هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حصلت "عربي21" حصريا على نص رسالة مسربة من داخل السجون المصرية، بعثها القيادي الإخواني، عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، محمد طه وهدان، إلى حفيدته ليلى، بعد إعدام السلطات المصرية أباها (نجله أحمد) في القضية المعروفة إعلاميا بـ"اغتيال النائب العام" هشام بركات.
وفي صباح 20 شباط/ فبراير الماضي، نفذت سلطات الانقلاب حكم الإعدام بحق 9 معتقلين من رافضي الانقلاب، وهم: "أحمد طه وهدان، وأبو القاسم محمد، وأحمد جمال حجازي، ومحمود الأحمد، وأبو بكر السيد، وعبد الرحمن سليمان، وأحمد محمد، وأحمد محروس سيد، وإسلام محمد".
وقال وهدان "إن دماء أبيك هي وقود الثورة.. الثورة على الظالمين المستبدين الفاسدين.. نهبوا الخيرات، وفرطوا في الواجبات، وتنازلوا عن الأرض والعرض والثروات، ثم استداروا على الشرع والأخلاق".
وتابع: "إنهم يعدمون وطنا كاملا.. وما فعله أبوك وإخوانه أنهم تلقوا حكم الإعدام بصدورهم فداء للوطن.. ولما كان الدم لا يموت، فإن الثورة حتما ستنتصر".
وأوصى عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين حفيدته قائلا: "من داخل قفص الاتهام في قضية كتائب حلون، أهديك حبي وأبثك وصيتي: إن قضيت كما قضى أبوك البطل فزغردي لي كما زغردوا له، وإن جمعني الله بك فإني أعدك باستكمال باقي الحكاية التي كنت قد حكيتها لأبيك في مهده.. هي حكاية واحدة.. حكاية وطن وأمة وعقيدة وفكرة أن تحطم قيودها وأغلالها سعيا وراء الحرية والعدالة والكرامة، فإلى لقاء قريب بإذن الله يا صغيرتي.
اقرأ أيضا: زوجة وهدان تروي لـ"عربي21" تفاصيل آخر زيارة له قبل إعدامه
وفيما يلي نص الرسالة:
إلى حفيدتي ليلى أحمد وهدان
أين أبي؟... هذا السؤال الأول الذي سينطلق من فمك الجميل عما قريب، لن تصغي إلى الإجابات العابرة، ولن تلتفتي إلى عبارات الخواطر الجابرة، سيكون سؤالك معك كلما كبرت، وسيزداد عمقا وحيرة وألما.. ستسألينه لنفسك كلما رأيت قريناتك يلتقطن قطع الحلوى من يد آبائهن الحانية، ويلعبن ويمرحن مبتهجات ثم يرتمين في أحضانهم الدافئة، إلا أنت.. ستشعرين بالفقد والحرمان، وستقفز من وعيك كلمة واحدة كانت قد استقرت في أعماقك والتصقت بأفكارك، كلمة (إعدام).
أين ابني؟... سؤال انطلق مني عصر الثلاثاء 19 شباط/ فبراير 2019 حين سمعت أصواتا عالية وجلبة صادرة عن عنبر (1) بسجن العقرب المودع فيه أبوك... وانا المودع في عنبر (2) معزولين عن بعضنا عزلا تاما بأسوار وأبواب وحواجز وحراس ولم أره طوال فترة السجن لحظة واحدة، كما لا يرك هو منذ مولدك، ولم يمكنوه حتى في اللحظات الأخيرة من حياته أن يلقي بسلامة عليِّ، لقد اقتادوه وزملاءه إلى ... الإعدام.
