هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وسط ضغوط ومتاعب قانونية تعصف بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفعل سياساته الارتجالية والمتخبطة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، جاءت استقالة وزير الدفاع ماتيس لتوسع الثقب أكثر في "مركب ترامب" الذي يعتقد الكثير من المحللين والساسة الأمريكيين أنه يواجه خطر الغرق لا محالة خلال العام القادم، في ظل تقدم التحقيقات القضائية ضده، وتولي الديمقراطيين لدفة الكونغرس.
وكان رحيل ماتيس متوقعا منذ أعلن ترامب يوم الأربعاء أنه سيسحب قواته من سوريا، رغم اعتراض حلفاء للولايات المتحدة ومسؤولين عسكريين أمريكيين كبار.
وذكر ماتيس في خطاب استقالته أنه يتنحى حتى يتمكن ترامب من تعيين وزير دفاع له فكر مساير لأفكاره.
وأضاف ماتيس "لأنه من حقك أن يكون لديك وزير دفاع وجهات نظره تتوافق بشكل أفضل مع وجهات نظرك حول هذه القضايا وغيرها، أعتقد أنه من الصواب بالنسبة اليّ أن اتنحى عن منصبي".
ولم تكن استقالة ماتيس مفاجئة بالكامل للمراقبين في واشنطن، فلطالما تجاهل ترامب نصائح وزير دفاعه وخاصة في الآونة الأخيرة.
وكان قرار ترامب سحب 2000 جندي من سوريا بمثابة صفعة مفاجئة لماتيس، الذي حذّر من أن انسحابا مبكرا من سوريا قد يكون "خطأ استراتيجيا فادحا".
وتصادم الرجلان في السابق حول مواضيع شتى، بما في ذلك الاتفاق النووي مع إيران الذي انسحب منه ترامب في أيار/مايو بينما دافع ماتيس عن أجزاء منه.
وتوقعت شبكة "فوكس نيوز" الجمعة، أن تشهد وزارة دفاع الولايات المتحدة "البنتاغون" المزيد من الاستقالات، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا.
ونقلت الشبكة عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية دون الكشف عن هوياتهم، أنه "قد يكون هناك المزيد من الاستقالات من جانب مسؤولين في البنتاغون عقب استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس"، مضيفة أن "استقالة ماتيس جاءت احتجاجا على سياسات الأمن القومي التي ينتهجها الرئيس ترامب".
واعتبرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، في تقرير نشرته الأحد، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يشعر بالقلق لـ"أول مرة في حياته"، مشيرة إلى تحذيرات من الصحفي الذي اعتبرته من "أساطير الصحفيين"، المشارك في فضيحة "ووترغيت" الشهيرة التي أدت إلى استقالة تاريخية للرئيس السابق ريتشارد نيكسون.
وبحسب تقرير الصحيفة، الذي ترجمته "عربي21"، فإن الصحفي كارل بيرنشتاين، الذي عمل مع بوب وودوارد في السبعينيات للكشف عن فضيحة "ووترغيت"، حذر من أن ترامب قد يلاقي مصير نيكسون، معتبرا أن جلسات إقالته باتت مرجحة الآن.
وأشار الكاتب في الصحيفة، إلى أنه جزء من المقاومة داخل الإدارة الأمريكية لرئيس يعاني من سوء الإدارة في ظل التحقيقات المستمرة التي يجريها المحقق الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ترامب.
وأشار صحفي "ووترغيت"، وفق تقرير أعده جيسون ليمون، في "نيوزويك"، إلى أن المذكرة التي كتبها المدعون الفيدراليون للمحامي السابق لترامب، مايكل كوهين، قد تؤدي إلى إقالة الرئيس الأمريكي.
وتقول الوثيقة، إن الرئيس ترامب "قاد مؤامرة إجرامية، لإصدار توجيهات لدفع أموال بهدف شراء صمت امرأتين أقام معهما علاقات خارج إطار الزوجية".
وقال بيرنشتاين للمجلة: "يبدو بالتأكيد أن ما يعرض للجمهور، نوع من الجرائم التي تستدعي إجراء جلسات استماع في سلوك رئيس الولايات المتحدة".
وأضاف: "هناك شيء أكثر أهمية من مجرد العزل، وهو حقيقة أن دونالد ترامب لأول مرة في حياته محاصر وقلق".
وأشار إلى أن ترامب رجل الأعمال السابق "كان بإمكانه دائما أن يخرج من أي مأزق" عندما كان يدير شركته الخاصة. و"كان دائما يشتري طريقه للخارج، ويخدع الكثيرين من أجل التنصل. لكنه بات محاصرا من قبل المحقق الخاص مولر".
وحتى الآن، تم توجيه الاتهام إلى 33 شخصا وثلاث شركات من المحقق الخاص روبرت مولر، حول ما إذا كانت حملة ترامب قد تواطأت مع روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 أم لا.
ولم يتم اتهام أي شخص منهم بالتواطؤ مع روسيا، ولكن تم الكشف عن جرائم أخرى مختلفة في التحقيق المستمر.
