مقابلات

خبير: خصخصة التعليم بمصر وتطويره وجهان لعملة واحدة (مقابلة)

يوجد في مصر أكثر من 20 مليون طالب معظمهم يدرسون في مدارس حكومية- جيتي
يوجد في مصر أكثر من 20 مليون طالب معظمهم يدرسون في مدارس حكومية- جيتي

فند مدير ومؤسس مركز الحق في التعليم (منظمة حقوقية غير حكومية) بمصر عبد الحفيظ طايل، النظام التعليمي الجديد، الذي سعت الحكومة المصرية إلى تطبيقه بداية من العام الجاري على جميع المراحل الدراسية.

واشتكى أولياء الأمور والطلاب والمعلمين من فرض النظام الجديد دون وجود أدوات تعليمية حقيقية، أو وسائل فعالة، أو دراسة وافية لتطوير المنظومة التعليمية التي تمر بحالة من التخبط، وعدم الوضوح؛ نتيجة قرارات الوزارة الأحادية.

ويوجد في مصر 20.6 مليون طالب، قبل المرحلة الجامعية، 90% يدرسون في مدارس حكومية، و1.16 مليون معلم ومعلمة دون الموظفين الإداريين، موزعون على 52.6 ألف مدرسة، بكثافة تتراوح ما بين 40 إلى 120 طالب في الفصل.

ويستحوذ قطاع التعليم في مصر على نحو 20% من عدد العاملين في الدولة، كأكبر قطاع في الدولة به عدد موظفين،  إلا أن أجورهم متدنية تتراوح بين ألف وألفي جنيه فقط، بموازنة لا تتجاوز 88 مليار جنيه، أي ما يعادل 0.06% من حجم الموزانة العامة للدولة.

وكشف طايل عن وجود تناقض كبير في تصريحات وزير التعليم المصري، طارق شوقي، مردها عدم وجود سياسة واضحة لما تريده الدولة، بالإضافة إلى أن خطة الوزارة للتطوير يشوبها قصور مادي وفكري.

وتاليا نص الحوار:

فئرات تجارب

كيف ترى استعدادات المدارس المصرية لخطة التطوير الجديدة؟

هناك تناقض في كلام الوزير، فقد صرح أن المدارس غير جاهزة للنظام الجديد ونعمل على تجهيزها، ثم قال كلاما آخر بشأن البيروقراطية وأنها سبب تعطيل النظام الجديد، ثم الحديث عن الدروس الخصوصية، والكتب المدرسية والخارجية وتطويرها..الخ.

هل أخطأت الدولة بالمجازفة بطرح مناهج دون دراسة أو حوار مجتمعي بشأنها؟

الفكرة من البداية أن أي وزارة تريد عمل تعديلات جذرية في مناهجها كوزارة التعليم عمل حوار مجتمعي موسع على مستوى المعنيين بالأمر من التربويين والمعلمين وأولياء الأمور الذين سوف ينفذون النظام الجديد، وهذا لم يحدث.

كيف ترى التدريبات التي تلقاها المعلمون على المناهج الجديدة؟

التدريبات التي كانت تُعطى للمعلمين على النظام الجديد كانت تحدث بشكل ورقي أكثر منها تدريبات حقيقية، بمعنى كان يتم اختيار ثلاثة مدرسين من كل مدرسة لتدريبهم ونقل تجربتهم لباقي المدرسة، في الحقيقة هذه النقلة لم تكن تحدث، ولم يحصلوا على التدريبات بشكل كاف.

وتقول الوزارة إنه مع الوقت سوف يفهم الناس النظام الدراسي، المحصلة النهائية أن الطلاب يحولون إلى فئران تجارب، فإذا نجحت التجربة سيستكمل البرنامج، وإذا فشلت سيتم وقفه أو استبداله، وهكذا دواليك.

خصخصة التعليم

كيف تفسر تناقضات الوزير عدم وجود ميزانية لتطوير الخطة الجديدة.. والعمل على تطوير التعليم؟

الأفكار التي لدى وزارة التعليم هي تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التعليم، حتى تخفف الضغط على ميزانية الحكومة، لكن تقرير التنمية البشرية في 2017 قال إن خصصة التعليم أو مشاركة القطاع الخاص به لم ينتج أي تحسينات في التعليم على مستوى العالم بل بالعكس رسخ أكثر بين التميز الطلاب الفقراء والأغنياء .

هل الدولة ماضية في التوسع في المدارس الخاصة؟

هناك شيء آخر جديد تقوم به الدولة، هو صندوق مخرجات التعليم، وهو يشكل جريمة؛ فالمشروع قائم على تمويل التعليم الخاص عبر تبرعات من الحكومة ومن رجال الأعمال أو المؤسسات الأخرى كالمجتمع المدني، ولكن جزءا رئيسا منه تكون فيه السندات الحكومية أو التمويل الحكومي أي سيتم أخذ فلوس الناس للإنفاق على التعليم الخاص، والمفترض أن العكس هو الذي يحدث، وهو دعم التعليم الحكومي وليس الخاص.

ما هو أكبر عائق أمام تطوير التعليم في مصر؟

الوزارة تعترف على موقعها أن أكبر عائق على تطوير التعليم هو عدم وجود عدد كاف من المدارس، وهو ما أدى إلى رفع الكثافة إلى 120 طالبا بالفصل، وبعض الحالات تصل إلى أكثر من ذلك.

