هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "لوب لوغ" مقالا للأكاديمي وعميل وكالة الاستخبارات المركزية السابق بول بيلر، يتحدث فيه عن الحرب الأهلية في اليمن، والدور الأمريكي فيها.
ويقول الكاتب إن "الحرب في اليمن كانت لفترة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الحالية التي صنعها الإنسان، والآن صدر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تقرير يظهر أنه بعد التحقيق المكثف من مجموعة من الخبراء، الذين درسوا السنوات الأربع الماضية من الحرب، ووثقوا ليس فقط المعاناة البشرية نتيجة جانبية للحرب، لكن أيضا ارتكاب جرائم الحرب، أن أكثر الاعتداءات تدميرا كانت تلك التي ارتكبها المتدخلان الخارجيان الرئيسيان، السعودية والإمارات، بالإضافة إلى الحكومة الشكلية في اليمن التي يدعمانها".
ويشير بيلر في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الاستنتاج الرئيسي في التقرير هو: أصبح لدى مجموعة الخبراء أرضية معقولة للاعتقاد بأن حكومات كل من اليمن والإمارات العربية المتحدة والسعودية مسؤولة عن انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحرمان، غير القانوني، من الحق في الحياة، والسجن التعسفي، والاغتصاب، والتعذيب، وسوء المعاملة، والاختفاء القسري، وتجنيد الأطفال، وانتهاكات خطيرة لحرية التعبير والحقوق الاقتصادية والحقوق الاجتماعية والحقوق الثقافية، وبالذات الحق في مستوى معقول من المعيشة وحق الصحة.
ويلفت الباحث إلى أن أكثر عناصر الحرب تدميرا كان القصف العشوائي من الطائرات السعودية والإماراتية، ويقول التقرير في هذا الخصوص: "تسببت غارات التحالف الجوية بأكثر الإصابات المدنية الموثقة، وعلى مدى الثلاث سنوات الماضية أصابت هذه الغارات مناطق سكنية، وأسواقا، وبيوت عزاء، وأعراسا، ومراكز اعتقال، وقوارب مدنية، وحتى مرافق طبية"، ثم يورد التقرير تفاصيل داعمة لهذه الرواية، فأصبحت الغارة على حافلة المدرسة، ومقتل عشرات الأطفال، واحدة من الجرائم الجوية التي ارتكبت مؤخرا.
التورط الأمريكي
ويفيد بيلر بأن "الولايات المتحدة متورطة في الدمار الذي تحدثه الغارات، فالمساعدات العسكرية التي تقدمها أمريكا للطيران السعودي والإماراتي، تشمل التزويد بالوقود في الجو، ومعلومات حول الأهداف، ومبيع كميات من الأسلحة، فأمريكا هي من وفرت القنبلة التي دمرت حافلة المدرسة".
وينوه الكاتب إلى أن "نفي إدارة ترامب للمسؤولية، مثل قول وزير الدفاع جيمس ماتيس بأن المساعدات الأمريكية (ليست دون قيود)، وبأنها تتطلب من التحالف الذي تقوده السعودية، "أن يفعل كل ما هو ممكن إنسانيا لتجنب الخسائر في الأرواح"، لا يتماشى مع الأدلة على كيفية خوض هذه الحرب، لكن الأدلة تتماشى أكثر مع وصف أرون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولسكي لما سمياه (احتضان) دونالد ترامب لـ(السياسات الخطيرة وغير المسؤولة) للسعودية".
ويذكر بيلر أن "تقرير الأمم المتحدة يشير إلى أن التجاوزات مورست من أطراف الحرب في اليمن كلها، وتتضمن تجاوزات الحوثيين، وتجنيد الأطفال. ولكن من حيث حجم المعاناة الإنسانية، بما في ذلك المعاناة الناجمة عن انتهاك القانون الدولي للحرب، فإن المسؤولية تقع أكثر على الجانب السعودي الإماراتي، وذلك هو الجانب أيضا الذي يجب أن تكون اعتداءاته ذات أهمية كبيرة لصناع السياسة الأمريكيين وللشعب الأمريكي؛ لأنه الجانب الذي تساعده أمريكا".
