هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدأ الرئيس السوداني عمر البشير، زيارة الثلاثاء إلى دولة قطر، في خطوة عدّها المراقبون محاولة للحكومة السودانية في إيجاد مخرج سياسي واقتصادي من المأزق الذي تواجهه جراء استمرار تظاهرات تندد بالأوضاع المعيشية وتطالب برحيل النظام.
وقال بيان صادر عن رئاسة الجمهورية في الخرطوم إن البشير سيلتقي بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد للتباحث في العلاقات الثنائية وجهود تعزيز السلام في دارفور والقضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
ورعت العاصمة القطرية اتفاقية للسلام في 14 تموز (يوليو) 2011، وقعت عليها الحكومة وحركة التحرير والعدالة، بينما رفضتها حركات التمرد الرئيسية في إقليم دارفور (العدل والمساواة، حركة تحرير السودان، حركة جيش تحرير السودان).
إقرأ أيضا: الأمن السوداني يطلق الغاز داخل جامعة في الخرطوم (شاهد)
وذكرت مصادر مطلعة لـ"عربي21"، أن الزيارة ربما تكون على صلة بتسريع الجهود القطرية في بدء محادثات السلام مع الأطراف غير الموقعة على الاتفاقية، ورأت أن ذلك من شأنه أن يحدث انفراجا في الوضع السياسي المأزوم حاليا، خصوصا وأن الحركات الرافضة للاتفاقية أعلنت مساندتها وتأييدها للتظاهرات الشعبية الداعية إلى إسقاط النظام.
وتضيف المصادر لـ"عربي21": "إن الخرطوم تعول على الدور القطري، في ظل شكوك تساور الحكومة السودانية إزاء مواقف دولا خليجية لم تقدم للخرطوم الدعم المتوقع خصوصا في الجانب الاقتصادي، على الرغم من أن السودان جزء من تحالف تقوده المملكة العربية السعودية في حرب اليمن فيما عرف بأسم (عاصفة الحزم)، كما تشارك بقوات من الجيش السوداني".
وفي مقالة نشرتها صحيفة "الشرق" القطرية اليوم الثلاثاء، لم يستبعد الكاتب القطري الدكتور محمد صالح المسفر أن للسودان أعداء من الخارج يجدون في إثارة الفتن والتحريض على النظام بهدف إسقاطه، لأنه في اعتقادهم نظام إسلامي".
ويشير المسفر إلى أن أموال النفط العربي لم تكن في السنوات الأخيرة مصدر بناء وتنمية في أي بقعة عربية، وتساءل الكاتب قائلا: "فتش عن القلاقل والاضطرابات في عالمنا العربي هذه الأيام ستجد أن المال النفطي هو السبب الرئيس وراء هذه القلاقل في اليمن والسودان وليبيا وتونس ولبنان ثلاثون عاما والسودان يعاني من هذه الأزمات فما هو الحل"؟
كما دعا الكاتب القطري الدكتور محمد صالح المسفر، بلاده إلى العمل على رأب الصدع بين السلطة القائمة في السلطة القائمة في السودان والمعارضة، وتساءل: "قطر لديها خبرة متجذرة في التعامل مع أزمات السودان، ولها دور في اخماد الفتن في بعض الأقطار العربية فهل من الممكن أن تدلو بدلوها في الشأن السوداني الراهن"؟
إقرأ أيضا: ما وراء استمرارية الحراك في السودان؟
ويرى المسفر: "إذا استفحل الأمر بين النظام القائم والمعارضين، أحزابا ونقابات وجماهير، وأصرت الحكومة على موقفها من المسيرات والتصدي لها، فلا شك بأن الأمن سيختل والاقتصاد سيزداد انهياره وفي هذه الحالة على الجيش أن يتدخل دون إبطاء، وهو صاحب الكلمة العليا في البلاد ويعطي ضمانات للرئيس البشير بعدم المساءلة عما فعل وتحصينه من ملاحقة محكمة الجنايات الدولية، وعند موعد الانتخابات العام القادم يكون الجيش اداة لحفظ الأمن وسيادة البلاد ويترك الساحة السياسية لحكم مدني يجيد التعامل مع المجتمع الدولي لرفع كافة العقوبات عن السودان الشقيق"، وفقا لما جاء في مقالة الكاتب القطري المنشورة اليوم.
