هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافي مايكل هيرش، يقول فيه إنه لا أحد أفضل من زلماي خليل زاد يعلم ما هي الرهانات في أفغانستان، مشيرا إلى أنه من الصعب تخيل أن أي شخص يريد أن يعرف بأنه الشخص الذي خسر بلده لصالح حركة طالبان.
ويقول هيرش إنه "مع ذلك فإن خليل زاد، المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان، تحت ضغط من الرئيس دونالد ترامب للتوصل إلى صفقة ستكون نتيجتها هذا بالضبط، بحسب مصادر على معرفة بمهمته، ولأكثر من أسبوع قام خليل زاد بالتفاوض في قطر مع حركة طالبان -التي ترفض الاعتراف بالحكومة الأفغانية المنتخبة ديمقراطيا- للتوصل إلى اتفاق يؤدي إلى انسحاب سريع للقوات الأمريكية من أفغانستان".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "يبقى من غير الواضح ما هي التعليمات لخليل زاد، أو حدود المفاوضات، حيث كانت رسائل الرئيس مختلطة، ففي آب/ أغسطس 2017، أعلن ترامب أنه سيزيد عدد القوات الأمريكية في أفغانستان ليقوموا بتدريب الجيش الأفغاني، وأن أي انسحاب سيكون بناء على الظروف في البلد، لكن في 21 كانون الأول/ ديسمبر قام ترامب بإعلان مفاجئ بأنه يريد نصف الوجود العسكري في أفغانستان، وأصدر أوامره في الصيف الماضي لخليل زاد بالتفاوض فقط مع حركة طالبان، بعد أن كان شرط أمريكا سابقا إشراك الحكومة الأفغانية في المفاوضات".
ويلفت هيرش إلى أن "خليل زاد أعلن خلال الأيام القليلة الماضية إطار اتفاق سلام مؤقت، وهو ما أغضب الكثير من المراقبين للشأن الأفغاني؛ لأن الاتفاق يبدو أنه يقبل بانسحاب جزئي للقوات الأمريكية، دون أي تنازل في المقابل من حركة طالبان، وقال خليل زاد لـ(نيويورك تايمز)، بأن حركة طالبان ملتزمة (بفعل ما يلزم لمنع أفغانستان من أن تصبح منصة للمنظمات الإرهابية الدولية)".
ويستدرك الكاتب بأن "الخبراء يشيرون إلى أن حركة طالبان كانت قد وافقت على إعطاء هذا الضمان منذ زمن إن غادر الأمريكيون، وخليل زاد يعرف ذلك جيدا، وقال سفير باكستان السابق في أمريكا والباحث في معهد (هدسون) حسين حقاني: (كانوا قد تحدثوا في هذا الأمر منذ أيام الملا عمر) منذ بدايات العقد الأول من الألفية الثانية".
وينوه هيرش إلى أن "خليل زاد قال إن على حركة طالبان أن توافق على التفاوض مع الحكومة الأفغانية، وعلى وقف إطلاق النار، لكن زملاء سابقين قالوا إن خليل زاد نفسه قد لا يعلم كم من المساحة سيمنحه ترامب للثبات على هذه النقاط الأساسية، مع وجود الضغط من البيت الأبيض بخصوص الانسحاب".
وتنقل المجلة عن المبعوث الأمريكي لأفغانستان جيمس دوبينس، الذي كان يرأس خليل زاد في أواخر عام 2001، عندما تم عقد مؤتمر بون وإنشاء حكومة كابول، قوله: "لا أظنه (خليل زاد) يعلم ماذا سيفعل ترامب.. لقد كان يفاوض عندما أعلن ترامب عن سحب نصف الجيش.. وصدم بذلك كأي شخص آخر".
وعندما سئلت الخارجية الأمريكية عن تعليمات خليل زاد، فإن متحدثا عن الوزارة قال لـ"فورين بوليسي" يوم الثلاثاء: "أي اتفاق نهائي يجب أن يتضمن حوارا أفغانيا داخليا، يضم حركة طالبان والحكومة الأفغانية والقوى الأفغانية الفاعلة".
ويستدرك الكاتب بأن "اتفاق الإطار أثار المخاوف بأن أمريكا متعجلة للخروج، ومستعدة للتخلي عن دعم الحكومة الأفغانية المركزي والجيش الأفغاني، في وقت أثبتت فيه حركة طالبان أنها قوية في الميدان، لكن بالنسبة لمن راقبوا الشأن الأفغاني لمدة طويلة فإن أي اتفاق أقل من اتفاق سلام رسمي بين حركة طالبان وكابول -وهو ما سيؤخر انسحاب القوات الأمريكية حتى يتم تطبيقه بالكامل- سيكون في الواقع استسلاما أمريكيا دون الإعلان عن ذلك".
وتورد المجلة نقلا عن السفير الأمريكي السابق لأفغانستان ريان كروكر، قوله: "إن انسحبنا كما نقول خلال 18 شهرا، ما ستراه هو تحرك حركة طالبان للسيطرة على البلد.. لقد رأينا ذلك سابقا في مؤتمر باريس للسلام مع فيتنام".
ويعلق هيرش قائلا إنه "لا يمكن أن يكون هناك تشبيه أكثر بشاعة لخليل زاد، الذي قضى وقتا طويلا من حياته العملية بصفته جزءا من كبار صناع السياسات في واشنطن الذين كانوا يسعون لفرض القوة الأمريكية وهزيمة أشباح فيتنام".
