أفكَار

العراق.. حزب الدعوة نشأ للحدّ من المدّ الشيوعي والقومي 2من3

كان واحدا من الأحزاب الرئيسية التي استفادت من الغزو الأمريكي للعراق ومن الدعم الإيراني
كان واحدا من الأحزاب الرئيسية التي استفادت من الغزو الأمريكي للعراق ومن الدعم الإيراني

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب على هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

 

في الجزء الثاني من عرضه لتجربة الإسلام السياسي في العراق، يسلط الباحث العراقي الدكتور فارس الخطاب، الضوء اليوم على حزب الدعوة الإسلامية باعتباره واحدا من أهم التعبيرات الإسلامية السياسية في العراق.

العراق.. حزب الدعوة نشأ للحدّ من المدّ الشيوعي والقومي 2من3

في عام 1957م، وتحت شعار "خلق توازن فكري مع الشيوعية والعلمانية والقومية العربية وغيرها من الأفكار المادية "، تأسست النواة الأولى لحزب "الدعوة الإسلامية" على صيغة هيئة مؤلفة من 8 أعضاء اجتمعوا في مدينة النجف العراقية، وكان لمحمد باقر الصدر دور رئيسي في قيادة الحزب .

 

يعتبر نجاح الثورة الإسلامية في إيران وتسنم الخميني للسلطة في إيران نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحزب الذي بادر بالاعتراف ودعم "الثورة

بعد سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في العراق، استشعرت الحكومة العراقية في عام 1969 ازدياد نفوذ حزب الدعوة، فقامت بمحاولات التثقيف الإعلامي للشعب العراقي من خطر الأحزاب الدينية، أو تلك التي تتخذ من الدين غطاء لها، وهو ما جعل حزب الدعوة يقرر مواجهة هذه الحملة فقرر الخروج بتظاهرات سياسية تنادي بإسقاط الحكومة العراقية وحزب البعث، وتدعو إلى إقامة دولة إسلامية، وقد شهدت محافظة النجف ومحافظة البصرة والكوفة تظاهرات منظمة من قبل الحزب، فقامت الحكومة العراقية باتخاذ إجراءات أمنية مشددة لملاحقة الحزب، فاعتقلت الكثير من قيادات وأعضاء هذا الحزب، ثم أصدرت بحق الكثير منهم وبالأخص القياديان في التنظيم أحكاما بالإعدام نفذت عام 1974، وهو ما أدى إلى أن يغير الحزب من تكتيكاته وأوقف الاتصال بين أعضائه.

تداعيات الثورة الإيرانية

في العام 1977م قام حزب الدعوة بكسر قرار الحكومة العراقية المتمثل بمنع أحد الشعائر الدينية الشيعية، وهي المسيرة الراجلة بين النجف وكربلاء، فحصلت مواجهة مع قوات الأمن وتنظيمات حزب البعث هناك، أطلق عليها حزب الدعوة "انتفاضة صفر الجريئة"، وقد قتل في هذه الانتفاضة عناصر قيادية من حزب البعث.

يعتبر نجاح الثورة الإسلامية في إيران وتسنم الخميني للسلطة في إيران نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحزب، الذي بادر بالاعتراف ودعم "الثورة" من خلال قيام الحزب بالتواصل والتنسيق مع قيادات الثورة الإسلامية الإيرانية، على الرغم من الاختلاف الفقهي بين الحزب والخميني، المتمثل بإيمان الخميني بولاية الفقيه، فيما حزب الدعوة يرى أن السلطة يجب أن تتمركز في يد الأمة، على إثر موافقة حزب الدعوة على طلب الخميني بالقيام بثورة إسلامية في العراق على غرار الثورة الإسلامية في إيران. قامت الحكومة العراقية في 31 آذار/مارس 1980 بإصدار قرار نص على إعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية، وكان في طليعة من أعدم بهذا القرار محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى في 8 نيسان/أبريل 1980، مما شكل ردة فعل عنيفة ليس للحزب فقط وإنما لعموم شيعة العراق.
 