ويقول الباحث: "كونها مسألة قيم إنسانية، فإنه لا يمكن الدفاع عن سياسة إدارة ترامب تجاه الحرب في اليمن، بالإضافة إلى أنه لا يمكن الدفاع عنها من ناحية مبادئ قانونية، أو حتى قيم سياسية أوسع، وتحدث ماتيس عن تدخل أمريكا في الحرب في اليمن بعد (إعادة الحكومة الشرعية هناك)، ويجب تقدير الشرعية بناء على كيفية وصول الرئيس الظاهري، الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى هذا المنصب، فإنه تسلم هذا المنصب عندما غادر الرئيس علي عبدالله صالح، الذي كان يعد صديقا لأمريكا، وسط تظاهرات وفوضى في الشارع، كما أن هادي مدين في منصبه لدعم مجلس التعاون الخليجي، وانتخب عام 2012 رئيسا في انتخابات كان هو المرشح الوحيد فيها، وبقي في منصبه بعد مرور الفترة المحددة بعامين، وفر إلى السعودية بعد أن احتل الحوثيون العاصمة صنعاء، وعاد إلى الأراضي اليمنية بعدما تدخل التحالف في اليمن ليجعل ذلك ممكنا، ويبقى اليوم تحت وصاية وحراسة السعودية".
ويضيف بيلر: "تجب الملاحظة بأن دعم الحكومات (الشرعية)، لم يكن هو السمة المميزة لسياسات إدارة ترامب في الشرق الأوسط. وليس واضحا بالتأكيد في دعم قوى المعارضة لنظام الأسد في سوريا، وجهود زعزعة الاستقرار بهدف تغيير النظام هناك وفي أماكن أخرى".
ويرى الكاتب أن "سياسات الإدارة تجاه الحرب في اليمن لا تتماشى مع منظور واقعي للمصالح الأمريكية في المنطقة، وليست لأمريكا مصلحة في نتيجة الحرب الأهلية في اليمن، والثورة الحوثية تعود جذورها لقضايا محلية تتعلق بما يعده الحوثيون إهمالا من الحكومة المركزية للمصالح القبلية في شمال البلاد، بالإضافة إلى أن الحوثيين لا يشكلون سوى تهديد طفيف لأي جهة أخرى في المنطقة، ومع أن إدارة ترامب والسعودية عملتا ضجة كبيرة حول صواريخ الحوثيين التي تم إطلاقها ضد السعودية، إلا أن تلك الصواريخ لا تشكل سوى وخزة إبرة مقارنة بالهجمات الجوية من الجانب الآخر، وكانت محاولة للرد، ولم تكن تلك الصواريخ لتطلق لولا أن السعوديين والإماراتيين أطلقوا حملتهم المدمرة".
ويذهب بيلر إلى أن "إيقاف المساعدات العسكرية الأمريكية للسعودية والإمارات كفيل بتشجيع السعوديين والإماراتيين للبحث عن سبل الخروج من مستنقع اليمن الذي تورطوا فيه، ودعم تسوية سلمية في اليمن، بدلا من حرب مستمرة".
التركيز على إيران
ويجد الباحث أن "الهواجس لم تكن يوما قاعدة جيدة تبنى عليها السياسات، وهواجس أمريكا تجاه إيران هي التي تحرك السياسة الأمريكية الحالية في اليمن، فإيران قدمت مساعدات للحوثيين، والدافع الملح بالنسبة لأمريكا، وهو ما تبديه إدارة ترامب إلى حد التطرف، هو معارضة أي شخص أو شيء له علاقة بإيران، ودعم أي طرف يعارض إيران".
ويعتقد بيلر أن "هذا الهوس، كغيره، يشوش التصورات ويربك التفكير في أين تكمن التهديدات في الحقيقة، ومع أن الحوثيون يوصفون بالعادة بأنهم وكلاء لإيران، فهم في الواقع ليسوا كذلك، بغض النظر عن مدى فرحهم باستقبال المعونات الإيرانية، وأهم ما قام به الحوثيون خلال هذه الحرب، وهو استيلاؤهم على صنعاء، كان ضد ما نصحتهم به إيران".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "السياسة مع هذه الجذور التعيسة قد يكون مفعولها عكس المرجو، ولا يعد اليمن مسرحا مهما بالنسبة للإيرانيين، لكن مساعداتهم البسيطة للحوثيين كانت طريقة غير مكلفة لاستنزاف السعوديين، وكلما تشتت النظام الذي يقوده ولي العهد السعودي في مغامرته في اليمن زادت دوافع إيران لتشجيع المزيد من الاستنزاف، بالإضافة إلى أن الحرب الاقتصادية التي تشنها الإدارة الأمريكية ضد إيران، التي تهدف إلى زعزعة النظام، هي جزء من الورطة في اليمن، ولذلك تشارك السعودية في الفضيحة الدولية التي تم توثيقها في تقرير الأمم المتحدة، وتعطي إيران دوافع إضافية لتشجيع الاستنزاف".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا