هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
منذ مجيء ترامب للحكم عام 2017مـ، توالت
المواقف الأمريكية المنحازة بالكامل للرؤية الإسرائيلية المتعلقة بالصراع في الشرق
الأوسط؛ فابتداءً بالاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي (7\2017)، ثم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس (5\2018)، مرورًا بتقليص المساعدات
الأمريكية السنوية لوكالة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين- الأونروا (8\2018)،
و إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن (9\2018)، وانتهاء بإعلان
الخارجية الأمريكية التوقف عن اعتبار المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي
الفلسطينية غير قانونية (11\2019).
كلها مواقف سياسية استباقية قادرة على فرض مزيد
من الوقائع على الأرض و قادرة أيضاً على قتل أية فرصة لحل الدولتين الذي تبناه
المجتمع الدولي عموماً و يدعمه الأوروبيون خصوصاً. لا بل إن هذه المواقف و
الممارسات السياسية الإسرائيلية و الأمريكية على الأرض تشكل تنفيذاً للرؤية
الأمريكية-الإسرائيلية حول تصفية القضية الفلسطينية.
ليس هناك الكثير أمام الاتحاد الأوروبي لمواجهة
تغريدات ومواقف ترامب الرعناء سواءً ما تعلق منها بأوروبا أو العالم أو الشرق
الأوسط و صراعه. فها هو وزير خارجية لوكسمبورغ جان أسيلبورن يحثّ جميع الدول
الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على الاعتراف بفلسطين (12\2019)، و ذلك رداً على
سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بشأن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، و لا يتوقع
أن تؤتي هذه الدعوة ثمارها في كثير من دول أوروبا.
و في محاولة منها للتأكيد على عدم شرعية
المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية؛ ها هي محكمة العدل الأوروبية تأمر
بضرورة وضع علامات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية (11\2019). هي محاولات
أوروبية قانونية و سياسية لا ترتقي لمستوى الفاعل المؤثر في مجريات الصراع في
الشرق الأوسط، ولا القادر على الحد من آثار سياسة ترامب المنحازة لإسرائيل.
في ظل هذا العجز السياسي الدولي، تطل علينا
المدعية العامة في محكمة الجنايات الدولية بقرار فتح تحقيق حول جرائم الحرب التي ارتكبها
الإسرائيليون بحق الفلسطينيين (12\2019)، و هو الأمر الذي طالما خشي منه
الإسرائيليون؛ فهذا القرار يفتح الباب على إمكانية محاكمة الكثير من القادة
السياسيين و العسكريين الإسرائيليين التي ارتبطت أسماؤهم بالكثير من الجرائم بحق
الشعب الفلسطيني.
ساذج من يتوقع خضوعاً أو تراجعاً إسرائيلياً –
في زمن ترامب خاصة - أمام هذه المناكفات القانونية الدولية؛ بل على العكس تماما،
ستحاول أمريكا و إسرائيل استخدام جميع الوسائل السياسية المتاحة للحد من آثار هذه
الإجراءات القانونية بل و إيقافها أو إبطال مفاعيلها، و ستكون أولى ردود الفعل
الإسرائيلية ضغوطاً سياسية و اقتصادية متطرفة موجهة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية.
إن الأدوات القانونية الدولية -رغم أهميتها-
إلا أنها لن تكون قادرة –بمفردها- على وقف تنفيذ الخطة الإسرائيلية–الأمريكية بضم
المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية دون سكانها، و لن تكون قادرة بمنع فصل الضفة
عن غزة، ولن تكون قادرة على إنهاء الاحتلال و منح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير
مصيره.
و ساذج ساذج من يعتقد أن المجتمع الدولي – في
ظل تحالف أمريكي–إسرائيلي سيكون قادراً في هذا الصراع على منح الشعب الفلسطيني
حريته. و ساذج ساذج من يعتقد أنَ البيت الفلسطيني سيكون قادراً - باستمرار انقسامه
- على مواجهة الرؤية الإسرائيلية –الأمريكية لتصفية الصراع.
إن أكثر ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو أن يعرف
قدر وحدته و أن يحك جلده بيديه قبل أيدي الآخرين..
ما حك جلدك مثل ظفرك... فتول أنت جميع أمرك
و إذا قصدت لحاجة... فاقصد لمعترف بقدرك
د. رائد أبو بدوية
أستاذ القانون الدولي و العلاقات الدولية