لم يكن حزب الدعوة يدعو إلى تحقيق رؤياه للدولة الإسلامية بالطرق السلمية كما كان ومازال بعض قيادييه يدعي، وإنما استفاد من فترات العمل السري الأولى بالدعوة وحشد شيعة العراق ضد الحكومة المركزية. لكنه، إضافة لما تقدم، قام عام 1981م بإنشاء "معسكر الصدر العسكري" في إقليم الأحواز العربي بإيران، هدفه الأساسي إسقاط نظام الحكم في العراق، وهذا التنظيم العسكري شارك مع القوات الإيرانية في عمليات عسكرية نوعية وإدخال الجواسيس لجمع المعلومات لصالح إيران خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988م)، وهو ما يفتخر به الكثير من قيادييه وأعضائه حتى يومنا هذا. كما قام الحزب بعمليات طالت الأبرياء كجريمة إلقاء القنابل على تجمع طلابي للجامعة المستنصرية ببغداد في نيسان/أبريل عام 1980، وتفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981، ثم تفجير وزارة التخطيط العراقية بسيارة مفخخة عام 1982، بالإضافة إلى تفجير سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا في الكويت عام 1983.

احتلال العراق

لقد ساعد حزب الدعوة من خلال عمله ضمن المنظومة الإيرانية، بتسهيل احتلال العراق والإطاحة بنظام حكم صدام حسين وحزب البعث العربي الاشتراكي هناك، وقام بفتح مكاتب رسمية علنية له في كل المدن والمحافظات ذات الأغلبية الشيعية في العراق فور احتلال بغداد، ثم دخل المعترك السياسي بقوة مدعوما من الولي الفقيه من جهة، ومن الحاكم المدني الأمريكي، بول بريمر، من جهة أخرى لتسهيل بقاء وسلامة القوات الأمريكية في العراق (حسب وجهة النظر الأمريكية).

إن مشكلة حزب الدعوة تتمثل، بالإضافة إلى تعاونه مع إيران ضد مصالح بلده (العراق)؛ في عقدة الانتقام التي سيطرت ومازالت على أعضائه، لذلك فإنه بعد احتلال العراق قام بالإضافة إلى القوى والتنظيمات الموالية للولي الفقيه في طهران، بكم هائل من جرائم التصفية الجسدية والتهجير القسري، كما وظفّ الحزب وجوده ضمن القوى الأكثر فاعلية في العملية السياسية في العراق، لتحقيق رصيد مالي وحسابات خارجية ضخمة، كما يتهم رئيس الحزب، ورئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق بين عامي 2006 و2014 نوري المالكي، بمساعدة إيران ماليا خلال فترة الحصار الاقتصادي المفروض عليها قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015م مع الدول الست، على حساب حاجة العراقيين الماسة للخدمات والبنى التحتية التي دمرها الاحتلال، كما تعمد منذ استلامه الحكم على عدم إعادة الحياة للصناعة العراقية، لتبقى إيران المورد الرئيسي للبضائع والمنتجات حتى يومنا هذا .

 

مشكلة حزب الدعوة تتمثل، بالإضافة إلى تعاونه مع إيران ضد مصالح بلده (العراق)؛ في عقدة الانتقام التي سيطرت ومازالت على أعضائه

ولكي يحمي حزب الدعوة نفسه ويبقي على أسلوب العمل السري، كوّن عدة تشكيلات وبأسماء مختلفة كحزب الدعوة مؤتمر الصدر، حزب الدعوة مؤتمر الإمام الحسين، حزب الدعوة المجلس الفقهي، حزب الدعوة تنظيم العراق، حركة كوادر حزب الدعوة، حزب الدعوة خط الأصفي، عز الدين سليم، وغيرها، ويشار إلى أن تنظيم المجلس الأعلى الذي يمثل آل الحكيم، هو في أصله من تنظيمات حزب الدعوة.

وفي العراق اليوم عشرات التنظيمات الشيعية العاملة ضمن الساحة المهيئة لها وفق معطيات الواقع الحالي، الذي تسيطر فيه الحركات الشيعية على المشهد السياسي والأمني في العراق .

 

اقرأ أيضا: إخوان العراق..من المعارضة إلى المشاركة في الحكم 1من3

التعليقات (0)