قضايا وآراء

أحمق في "سفينة الحمقى"

رائد أبو بدوية
1300x600
1300x600
يصر البعض على العودة بنا لعصر أثينا الكلاسيكي؛ عصر سفينة أفلاطون.. (427ق.م - 347 ق.م)، "سفينة الحمقى" التي ادعاها في كتابه "الجمهورية"، ناسيا أو متناسيا أننا في عام 2018م. فسفينة أفلاطون التي غرقت بسبب ركاب حمقى رغم وجود قبطانها "الخبير". هكذا برر أفلاطون نقده ديمقراطية أثينا القديمة.. قلت، يصر البعض بخياله الواسع العودة بنفسه وبنا للركوب في هذه السفينة. واحتراما منا لحرية اختياره لنفسه، فإننا لا نصر عليه إلا أن يركب وحده فيها دون أن يدفعنا للركوب.

وافق البعض - كما أفلاطون - أن الشعب لا يستطيع أن يحكم نفسه بنفسه، بحجة أن هذا الشعب (كما يقول البعض) "جاهل ومريض وجائع وفاسد ومتزمت وعنيف؛ فلا يجوز أن يعطى سلطة التشريع"، وعليه يرى هذا البعض - كما أفلاطون - ضرورة أن تحكم هذا الشعبَ نخبُه.

وعليه، ارتأينا، وبناء على طلب البعض الآخر، تسجيل التالية:

1- إن سلمنا جدلا بضرورة "حكم النخبة"، فقد احتكرت لنفسك قرار تحديد من هي هذه "النخب أو النخبة" المراد تسليمها الحكم، وأعطيت لنفسك حقا منفردا دون أبناء هذا الشعب - أو غالبيتهم على أقل تقدير - لتحديد من هي هذه النخب، وما هي مواصفاتها. إن قرارا جماعيا للشعب عبر أصواته باختيار هذه النخب الممثلة للمصلحة العامة لا شك أنه أفضل مليون مرة - أو بعدد الناخبين - من قرار فردي أو حصري لمجموعة ما تمثل مصالحا ما.

2- إن سلمنا جدلا - ونحن من الذين لا يسلم - أن هذا الشعب أو الشعوب التي تدعي "جهلها وفسادها وجوعها وعنفها ومرضها وتزمتها"؛ ما عانت من ذلك لولا مفاهيم الاستبداد وحكم النخب - التي تدعيها - والتي جوعتها وأفسدتها وأعيتها وعنفتها وجهلتها. والشيء الأكيد أن هذه الشعوب لم تذق أي نظام يمقراطي يسمح لها بأن تتذوق لذة العيش أو الحرية. وما أزيده تأكيدا، أن نظاما استبداديا (عبر النخب التي تدعيها أو غيرها) لن يكون قادرا، لا بل لن يكون راغبا برفع الجهل والجوع والمرض والعنف، وغيرها من مخرجات هذا النظام.

3- نسلم أن للنظام الديمقراطي عيوبا، لكنه الأجدر بعلاجها دون الصعود إلى سفينتك، وهو الأجدر بتحرير الشعوب من جوعها ومرضها والنهوض بها دون سفينتك. ولا شك أنه الأجدر باختيار النخب التي همشت واستثنيت.

اعلم عزيزي أن النظام الاستبدادي غالبا - وبغياب النظام الديمقراطي - ما يفرز أصواتا تسارع للصعود إلى "سفينة الحمقى"، وتدعو الآخرين للصعود إليها تحت حكم ما يسمى بـ"النخبة"، لكن الله "غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون".

وأخيرا، فإن هذا الشعب أو الشعوب التي مورس التجهيل في حقها وأعيتها لقمة العيش. وطالما أنها ما زالت تؤمن بالعزة والكرامة والحرية، وترسمها بأرواح أبنائها، ستظل عظيمة وستهتز أقلام كتابة التاريخ حين المرور على ذكرها.
التعليقات (0)