من جهته، لم يستبعد المحلل السياسي السوداني كباشي البكري في تعليق لـ"عربي21" أن تطرح قطر وساطة بين الأطراف المتصارعة، وقال: "إن الدوحة ليست بعيدة عن الحلول السياسية التي درجت الدوحة على تقديمها، وحضورها الفاعل في المشهد السوداني بتبني ورعاية ودعم الحوار بين الفرقاء والحكومة السودانية".
ويلفت كباشي الانتباه إلى أن "أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بادر بإجراء اتصال هاتفي مع الرئيس البشير، للاطمئنان على الأوضاع في السودان منذ الأسبوع الأول لهذه الاحتجاجات مقارنة مع حالة ترقب شكلت مواقف كثير من دول الإقليم".
إقرأ أيضا: ما الذي يشجع النظام السوداني على قتل المتظاهرين؟
واعتبر كباشي هذه الخطوة مبررا موضوعيا لأن تكون الدوحة أول زيارة خارجية للبشير بعد اندلاع الاحتجاجات المتصاعدة، فضلا عن مساهمات قطر السابقة في إنعاش الاقتصاد السوداني وملفات السلام والحوار في إقليم دارفور.
ورأى أن زيارة البشير تبحث عن السند الخارجي "سياسيا واقتصاديا"، إضافة لتحسين وجه الحكومة دوليا بعد موجات الرفض الداخلية التي جوبهت بها الاحتجاجات المستمرة الآن في أغلب المدن السودانية، إلى جانب الصورة القمعية العنيفة من قبل السلطات الأمنية في محاولات ايقاف هذه الاحتجاجات الامر الذي اثار استهجان واستنكار العديد من المنظمات الدولية".
في منحى ذو صلة، يشير مراقبون إلى احتمالية أن تكون زيارة البشير الذي أعلن موقفا محايدا من الأزمة الخليجية، بهدف الحصول على مساعدات مالية لتخفيف عبء الضغوط السياسية الداخلية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، حيث يعاني السودان منذ أشهر من معدلات تضخم غير مسبوقة، وارتفاع هائل في أسعار العملات الأجنبية مقابل الدولار.
ويقول رئيس تحرير صحيفة "الانتباهة" السودانية النور أحمد النور لـ"عربي21": "إن الزيارة بدعوة من أمير قطر لأجراء محادثات حول الأوضاع بالسودان ومفاوضات دارفور التي ترعاها الدوحة لطي الصفحة الأخيرة في الأزمة والتطورات بالمنطقة".
ويتوقع النور أن تقدم قطر دعما للبشير ولكنه ربطه بإجراء إصلاحات سياسية تودي لانفراج في الأوضاع الداخلية بالسودان، ويضيف: "رغم تحفظات الدوحة على بعض مواقف الخرطوم لكن ليس من مصلحتها تغيير نظام الحكم في السودان لأن أي نظام بديل سيكون مساندا لأطراف التحالف المناهض لدولة قطر".
إقرأ أيضا: الحزب الحاكم بالسودان يطلق مبادرة يقول إنها لـ"جمع الشمل"
ورأى النور أن "الدوحة لأسباب استراتيجية ستقف إلى جانب حكم البشير ومحاولة اقناعه بإصلاحات جذرية لتحقيق الأمن والاستقرار وتجاوز المصاعب والأزمات التي يعاني منها".
بيد ان المحلل الاقتصادي الدكتور عمر محجوب الحسين يستبعد في حديثه مع "عربي21" أن تثمر زيارة البشير للدوحة من الناحية الاقتصادية، ويعزو ذلك إلى التزامات دولة قطر الكبيرة تجاه المجتمع الدولي والتزاماتها الداخلية وموقف السودان "الضبابي" تجاه أزمة الحصار بالإضافة إلى اختلاف الآراء تجاه سوريا؛ وفي حين تتحفظ قطر على عودة سوريا إلى الجامعة العربية قام الرئيس البشير بزيارة سوريا بتخطيط روسي لكسر الحصار العربي المفروض عليها مما يشير إلى اختلاف في الرؤى نحو ملف سوريا.
ويرى الحسين أن المشكلة الاقتصادية في السودان عميقة الجذور وصعبة الحل، موضحا أن الحديث عن مساهمة قطرية بوديعة سوف تكون زيادة في الدين العام الذي هو في حدود خطيرة حيث، وصل إلى 166% من إجمالي الناتج الإجمالي، بينما يجب أن يكون في حدود 60% من الناتج المحلى الإجمالي وفقا للمؤشرات العالمية ما يعنى أن الحلول بالجرعات المخدرة لن يفيد ما لم تسع الحكومة إلى اتباع الحلول الاقتصادية الناجعة قصيرة وطويلة المدى.