كتاب عربي 21

ما معنى "إعلان القطيعة" بين السبسي والنهضة؟

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
بشكل أحادي وعلى شاشة التلفزيون، أعلن الرئيس السبسي القطيعة السياسية بينه وبين رئيس حركة النهضة وحزبه؛ بعد سنوات من "التوافق" كانت نسق انتظام الحياة السياسية في تونس. حركة النهضة أجابت رسميا عبر "بلاغ" لإحدى مؤسساتها الإدارية "مكتب الإعلام والاتصال"، وليس عبر مكتبها التنفيذي. بقي الشيخ صامتا؛ تكلم (على الأرجح نيابة عنه) صهره والمكلف بالعلاقات الخارجية في الحركة رفيق عبد السلام، كأن السبسي أصبح محالا على قسم الأجانب، لينفي "نهاية التوافق". غير أن كل المؤشرات العملية تحيل على صحة كلام السبسي، فقط يبدو كأن النهضة غير مرتاحة لإعلان القطيعة، وهي لم تتم بعد "التوافق" الجديد.

إذ إن قطيعة مع رئيس ضعيف بلا دعم حزبي برلماني، أو دعم دولي وإقليمي يتحول إلى رئيس حكومته يوسف الشاهد بخطى متسارعة، لن يتجاوز تأثيره الفعلي إعلان قطيعة في فيسبوك بين صديق وصديقته؛ الخاسر فيها السبسي لا غير. أما النهضة، فبصدد تجديد شريكها في "التوافق". في المقابل، نرى مجددا إن قرطاج على الرغم من جاذبيتها وسحرها ليست إلا فخا. في النهاية، من يملك البرلمان هو الذي يملك مفاتيح اللعبة. درس متجدد: من ينصحك بالرئاسية فهو ينصحك بحتفك، ونصيحة النهضة للشاهد بعدم الترشح للرئاسية؛ هي وصفة لإنقاذه والحفاظ على ديمومته السياسية.

ومثلما أشرت سابقا، أيضا حسب مقال في" لوموند" الفرنسية تضمن تصريحات لمصادر مطلعة من المقربين جدا من الشاهد، فإن رئيس الحكومة تعلم الدرس.. هو يراهن على القصبة (حيث صلاحيات السلطة) وليس قرطاج (حيث بهرجها، لكن حيث الفراغ أيضا)، وعلى الخط الديمقراطي الاجتماعي أن تكون له ذات الرؤية والهدف، وتجنب التيه في الضاحية الشمالية.

يقول التقرير الفرنسي: "على مدى الأشهر، أصبح من الواضح للمراقبين أن السيد الشاهد لديه الآن أعلى الطموحات. هل يفكر في الترشح للرئاسة في عام 2019؟ ووفقاً للمقربين منه، فقد أخذ في الواقع كامل السلطة المخولة له من خلال وظيفته كرئيس للحكومة بموجب دستور عام 2014، حيث البرلمان هو ركن الزاوية في النظام السياسي، وفي بعض الأحيان ضد رغبات الرئيس السبسي؛ يفرض التعيينات ويفصل الوزراء".

ويضيف: "لذلك، فإن السيناريو يكتسب مصداقية: بدلاً من استهداف الرئاسة، سيسعى السيد الشاهد للبقاء على رأس الحكومة - أو العودة إذا كان سيتم رفضها في الوقت الحالي - في نهاية الاستحقاق التشريعي لعام 2019، والذي يمكن أن يكرس تشكيلة برلمانية جديدة: البقاء في القصبة يحكم حقاً وفي الاثناء يمكن صناعة الملك في قرطاج.. يشير أحد أعضاء حاشيته".

عليّ أن اعترف بأن الباجي قائد السبسي شخص ذكي، أو الأدق خبيث، لكن شرب السم لسببين: حلم النوم في قرطاج، وزوجته راعية ابنه عديم المواهب؛ وأحد اهم أسباب أزمات حزب النداء (زوجته شاذلية حسب المصادر تشرف على أدق تفاصيل حياته حتى على دواء الرجل). فأحيانا مسائل تبدو بسيطة يمكن أن تحسم التاريخ. أتذكر أول لقاء مباشر لي معه في حوار مهدي جمعة الاقتصادي سنة 2014 شاءت الصدف أن نكون متقابلين، هو يمثل النداء وأنا أمثّل حزب المؤتمر، دون أن نتصافح.. بقي يحدق طويلا وأنا فعلت ذات الشيء. سيبقى خصما دائما، لكن نهاية من هذا النوع لا تليق به.

لكن هل يمكن أن نسمي أيا منها السبسي أو الشاهد منتصرا؟

هذا الأسبوع؛ خبر رئيسي في عدد من البورصات، وهو تأثير زيادة أسعار النفط بسبب الحصار الأمريكي على إيران، وأصبح في أكثر من 72 دولارا حسب "US crude". هذا تأكيد لتوقعات سابقة بأن المعدل سيكون هذه السنة 73 دولارا، وعام 2019 سيصل معدل البرميل 74 دولارا. وهذا له تأثير مباشر على الوضع في تونس، إذ إن ميزانية 2018 تم حسابها على أساس أن سعر البرميل سيكون في حدود 54 دولارا... ومن المعروف أن كل زيادة بدولار واحد في سعر برميل النفط تنعكس على الميزانية بزيادة لا تقل عن 120 مليون دينار تونسي (أي نحو 47 مليون دولار).. هذا دون حساب تراجع سعر صرف الدينار نفسه أمام الدولار.

الآن، من الناحية الاستراتيجية، التوقعات الأطول مدى تتحدث عن وصول سعر البرميل إلى 200 دولار في عشرينيات هذا القرن.. نحن إزاء تهديد استراتيجي حقيقي يماثل تهديد نقص المياه.

في المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية وضعنا بين سنتي 2012 و2014 أولوية رئيسية، وهي موضوع الطاقات المتجددة وتقدمنا في اقتراح تصور عام يخص الاستثمار والبحث. الآن لدينا قانون للطاقات المتجددة، وليس واضحا نسق الإسراع في الاستثمار والإنتاج، وكم ستكون التغطية بحلول سنة 2025، وليس واضحا أيضا أفق الإدماج الصناعي في القطاع.

هذا موضوع يتجاوز التحزب والصراع اليومي بين الشاهد والسبسي؛ يتعلق بمسألة مصيرية سيصطدم بها أي طرف سيتحمل مسؤولية السلطة. من هذه الزاوية، نهاية التوافق تفصيل صغير، والسلطة في ذاتها بقصبتها وقرطاجها لن تكون غنيمة، بل فخا وزدمرة حارقة لمن يسعى لامتلاكها.
التعليقات (0)