ويقول الكاتب إنه "بالإضافة إلى كونه مولودا في أفغانستان، ودبلوماسيا عمليا شارك في بناء الحكومة الأفغانية ما بعد حركة طالبان في الأيام الأولى، وهو أيضا زميل مدرسة للرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني، فإن خليل زاد كان استراتيجيا أمريكيا يؤمن بالقوة الأمريكية، وله علاقات قوية بالمحافظين الجدد منذ أيام دراسته للدكتوراه مع بول وولفويتز، وتحت رعاية ألبيرت وهلستيتر، الذي يحسب على كبار الصقور، الذي كان يسخر من نظرية الردع، ويدعو إلى بناء ترسانة أسلحة كبيرة خلال الحرب الباردة".
ويبين هيرش أن "كونه مساعدا لوولفويتز، الذي كان مساعد وزير الدفاع عام 1992، فإن خليل زاد كان الشخص الرئيسي الذي وضع (عقيدة ولفويتز)، التي أعلنت أن السياسة الأمريكية يجب أن تمنع بروز أي دولة منافسة للقوة العظمى الوحيدة، وخدم خليل زاد تحت إمرة وولفويتز خلال وبعد حرب الخليج الأولى، عندما ظن الاستراتيجيون بأنهم (قضوا على متلازمة فيتنام مرة واحدة وللأبد)، كما قال الرئيس جورج بوش الأب بعد انسحاب صدام حسين من الكويت".
ويشير الكاتب إلى أن "خليل زاد كان مشاركا قريبا منذ الأيام الأولى للتدخل الأمريكي في أفغانستان، الذي يعود ذلك لإدارة ريغان، وكان يعرف نتائج الانسحاب الأول من أفغانستان عندما أدار بوش الأب ظهره عام 1989، بعد أن أجبر المجاهدون روسيا على الانسحاب من أفغانستان، تاركا البلد لحركة طالبان".
ويلفت هيرش إلى أنه "عندما غزت أمريكا أفغانستان، بعد أكثر من عقد على أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، لم يكن هناك ما أزعج خليل زاد أكثر من قرار وزير الدفاع رامسفيلد أن يترك قوة عسكرية صغيرة كقوة مراقبة هناك، حيث كان رامسفيلد لا يؤمن بما يسمى (بناء الدول)، لكن كان يؤمن أن تترك الشعوب للقيام بذلك، وكان يشبه التدخل ثم الخروج السريع بالإمساك بكرسي الدراجة لمساعدة طفل أن يتعلم عليها ثم ترك الكرسي بسرعة".
وتنقل المجلة عن خليل زاد، قوله في مقابلة عام 2016 مع "سي – سبان"، إن خلافه مع إدارة بوش كان حول هذه المسألة، وقال: "ظننت أننا في أرض كهذه نعدها مهمة .. كنا بحاجة إلى قوى صديقة تسيطر عليها، وهذا ما فعلناه في أوروبا وفي كوريا وفي اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.. وهذا يعني أنه كان علينا أن نساعدهم على إنشاء المؤسسات للتمكن من القيام بتلك المهمة".
وأضاف: "وأتذكر أن الوزير رامسفيلد قال لي، زال (مختصر لزلماي)، أزح يديك عن الدراجة. ومرة فقدت هدوئي وقلت له يا حضرة الوزير أرني أين هي هذه الدراجة اللعينة، لأنني عندما ذهبت إلى أفغانستان بالكاد وجدت شيئا".
ويقول الكاتب: "كما هو معروف، فإن رامسفيلد وزملاءه الصقور، بمن فيهم نائبه وولفويتز، كانوا في وقتها حريصين على ترك أفغانستان وغزو العراق، وذلك جزئيا لفرض قوة أمريكا؛ لأن رامسفيلد لم يكن يعد غزو أفغانستان حربا حقيقية، وكان قد نقل عنه أنه قال إنه يريد التحول إلى العراق؛ لأنه (ليست هناك أي أهداف جيدة في أفغانستان، لكن هناك أهداف كثيرة جيدة في العراق)".
ويضيف هيرش: "كما قال لي نيويت غينغريتش، الذي كان عضوا في وقتها في مجلس السياسة الدفاعية في 2001: (هناك شعور بأن علينا أن نفعل أمرا يحسب لنا، وقصف بعض الكهوف ليس شيئا يمكن أن يحسب)، لقد كانوا شغوفين بتجاوز (متلازمة فيتنام) إلى الأبد".
ويجد الكاتب أنه "بعد 18 عاما، فإنه ستكون هناك مفارقة مؤلمة إن فشلت أفغانستان وعادت حركة طالبان للسلطة، لتقوم بتوفير ملاذ للإرهابيين الذين يريدون القيام بهجمات شبيهة بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وفي تلك الحالة ستكون أفغانستان هي فيتنام الثانية بالنسبة لأمريكا".
ويختم هيرش مقاله بالقول: "اعتمادا على ما سيحدث في مفاوضات الإطار المزمع عقدها في أواخر شهر شباط/ فبراير، فإن خليل زاد قد يجد ما كان يعمل له طيلة حياته وأهدافه مهددة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)