ستكبرين وستسألين وستسمعين، بل وستشاهدين صور أبيك وإخوانه محمولين إلى قبورهم تعلو وجوههم ابتسامه مضيئة، وستشاهدين وتسمعين بأذنيك الهتافات والزغاريد التي شيعتهم إلى مثواهم الأخير، وستفاجئين بالتهاني لا بالتعازي، وستدهشين من أعداد المشيعين هنا في مصر وخارجها بالمشارق والمغارب، وستدركين حين إذن وأنت الصغيرة، أن الأمر قد تخطى معنى الموت، وتجاوز الفقد والفراق والألم، وأن حياة أبيك وإخوانه الحقيقية قد بدأت في اللحظة التي أطبق فيها حبل المشنقة على رقابهم.
هل أحدثك عما تلقيته من أبيك من رسائل الصمود والثبات قبل إعدامه؟ هل أحدثك عن وصيته ووصايا زملائه لنا بعدم المساومة على المبادئ حتى لو نفذوا فيهم حكم الإعدام؟ يا لهم من رجال، الواحد منهم بأمه، أم أحدثك عن سيرته منذ كان طفلا صغيرا مثلك؟ أم أترك ذلك لجدتك أم أحمد الصامدة صمود الجبال الرواسي؟ أم أحدثك عن نبله وأخلاقه وتدينه؟ بل أترك ذلك لأمك التي اختارها فظفر بذات الدين، وقبلته زوجا فظفرت برجل صدق ما عاهد الله عليه فقد نحبه غير مغير ولا مبدل؟ أم تراني أحدثك عن قضيته لا أعني قضيته الملفقة التي حوكم بها، والتي بدأت بتعذيب بشع في مقر الأمن الوطني لكسر إرادتهم وفقا لأحدث نظم وبرامج التعذيب المستوردة من إسرائيل، ثم المحاكمة المنزوعة من كل الحقوق والضمانات؟ أم قضاة باعوا كل شيء فصاروا لا شيء؟... لا أعني تلك القضية المزورة على أبيك وإخوانه الأبرياء، إنما أعني قضيته الأكبر، ورسالته الأطهر، وفكرته الأطهر، قضيته العيش لله بإيمان لا بضلال، رسالة الدعوة الشاملة الكاملة، فكرة إحياء الأمة لتؤدي دورها في العالم مره أخرى.
تلك هي قضية أبيك وإخوانه الحقيقية... من أجلها قبضوا عليهم وعذبوهم وأعدموهم، كما فعلوا بالكثيرين من قبلهم، كما اعتقلوا وشردوا عشرات الآلاف... لأجل تلك القضية كان الانقلاب العسكري الدموي الفاشي... جاء الانقلاب لإجهاض أحلام جيل بل أجيال.. ليجهض آمال ثورة.. لكن هيهات.
إن دماء أبيك هي وقود الثورة.. الثورة على الظالمين المستبدين الفاسدين.. نهبوا الخيرات، وفرطوا في الواجبات، وتنازلوا عن الأرض والعرض والثروات، ثم استداروا على الشرع والأخلاق.
إنهم يعدمون وطنا كاملا.. وما فعله أبوك وإخوانه أنهم تلقوا حكم الإعدام بصدورهم فداء للوطن.. ولما كان الدم لا يموت، فإن الثورة حتما ستنتصر.
ابنتي وحفيدتي الغالية ليلى ستخوضين غمار الحياة والأحداث والناس، وستلحظين إشارات من حولك إلى التاج المرصع المرفوع على رأسك، مكتوب عليه "ابنة الشهيد أحمد وهدان".. هنا يتبدل الدمع والألم والحزن إلى عزة وفخار.. لأنك ستعيشين حينئذ في وطن محرر.
من داخل قفص الاتهام في قضية كتائب حلون، أهديك حبي وأبثك وصيتي: إن قضيت كما قضى أبوك البطل فزغردي لي كما زغردوا له، وإن جمعني الله بك فإني أعدك باستكمال باقي الحكاية التي كنت قد حكيتها لأبيك في مهده.. هي حكاية واحدة.. حكاية وطن وأمة وعقيدة وفكرة أن تحطم قيودها وأغلالها سعيا وراء الحرية والعدالة والكرامة فإلى لقاء قريب بإذن الله يا صغيرتي.
جدك
محمد وهدان