ومن المتوقع أن يصدر التقرير النهائي لمولر قريبا، وقد دفعت أحدث المزاعم العديد من السياسيين إلى اقتراح إمكانية عزل ترامب، أو حتى توجيه اتهامات جنائية له وسجنه.
الخبير في الشؤون الأمريكية سعيد عريقات قال إن جيمس ماتيس قفز من مركب ترامب مبكرا، لأنه كان يعلم تماما أن ترامب سيقوم بهذه الخطوة خلال فترة قصيرة.
ولفت عريقات في حديث لـ"عربي21" إلى تصريحات لترامب مؤخرا قال فيها إن ماتيس ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، ملمحا إلى أنه سيخرج من تشكيلة الإدارة الأمريكية مع نهاية العام الجاري.مشيرا إلى إعلان ترامب الانسحاب من سوريا كانت "الفرصة" التي استغلها ماتيس ليعلن استقالته.
ورأى أن ترامب لايريد الاستماع إلى ذوي الخبرة ويقود الإدارة بشكل مرتبك، وهذا ما يفسر استالة العديد من رموز هذه الإدارة من بينهم ثلاثة من كبار موظفي البيت الأبيض، وثلاثة من مجلس الأمن القومي ووزراء لخارجية والبيئة والدفاع والصحة.
اقرأ أيضا: ماذا دار بين ترامب وماتيس بلقاء الـ45 دقيقة قبل الاستقالة؟
وأضاف عريقات: "هذا الرئيس، وخلال فترة قصيرة ترك سفينته العديد من الشخصيات التي كان ينظر إليها كركائز ودعائم لادارته، وأتوقع أن يشهد العام القادم المزيد من الإرتباك، وسيشهد ترامب عزلة أكبر داخل البيت الابيض، وليس هناك الكثير ممن يرغبون في الانضمام إلى إدارته، سواء الدفاع أو وزرات أخرى".
وختم خبير الشؤون الأمريكية حديثه لـ"عربي21" بالقول، إن الأسابيع المقبلة ستشهد تغيرا كبيرا في وجه هذه الإدارة، وسنرى كيف سيتعامل مع الكونغرس الكونغرس معها، بعد أن يسيطر عليه رسميا الحزب الديمقراطي الذي يتخذ موقفا سلبيا من طريقة إدراة ترامب للسيسات الداخلية والخارجية".
واتفق المحلل السياسي والخبير في الشأن الأمريكي خالد الترعاني مع عريقات في أن ترامب سيشهد العديد من المتاعب والملاحقات القضائية خلال العام القادم، مشيرا إلى أنه يعتمد في سياسته على الارتجال، ولا يريد الاستماع لذوي الخبرة أمثال وزير الدفاع المستقيل الذي خدم في القوات الأمريكية كمحترف مدة 40 عاما.
وقال الترعاني في حيث لـ"عربي21"، إن استقالة ماتيس كانت مسألة وقت، وغير مرتبطة باعلان ترامب لانسحاب من سوريا، بل إن حماقة ترامب والسياسيات والقرارات المتخبطة والغير مدروسة والتي أصبحت سمة إدارته ، جعلت الكثيرين ينفضوا من حوله، ولم يبقى الآن سوى مجموعة من "المطبلين" ورجال العلاقات العامة.
وأضاف: "هو يغرد صباحا بما يجول في خاطره، فيما يحاول من حوله تنظيف العواصف التي يثيرها".
وحول مستقبل إدارة ترامب خلال العام القادم قال الترعاني: "هذا سوف يتضح أكثر مع تقدم التحقيقات في القضايا المنظورة ضد ترامب، والصفقات التي يمكن أن يرتبها المحقق مولر مع الفريق الذي كان حول ترامب أثناء حملته الانتخابية".
وأضاف: "معظم فريق ترامب الانتخابي يواجهون عقوبات بالسجن خلال العام القادم، ولذلك يقومون بعقد صفقات للنجاة، يتخلون بموجبها عن ترامب ويتركونه وحيدا، ولذلك فإن نتائج هذه الإعترافات ستحدد مصير ترامب خلال العام القادم وهي التي ستحدد أيضا كيف ستكون انتخابات 2020 ".
وختم بقوله: "المؤشرات بالنسبة لترامب غير مبشرة، ولو كنت مكانه، فسوف أتصبب عرقا سنة 2019".
اقرأ أيضا: هآرتس: استقالة ماتيس تقلق إسرائيل وخطر الحرب يتصاعد
يذكر أن العديد من كبار موظفى إدارة ترامب استقالوا منذ مطلع عام 2017 ، منهم من شغل مناصب تنفيذية واستشارية ودبلوماسية وعسكرية، ولأسباب مختلفة، تم ابتعاد الكثيرين عن فريقه الرئاسي، وسواء استقالوا أم أقيلوا، فإن النتيجة تشير إلى تغييرات غير مسبوقة في تاريخ الرئاسات الأمريكية.