، وورقة من أوراق السعودية التي عرضت (خلال اجتماع رسمي بين الطّرفين) تقديم المساعدة "لوحدات الحماية"، ودعمها بالمال والسلاح، على أن تستمر في محاربة الجيش السوري في الحسكة.
وتعتبر محافظة الحسكة أغنى محافظات سوريا التي تبلغ مساحتها 23 ألف كلم مربع، أي أكثر من ضعف مساحة لبنان، فضلا عن امتلاكها كل العناصر الاقتصادية التي تجعل الكيان الكردي قابلا للحياة بعيدا عن المركز الدمشقي. وتحوي المحافظة أكثر من ثلثي النفط والغاز السوري في حقول الرميلان والهول والجبسة، وتنتج سهولها أكثر من مليون طن من الحنطة سنويا، وتضم أكبر مصادر المياه والطاقة السورية في سلسلة السدود والبحيرات، من سد الفرات إلى سد تشرين، فبحيرة الأسد.
وتندرج الاندفاعة الكردية رغم اتساعها، في سياق الاستراتيجية الأمريكية في سوريا. وتستقوي مليشيات "الأسايش" و"الوحدات"، بالدعم المالي والعسكري من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تريد إطالة أمد الحرب في سوريا إلى حين تقسيمها والقضاء على الدولة المركزية، وكذلك من المساندة السياسية والعسكرية من حزب العمال الكردستاني في تركيا، الذي انضَمَّ إلى الحلف الأمريكي، وأصبحت قياداته تُراهِنُ على مساندة الإمبريالية الأمريكية لقيام كيان كردي في شمال سوريا بين أرياف حلب والرّقّة والحَسَكَة.
اقرأ أيضا: نشأة ومسار التنظيمات الكردية.. العراق نموذجا
اقرأ أيضا: الأكراد مكون أساسي للنسيج المجتمعي والتاريخي السوري