مقالات مختارة

حذار من «أحمق مفيد»!

فيصل القاسم
1300x600
1300x600

«أحمق مفيد» هو مصطلح سياسي ساخر يُطلق على الشخص الذي يتم استخدامه للترويج لقضية أو فكرة ما، ولا يستوعب الغاية الحقيقية منها من قبل المستفيدين الأصليين إلا بعد فوات الأوان. يُنسب هذا المصطلح للزعيم السوفييتي الراحل «فلاديمير لينين» حيث أطلقه على المتعاطفين مع القضية الشيوعية من الدول الأخرى دون أن يدروا خفايا اللعبة.
والسؤال في هذا العصر الذي أصبح فيه اللعب بالعقول أسهل من شرب الماء، بفضل تنوع وسائل الإعلام وبراعتها وقذارتها في التأثير على الشعوب وسوقها في الاتجاه الذي تريد، كم يا ترى عدد الحمقى المفيدين في عالمنا العربي والإسلامي؟ كم من الملايين التي تناصر قضايا، وتتبع مشعوذين وأفاقين ودجالين يستخدمونها لأغراضهم ومصالحهم الخاصة؟ كم عدد الذين يناصرون قضايا وهم يعرفون كل خفايا القضية وأبعادها وأهدافها؟ كم عدد الذين شاركوا في الثورات العربية ولم يفهموا اللعبة إلا متأخرين؟
ألم يشارك الملايين في تلك الثورات عن طيب نية، وظنوا أنهم يناضلون ضد الظلم والطغيان من أجل مجتمعات جديدة قائمة على الحرية والكرامة والعدل والديمقراطية، بينما اكتشفوا بعد فوات الأوان أن كلاب العالم وضباعه استخدموهم كحمقى مفيدين في مشاريع شيطانية تخدم تلك القوى بالدرجة الأولى ولا تخدم أولئك المساكين؟
لا شك أنه قد يكون هناك ظلم كبير في وصف ملايين الناس التي ثارت على الطغاة فيما يسمى بالربيع العربي بالحمقى الجيدين، ولا شك أن هؤلاء، سواء كانوا أناسا عاديين أو مثقفين أو إعلاميين أو سياسيين، ثاروا فعلا من أجل قضايا عادلة مائة بالمائة، وكانوا متأكدين أنهم يؤدون دورا طيبا، لكن العبرة دائما بالنتائج. لقد كان هؤلاء بما فيه بلادهم أهدافا لقوى شيطانية لا علاقة لها مطلقا بتحقيق العدالة ومحاربة الظلم والقضاء على الظالمين، بل استخدمت تلك الجموع كأدوات لتحقيق مشاريعها القذرة، تماماً كما كان الشيوعيون يستخدمون ملايين المتعاطفين مع الشيوعية في أنحاء العالم لخدمة الاتحاد السفياتي ومخططاته الشيطانية، تحت شعارات الحرية والعدالة والمساواة الكاذبة.
إن أول درس يجب أن يتعلمه الناس بكل شرائحهم أن ليس كل القضايا التي تبدو عادلة هي فعلا عادلة، وأن هناك حقا يُراد به باطل. على الجميع أن يستفيدوا من هذه التجارب المريرة للأجيال القادمة، بألا يقعوا فريسة سهلة للدعاية والمتلاعبين بالعقول والمتاجرين بقضايا الشعوب. ولطالما كانت الشعارات الرائعة عنوانا لكوارث قادمة. إن أول طريقة لتجنب الانضمام بشكل أعمى لصف الحمقى المفيدين، ألا تتسرع مطلقا في تبني أي قضية مهما كانت تبدو براقة وعادلة وإنسانية في مظهرها العام. 
إن هذا المصطلح اللينيني الشرير «أحمق مفيد» يجب أن يتم طرحه على نطاق واسع في وسائل الإعلام هذه الأيام لتنوير الشعوب كي تعلم أن القوى الإعلامية والسياسية الشيطانية، قادرة على تجنيد الملايين من البشر تحت هذا المسمى لتحقيق غايات كثيرة عبر هؤلاء الحمقى المفيدين.
ولعل أبرز الحمقى المفيدين هم بلا شك من يسمون بالمجاهدين الذين يظنون أنهم يقاتلون من أجل قضايا سامية في سبيل الله، بينما هم في واقع الأمر مجرد أدوات رخيصة في أيدي أجهزة استخباراتية محلية ودولية، أو بالأحرى هم حمقى مفيدون تحقق بعض الدول من خلالهم مصالح كبرى، بينما هم يظنون أنهم ينفذون شرع الله، والشرع من كل ذلك براء. خدعوهم في أفغانستان ولم يتعلموا الدرس. أطلقوا عليهم لقب «مناضلون من أجل الحرية» عندما كانوا بحاجة لخدماتهم، وعندما انتهوا من استخدامهم، شحنوهم إلى معسكر غوانتنامو، مع ذلك عادوا في صفوف داعش وأخواتها دون أن يتعلموا شيئاً. لكن متى تعلم الحمقى أصلا؟
ومن الحمقى المفيدين الذين تستخدمهم الأنظمة العربية قرابين لمشاريعها القذرة، هم أولئك الذين يصدقون شعارات الوطنية وحب الوطن، بينما يموت الألوف من هؤلاء المغفلين فداء كرسي هذا الطاغية أو ذاك موتة البعير؟
لا شك أن البعض سيتساءل على ضوء الكلام أعلاه: وهل نتوقف عن الثورة على الظلم والطغيان والانتفاض من أجل القضايا العادلة والقيم الإنسانية العليا؛ خوفا من أن نكون حمقى مفيدين في أيدي أناس آخرين؟ الجواب طبعا لا. طوبى لكل من ثار على الطغاة، وسيثور لاحقا. لم يكن العيب مطلقا بالذين ثاروا، بل بتلك القوى الدولية القذرة التي تلاعبت بثورات الشعوب وحولتها وبالا عليها لمصالحها الوسخة الخاصة. لكن هذا لا يعني أن نبرئ الشعوب من خطأ الوقوع في شرك الذين استخدموها كحمقى مفيدين. لقد وقع الجميع شعوبا ونخبا وقيادات في أخطاء قاتلة لا بد أن تستفيد منها الأجيال القادمة. لماذا يا ترى لا تمر المؤامرات إلا على بلادنا وشعوبنا ونخبنا، ولا نكتشفها إلا بعد فوات الأوان؟
يبدو أننا أمام نمط جديد من التجارة والتوظيف الخبيث والماكر لمعاناة وآلام وأحلام الشعوب وطموحاتها. وبدلا من أن يكون عندنا تجارة الأعضاء البشرية الراىجة جدا من قبل مافيات المال، فنحن أمام تجارة مزدهرة جديدة بالمشاعر والأحلام الوطنية للشعوب المنكوبة من قبل تجار السياسة وحيتان اللوبيات الكبار.

