هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمعلق الأمريكي المعروف توماس فريدمان، يتحدث فيه عن انهيار الدعائم الرئيسية التي قامت عليها السياسة في الشرق الأوسط، وتحكمت في مساره خلال نصف قرن أو يزيد.
ويشير فريدمان في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "شرق أوسط جديدا يظهر، لكنه لا يشبه ما تصوره البعض في التسعينيات من القرن الماضي".
ويقول الكاتب إن "هذا الشرق الأوسط الجديد يتشكل نتيجة لما يجري على (تويتر) والميمات لا جهود الدبلوماسيين، وبسبب البطالة لا الإرهاب، وبسبب الاضطرابات في الشوارع لا القصور، وتدفع بولادته النساء أكثر من الرجال، ولا يعلم أحد عما سيخرج من هذا كله عندما تنجلي الغبار".
لكن فريدمان يدعو إلى التعامل مع الأمور، والحذر من انهيار ما يقول إنها خمسة أركان رئيسية للسياسة في الشرق الأوسط.
ويعلق الكاتب قائلا إن "الركن الأول المنهار هو دور الولايات المتحدة، التي طالما أدت دورا مهما في تشكيل مستقبل المنطقة، لكنها لم تعد موجودة، فليس لها سفراء في السعودية ولا في مصر أو العراق أو الإمارات أو تركيا أو الأردن، أما السفير الأمريكي في إسرائيل، محامي الإفلاس السابق لدى دونالد ترامب، فمفتون جدا بحركة المستوطنين اليهود المتطرفة، لدرجة أصبح فيها بوقا دعائيا لا دبلوماسيا".
ويشير فريدمان إلى أن "الركن الثاني هو العملية السلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي تقوم على حل الدولتين، وحل محله اليوم جهد أمريكي إسرائيلي لتحقيق أفضل حل متوفر للدولة الواحدة، وهذا يعني تحكما دائما في الأمن في الضفة الغربية والقدس الشرقية مع شكل من الحكم الذاتي الفلسطيني".
ويلفت الكاتب إلى أن "الركن الثالث يتعلق بالحكومات العربية التي كانت تضمن دائما وظائف لسكانها في البيروقراطية والخدمات الأمنية، ولم تعد قادرة على ذلك اليوم في ظل تراجع أسعار النفط وتزايد أعداد السكان، فكل دولة عربية اليوم منشغلة بالبحث عن طرق لتقليل العاملين في مؤسسات الدولة، والتخلص من الخدمات عبر التعاقد مع شركات خاصة".
ويفيد فريدمان بأن "الملك عبد الله الثاني أخبر وفدا عسكريا أمريكيا زار الأردن قبل فترة أن ما يجعله ساهرا في الليل ليس تنظيم الدولة أو تنظيم القاعدة، لكن 300 ألف أردني عاطل عن العمل، ونسبة 87% منهم تتراوح أعمارهم بين 18-39 عاما، أي سنوات العمل المهمة، وشهد الأردن في الأسابيع القليلة الماضية اعتصاما نظمه المواطنون العاطلون عن العمل أمام قصر الملك، فيما نظمت مسيرات أخرى في مدن الأردن، شارك فيها الجائعون واليائسون".
اقرأ أيضا: حكومة الأردن تستعين بالقطاع الخاص لوقف "مسيرات المتعطلين"
وينوه الكاتب إلى أن "غزة شهدت الأسبوع الماضي (ثورة الجياع) ضد حكومة حركة حماس، وفي الجزائر والسودان خرج المتظاهرون يطالبون بنهاية الحكم الديكتاتوري هناك، وقد يتساءل البعض هل نشهد النسخة الثانية من الربيع العربي؟".
ويشير فريدمان إلى أن "الركن الرابع الذي انهار هو فقدان الحكومات السيطرة على تدفق المعلومات، ففي الماضي كانت المعلومات تتدفق من القمة إلى القاع، وذهب هذا كله، واستبدل المواطنون معلومات الحكومة بـ(تويتر) و(فيسبوك) و(واتساب)، وتحركت المعلومات أفقيا بدلا من عاموديا، وينشر السكان الآن مستخدمين أسماءهم الحقيقية أكثر المواد إهانة وتحقيرا لقادتهم، صحيح أن الأنظمة الأوتوقراطية، مثل الصين، تستخدم منابر التواصل الاجتماعي للقمع، إلا أن زمن التحكم في المعلومات مضى".
