قضايا وآراء

لماذا غاب ابن سلمان عن الأمم المتحدة واكتفى بزيارة الكويت؟

حمزة زوبع
1300x600
1300x600
يحرص الرؤساء والملوك من كافة بقاع الأرض على المشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تعقد سنويا في مقرها بنيويورك. بعضهم يفعل ذلك من باب استثمار منصة الأمم المتحدة لعرض قضايا بلاده، والأغلبية من باب تسجيل الحضور وأخذ الصور ولقطات الفيديو للتسويق المحلي، خصوصا إذا كان سجل أدائه لا يسعفه في الترويج لنفسه داخل بلاده. فعادة ما يُنصح بالتوجه إلى المنتديات العالمية، حيث سيلتقي معظم قادة العالم ولو على طاولة الغداء.

السيسي من بين هؤلاء الذين يحرصون على السفر سنويا من أجل تجديد روابط الصلة والثقة بينه وبين دوائر اللوبي الصهيوني في أمريكا، وعلى رأسها المنظمات اليهودية والصهيونية والمسيحية المتصهينة، وهو يفعل ذلك بكامل إرادته وعن وعي، ثم يقوم بتصدير الصورة للداخل على أنها تأكيد على قوة ونفوذ إدارة السيسي وحسن علاقاته مع الأمريكان.

فعلها على مدار خمس زيارات كانت النتيجة صفرا كبيرا، إذ أن الرئيس الأمريكي ترامب لم ير فيه سوى أنه مجرد قاتل لشعبه. ورغم ذلك، اصطحب السيسي جوقته وذهب مبتسما للقاء الرجل الذي نعته بالقاتل اللعوب، وعرف العالم كله بذلك، ولكن السيسي وهو يعرف أنه قاتل لم يأبه بسب ترامب له، فكل ما يريده البقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، وهو يعتقد أن زيارة أمريكا فرصة لا تعوض لكي يأخذ موافقة ترامب بتعديل الدستور المصري؛ للسماح له بالبقاء لفترة أو فترات أخرى الله اعلم بها.

الملاحظ أن كلا من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد لم يحضرا الاجتماع السنوي للأمم المتحدة، على الرغم من أهمية هذا الحشد العالمي السنوي، وعلى الرغم من حاجة ابن سلمان للقاء الرئيس الأمريكي ترامب، خصوصا في ظل ما يعانيه ابن سلمان من مآزق ومعضلات سياسية داخل بلاده، إذ لم يسند إليه الحكم رسميا حتى تاريخه. وعلى المستوى الخارجي، فإن مستنقع غزو اليمن يشكل ورطة حقيقية لا يستطيع الأمير الشاب حل لغزها وحده، وهو بحاجة إلى دعم أمريكي في كلا الملفين الداخلي والخارجي، فلماذا لم يسافر ابن سلمان إلى نيويورك؟

في ظني أن تصريحات ترامب قبل أشهر، والتي جاء فيها أنه قال لرئيس دولة خليجية عبر الهاتف "إن بلدكم لا يمكنها البقاء بدوننا أسبوعا واحدا"، كانت إيذانا بحديث جدي من قبل ترامب لكافة دول مجلس التعاون الخليجي، ورسالة مفادها "إما الدفع وإما العزل ". وللحقيقة، ورغم كثرة التكهنات حول اسم هذه الدولة وقتئذ، إلا أن حديث ترامب نفسه مساء السبت الماضي عن مكالمة أجراها مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والتي أوضح فيها بجلاء طلباته من السعودية تحديدا، هذه المكالمة كشفت أسرارا كثيرة عن طبيعة العلاقة بين آل ترامب وآل سعود، وهي علاقة من طرف واحد، علاقة أوامر لا شراكة، تبعية لا تعاون، أوامر وتعليمات لا حوارات ونقاشات.

لو تابعت ما قاله ترامب يوم السبت الماضي، وهو مسجل صوت وصورة ومذاع على الهواء، أي أنه ليس حديث غرف مغلقة تم تسريبه، ولا مكالمات خاصة أزيح عن بعض مضامينها النقاب، بل إنه حديث الأمر والنهي على الهواء.. ستدرك عزيزي القارئ أن ترامب قد انتقل من مرحلة الحوارات المغلقة إلى مرحلة التسريبات، ثم أخيرا إلى مرحلة التعليمات والأوامر، دون أي اعتبار للتقاليد والأعراف الدبلوماسية المعمول بها في علاقات الدول بعضها البعض، وفي علاقات أمريكا مع السلطات في عالمنا العربي.

هذه النقلة النوعية تنفي، وبصراحة شديدة، أي ندية في العلاقات، وتمحو أي أثر للاستقلالية، بل تؤكد التبعية المطلقة، لماذا؟

1- لم تقم السعودية باتخاذ أي إجراء ضد ترامب، مثل سحب السفير أو استدعاء السفير السعودي من أمريكا أو التهديد بقطع العلاقات ووقف شراء السلاح.

2- لم يرد مسؤول سعودي رفيع أو سمين على تصريحات ترامب، والأصل أن يكون الرد من الملك سلمان مباشرة أو محمد بن سلمان، ولا حتى عادل الجبير الذي تنمر من فوق منصة الأمم المتحدة على دولة قطر واتهمها بالإرهاب، بينما ترامب يجهز قائمة طلباته من السعودية، ومن بينها تعويضات عن حوادث إرهابية قام بها سعوديون من قبل.

3- ربما علم حكام السعودية بنية ترامب، لذا لم يحضر لا الملك، شفاه الله وعافاه، ولا محمد بن سلمان، اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تحاشيا لمقابلة ترامب، والذي خشي أن تكون محرجة وعلى الهواء، كيوم زيارته للبيت الأبيض، حين فاجأه ترامب بلوحات بيع السلاح، وهو يتمنى (أي ابن سلمان) أن لو انشقت الأرض وبلعته، ولم يعش مثل هذه اللحظة المخجلة، والتي تظهره ودولته على أنهما مجرد زبائن عند تاجر السلاح.

4- لم ولن تظهر المملكة أي إشارة على الوقوف في وجه مطالب ترامب، كما لم يظهر ترامب أي نية لتخفيف حدة مطالبه العلنية من حكام السعودية، والتي لا تقل بحال عن 5 أو 7 تريليونات دولار أمريكي.

غاب ابن سلمان عن نيويورك، وتوجه صوب دولة الكويت لزيارة قصيرة؛ على ما يبدو أنها كانت لاستلام وتسليم رسائل متبادلة، الأولى من محمد بن سلمان إلى أمير الكويت لكي يتدخل عند ترامب لوقف إهانته له ولأبيه في موضوع التعويضات الهائلة التي لا قبل للدولة بها، خصوصا وأن ابن سلمان لم يحسم أمر السلطة لصالحه حتى تاريخه. أما الرسالة الأخرى فهي من أمير الكويت إلى ابن سلمان عن أهمية خروج المملكة من عباءة الإمارات، والتفكير في حل أزمات الخليج والقبول بمبادرة أمير الكويت لحل النزاع بين السعودية وقطر؛ لأن هذا على ما يبدو هو توصيف الكويت للأزمة؛ لأنها تنظر إلى الدور الإماراتي على أنه دور تخريبي، كما تنظر إلى دور البحرين ومصر على أنه دور نفعي من الطراز الأول...

ابن سلمان يعاني وسيظل يعاني لفترة طويلة...
التعليقات (0)