 

القدس العربي

3
التعليقات (3)
كاظم
الإثنين، 27-08-2018 11:11 ص
علي محمد أو محمد علي ، ساحاتنا تعج بالآثار الدالة على انتشار الأوبئة من صنف داء ايبولا والكوليرا ، فهل وصل العجز والهوان بك أن لا تحسن سوى سب الظلام ؟
علي محمد
الإثنين، 27-08-2018 12:11 ص
الأقلام العربيه كلها مأجورة مهما علت مراتبهم بالمال يستخدمون أما التطبيل لأنظمه او النباح على انظمه ك العاهرات كلهن يرتمين بالفراش والاسعار تبدأ وفق تدرج الجمال
اينشتاين
السبت، 25-08-2018 02:38 م
لفتة جيدة ، وإن عبرت فإنما تعبر عن التعامل من باب الاستئنافية وسط غياب النخب الفكرية المرجعية على مستوى عالمنا العربي والإسلامي ، الهزيمة الأخطر حينما انهزمنا فكريا ، فلم يعد الإنسان العربي خصوصا والمسلم عموما يفكر سوى في نفسه ، يبيت على رأي وبمجرد أن يفتح عينيه تجده على النقيض مما بات عليه ، فما بالك إذا مرت الشهور والسنوات ، يتساوى عندنا في ذلك المعلم في المدرسة والإمام في المسجد والإعلامي كاتبا أو معلقا أو قارئا للأخبار ، والأستاذ في الجامعة ، والظابط في الثكنة والقاضي في المحكمة والموظف تحت قبة البرلمان ، من دون أن نعرج على السلطة التنفيذية الحاكمة ، بلغ ( الأنا ) حدا من الانتفاخ لا يطاق ، لا وجود للآخر أبدا ، لذلك الأستاذ فيصل فإن اللوم لا نوجهه إلى القوة الليبرالية الرأسمالية الاستعمارية ونعفي أنفسنا شعوبا ، مثقفين وإعلاميين ضمن وعاء الحمقى الذي حددته جغرافيا وتاريخيا ، بل اللوم كل اللوم على الإنسان في حدود عالمنا العربي والإسلامي الذي لم تتمكن نخبنا من تخليصه من القابلية للإستعمار ، ذلك هو سر هواننا وحسرتنا وبكائنا على الأطلال ، لقد كنت أتابع بشغف اهتمامات إعلاميي الجزيرة بمن فيهم السيد فيصل القاسم حفظه الله ، وكيفية التعاطي مع مختلف الملفات ، الغائب الأكبر هو " الفكرة " ، نتناول الملفات من دون فكرة ، فما بالك بما هو أبعد من ذلك ، كل واحد يقف مع نفسه من دون أن يلتفت إلى الآخر ، فبدل أن نكون حدا إيجابيا فاصلا صرنا أدوات لتعميم الفوضى وتعويم كل ما تبقى في ساحة أمة التوحيد ، أمة الشهادة ، من نظام ومنظومة ، لا تنفع الحسرة واللوم ما دام إنسان الفكرة غائبا ، بالأمس القريب تعرى حكام أبو ظبي والرياض ، ولم تقنع شعوبنا ، وتجذر بينها عامل ( الأحمق المفيد ) فلم يتحرك إعلامنا ومنابرنا الثقافية والحقوقية بخصوص التضييق الذي طال أبرياء مصر والرياض إلا بصورة محتشمة ، اقتصر ذلك على بعض الدقائق التي تخصصها قناة الجيرة العملاقة في مواعيدها الإخبارية ، وكأن الذي يحدث لا يعنينا إنما يعني تلك الدوائر الليبرالية الرأسمالية الاستعمارية التي نوجه إليها اللوم على سكوتها وجذبيتها ، ولا تتحرك نخبنا ولا تهتم بحمقاها ضحايا الحرب الفكرية التي تؤطرها الفلسفة المنغلقة ، حينما يعلن ولي عهد الرياض من خلال مندوبه إلى النظام السوري استعداده لإعمار سوريا ومساعدة الرئيس على البقاء ( إلى الأبد ) وكان المسألة لا تعني الحمقى المفيدين ، إنما تعني الغدارة الأمريكية التي ساهمت إلى حد كبير في توسيع دائرة المرض الذي سماه الأستاذ فيصل ( أحمق مفيد ) ، فأين إخوة سوريا من قضيتهم العادلة وتاريخهم وحضارتهم المستهدفة منذ أمد بعيد ؟