ويلفت الكاتب إلى أن "الركن الخامس الذي انهار هو دور الرجل المتسيد للمرأة أو النظام الأبوي، الذي كان فيه الرجل يتحكم في المرأة من خلال الأعراف الدينية وغير الدينية والثقافية، إلا أن حالات الهروب الأخيرة من السعودية والإمارات وجهت رسائل للكثير من النساء العربيات اللاتي لا يردن البقاء تحت ولاية الذكور، وهذا صحيح، خاصة أن النساء في العديد من الدول، والأردن منها، يتخرجن من الجامعات والمدارس الثانوية بأعداد تتفوق على الرجال".
ويقول فريدمان: "مهما كان الأمر فلن تستطيع المرأة اكتشاف إمكانياتها في سوق العمل، والاستفادة منها طالما لم تتغير قوانين الزواج والميراث والطلاق وحضانة الأطفال، ولا يستطيع الرجل الزواج دون أن يكون لديه عمل، وفي هذه الحالة فإن وجود أعداد من الرجال دون سلطة أو وظيفة، ولا علاقة مع فتاة هو وصفة للتمرد، خاصة في زمن (تويتر)".
وينوه الكاتب إلى أن هذا هو الشرق الأوسط الجديد، وينقل فريدمان عن وزير الخارجية الأردني والمسؤول عن أبحاث الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيجي مروان المعشر، قوله إن القادة العرب تعلموا أنهم لا يستطيعون مواصلة الاعتماد على أدوات القرن العشرين للتحكم في مواطنيهم، وأشار إلى أن الربيع العربي عام 2011 كسر حاجز الخوف في العديد من الدول، فيما أدى انهيار سعر النفط في عام 2014 إلى كسر المقايضة المالية بين الأنظمة والمواطنين، و"يقول المواطنون اليوم: إن لم توفر لي وظيفة في الحكومة فسأقول ما أريد".
ويفيد فريدمان بأن المعشر أجاب عند سؤاله عما إن كان هذا سيقود إلى تحول الأردن إلى ديمقراطية في ليلة وضحاها، قائلا: "لا.. لكن يجب أن تكون هناك عملية تشارك في السلطة بين الحكومات والشعب ومؤسسات المجتمع المدني، فلا يمكنك مواصلة الطلب من السكان التضحية، والتخلي عن الوظائف الحكومية والدعم، والقبول بضرائب عالية، وألا يكون لهم صوت في طريقة حكم أنفسهم".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذه ليست أخبارا سيئة، على الأقل للأردن، الذي يقوم فيه الملك عبد الله الثاني ومنذ 7 أعوام بمبادرة لدعم الشركات التكنولوجية الجديدة، التي باتت عاملا مهما في المنطقة، وهناك مئات الشركات الجديدة المستقلة عن الحكومة، التي تعمل لمواجهة المشكلات الاجتماعية، مثل توفير فرص العمل".
والتقى فريدمان مع عدد من الأردنيين الشباب العاملين في هذا المجال، في لقاء نظمته المديرة التنفيذية لـ"أوايسيس500" المتخصصة في التكنولوجيا لمى فواز، والتقى بشار عرفة مدير الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة "أيرسغارد"، وهي الشركة التي تعمل في الهواتف النقالة والعدسة، التي تستطيع تحديد هويتك من خلال قزحية العين، وتستخدم الأمم المتحدة تقنيتها في تحديد اللاجئ الحقيقي من الذي يريد الدعم لبيعه مثلا، والتقى عددا آخر، مثل زياد الفرخ ودينا شاور وأيسر بطاينة وحسام حمو، وكل واحد منهم أنشأ شركته، أو قدم تكنولوجيا تعطي صورة بأن الشرق الأوسط الجديد لا يواجه مصير الاضطرابات المستمرة.
ويقول الكاتب: "في الأردن، فإن القصة هي سباق بين عدد من التوجهات السلبية الكثيرة، مثل الشباب الذين يريدون تأمين وظيفة في الحكومة لئلا يعملوا، وموجة جديدة تريد المساهمة، وسيحصل الأردن بحلول 2020 على نسبة 20% من طاقته من الطاقة الشمسية، فيما تقوم وزارة العمل بتصنيف الأفكار الجديدة كلها من أجل دفع أعداد كبيرة من الشباب إلى القطاع الخاص".
ويختم فريدمان مقاله بالقول: "المشكلة هي أن ما يجري متأخر، فقد تم تأجيل الإصلاح السياسي ولوقت طويل، فيما لا تزال الأعراف الثقافية القديمة متجذرة بعمق خارج عمان".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)