الوزارة كانت تتحجج بأن الحكومة لا تستطيع بناء مدارس؛ لأنه ليس هناك أراض في الأماكن المكتظة بالسكان، لكن الحل الذي طرحته على موقعها لحل مشكلة مساحة التعليم هو أنها ستوفر أراضي للقطاع الخاض لبناء المدارس! فعلى أي أساس تقول أن ليس لديها أراض للمدارس الحكومية ثم توفرها للمدارس الخاصة.

أصل الحكاية

ما هي حكاية برنامج التعليم لتطوير المناهج، وأصلها؟

كل الأفكار التي يطرحها الدكتور طارق شوقي منذ أول التقويم التراكمي والتابلت وصولا إلى التعليم الخاص، هي كلام منقول نصا من كلام الحزب الوطني (مبارك) عام 2005 ببعض التعديلات فهذه أفكار مستنسخة وليست جديدة لن تضيف جديدا.

هل هناك اتجاه في الدولة لتعليم الصفوة في المجتمع دون الالتزام بقاعدة التعليم المجاني؟

هذ هو الخطاب الرائج والذي يروج له وزير التعليم نفسه، أن الذي يريد أن يتعلم عليه أن يدفع، والمقصود بتعليم الصفوة ليس النبهاء والأذكياء فليس لدينا تعليم أو نظام منصف أو عادل وديمقراطي وشامل، بمعنى أن الطريقة الوحيدة لترقي الطلبة هي كفاؤتهم الشخصية وقدراتهم وليست القدرة المالية أو الوسائط.

حقيقة وعود الوزير

الوزير كان قد وعد بأمرين أولهما القضاء على الدروس الخصوصية.. هل يمكن تحقيقه؟

الكلام سهل ، وكل ما هناك هو استصدار تشريع من البرلمان بتجريم الدروس الخصوصية، وفي الحقيقة طالبنا نحن بذلك عندما كانت نقابة المعلمين المستقلة نقابة موجودة ونشطة (تم حلها) بشرط أن المدرس يحصل على أجر يوفر له حياة كريمة، ولكن لا يجوز أن تتركه بدون أجر، وتستصدر تشريعا لتجريم الوسائل التي يحسن بها دخوله.

التشريع لا يخلق واقعا جديدا؛ التشريع يأتي لتنظيم الواقع وينجح طالما أنه عادل، والحقيقة هي أن خطة الوزارة في الدروس هي نقل مراكز الدروس الخصوصية إلى داخل المدارس؛ بمعنى أن الوزارة تقتسم الربح الناتج من مراكز الدروس الخصوصية مع المدرسين، كما تم فعلها مع المجموعات المدرسية، هذا مدخل لاسترداد تكلفة التعليم.

الوعد الآخر للوزير القضاء على الكتب الخارجية.هل يمكن تطبيقه في ظل الشكل الحالي للكتاب المدرسي ؟

 

هذا مستحيل؛ لأن الطريقة الوحيدة هو أن يكون لديك كتاب مدرسي تنافسي في الجودة، ويلبي احتياجات الطالب فعلا. مشكلة الكتب المدرسية أنها تحتوي على معلومات مجتزأة من سياقها فتكون غير مفهومة للطالب، أما الكتب الخارجي فتوفر للطالب تدريبات على تلك المعلومات المجتزأة من أجل الامتحانات.

أين الحل

رؤيتكم للمنظومة التعليمية كيف يمكن أن تتحسن ومن أين تبدأ ؟

هناك مساران، قصير وطويل، الأول يقوم على ضرورة مناقشة رؤية للتعليم، ماذا نريد من التعليم؟ فهو حق للفرد واحتياج تنموي للمجتمع والدولة ووظيفتها أن تكفل الحق للأفراد حتى تحقق التنمية في المجتمع.

المسار الثاني، هو الأبعد وهو الذي يحتاج إلى أموال؛ فتعديل الكتاب المدرسي وتجويد المعلومات به لن يكلف كثيرا، فحديث الوزير عن دفع مليارات لتطوير المناهج هو كلام غير دقيق.

هناك أشياء أخرى لا تتحقق إلا بتوفير ميزانية لائقة بالتعليم مثل بناء المدارس، وزيادة عدد الفصول، ورفع أجور المعلمين.

وهل يمكن تحقيقها في ظل الادعاء بعدم وجود ميزانية؟

القول بعدم وجود ميزانية، وهو غير حقيقي، المشكلة أن أولويات الإنفاق مختلفة عند الدولة. علينا أن نبدأ بالأشياء غير المكلفة، بتحويل التعليم في المدارس إلى تعليم ممتع، ووضع خطة للتغلب على كثافات الفصول، وزيادة مرتبات المدرسين، وتغيير شكل اليوم الدراسي، وسيتحسن التعليم تدريجيا.

تجربة جنوب أفريقيا على سبيل المثال، المدرس عند بدء العمل يتقاضى ما يوزاي 750 دولارا وهو مرتب كاف جدا، والمدرس يعمل من الثامنة صباحا حتى الخامسة مساء، وبعد انتهاء اليوم الدراسي يقوم بتخصيص وقت للطلاب المتعثرين بمنهج مختلف وبالتالي نجحوا في تطوير التعليم.

التعليقات (0)