هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على مدار 5 سنوات من الانقلاب العسكري الحاكم لمصر، انطلقت مبادرات عدة لأطراف مختلفة؛ سعيا لحل الأزمة بالبلاد، وإطلاق سراح المعتقلين، واستعادة مكتسبات ثورة يناير 2011، إلا أنها جميعا باءت بالفشل، ولم يعط النظام اهتماما لأي منها؛ ما أثار التساؤل حول إمكانية أن تحل المبادرات الأزمة والبدائل والخيارات الأخرى.
والثلاثاء، وبالتزامن مع الذكرى الخامسة لمجزرة "رابعة"، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين، لأول مرة منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، مبادرة للخروج مما اعتبرته "النفق المظلم"، تتضمن عودة الرئيس محمد مرسي على رأس حكومة ائتلافية، وإجراء انتخابات حرة، داعية لتفعيل عقد مجتمعي جديد.
وقبلها بعشرة أيام، أطلق مساعد وزير الخارجية الأسبق، معصوم مرزوق، مبادرة تدعو لاستفتاء شعبي حول النظام العسكري الحاكم، فيما سبق ذلك عشرات المبادرات من شخصيات عامة وتيارات مختلفة لم تتوافق على أي منها المعارضة بكل تياراتها.
مبادرات دولية
وقال النائب السابق بمجلس الشورى، عاطف عواد، إن "قناعتي أن وقت المبادرات انتهي مع مغادرة آشتون مصر، وفشلها بإقناع الأطراف بقبول التهدئة".
المحامي المصري، أضاف لـ"عربي21": "لا أظن أن هناك أملا لقبول أي مبادرة من طرفي الصراع"، مبينا أن "كل منهما لم يغير موقفه أو قناعاته حتى الآن"، متابعا: "ولا أظن أن النظام سيقبل بمبادرة تعيده لمربع الصفر أو قبل 3/ 7، فالثمن الذي دفعه النظام من سمعته كبير، والثمن الذي دفعه الإخوان من الدماء أكبر".
وبين عواد: "ولذا؛ فما زال كل طرف يتمترس خلف موقفه، ويعمل ألف حساب لجمهوره الذي بالغ في شحنه لتأييد موقفه، وأصبح هذا الجمهور يعتبر أي مصالحة من أي نوع خيانة للدماء، دونما تفكير في الأحياء أو المحكومين بالإعدام أو الوضع السياسي والاقتصادي المنهار بالبلاد".
واستدرك بقوله: "للأسف، ليس بيننا نلسون مانديلا ليستطيع الوصول لنقطة اتفاق وتعايش تحقن الدماء وتفرج عن السجناء"، مضيفا: "ولا أجد حلا يلوح بالأفق إلا عبر مبادرات تطرح من أطراف دولية لمحاولة حلحلة الوضع المتأزم"، مبينا أن "الحلول لا تنجح إلا إذا سبقتها قراءة جيدة للواقع، ووضعت المصلحة العامة بمقدمة الأولويات وقبل كل طرف ببعض التنازلات".
العودة للشعب
ويرى الناشط السياسي محمد نبيل، أن "المبادرات المطروحة في الوضع الحالي تفتقد للواقعية"، مبينا أن"المشكلة ليست ببنود المبادرات نفسها، لكن قوى المعارضة تواجه نظاما متمكنا ومستقرا ومدعوما من الخارج على المستوى السياسي مقابل خدمة مصالحهم".
نبيل، أضاف لـ"عربي21"، أن "من شروط التفاوض أن يواجه كلا الطرفين أزمة حتى تصبح لديه الرغبة بالحل"، مستدركا بقوله: "لكن في الوضع الحالي فالنظام لا يواجه أي أزمة حتى نتوقع استجابة لأي مبادرة".
وقال إن ما يجب فعله الآن هو أن تركز القوى السياسية -مثلها مثل الشعب- على المشاكل الاقتصادية، وتبدأ بتوعية الناس بخطورة القرارات الاقتصادية التي تتم وتأثيرها على الجميع"، مطالبا إياهم بـ"عدم الانفصال عن مشاكل الشعب وهمومه".
مانديلا والملك الحسن
وقال نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الانسان ورئيس المنظمة العربية للاصلاح الجنائي، محمد زارع: "لا أظن أن النظام حاليا لديه رغبة لسماع أي صوت آخر، وأرى أنه يتقوقع على نفسه، لدرجة أن (الرئيس) السيسي يتخلص من أقرب معاونيه، ويرفض الأفكار المطروحة من شركائه، ولا يسمع إلا نفسه"، مؤكدا أنه "ليس مضطرا للتنازل أو قبول مبادرات أطراف منهزمة".
زارع، أوضح لـ"عربي21"، أن "النظام وضع الجميع بمواجهته ومستمر بطريقه، أيا كان حجم المواجهات والخسائر"، مشيرا إلى أن "السيسي لديه رؤية ينفذها، وما يهمه فقط هو علاقته بالسعودية وإسرائيل، ووضع ترتيبات المنطقة، وتنفيذ مشروعاته الاقتصادية. أما علاقته بالمواطن، فهو لا يراه أصلا، ويتعامل معه بمنطق التاجر، وإن هناك فاتورة يجب دفعها".
وحول وضع المعارضة، قال الحقوقي المصري، إن "كل فريق يحاول تحريك المياه الراكدة كدليل حياة، وبعض أطراف المقاومة، كالتيار المدني وجماعة الإخوان، طرحوا أفكارا ومبادرات، لكن الكل يقدم ما لديه بمعزل عن الآخرين".
وأضاف: "التيار المدني طرح مبادرة السفير معصوم، ووضع شروطا لاستبعاد كل من العسكر والإخوان المسلمين"، مشيرا إلى أن الطرح يؤكد أنه لم يحدث حوار بين التيار المدني وبين أي من الطرفين.
وقال إن "النظام الحاكم لم يلتفت إلى مبادرة مرزوق، بل أطلق الإعلام على السفير، كما رفضها الإخوان بدلا من أن يحدث نقاش حولها، وأطلقوا مبادرة أخرى بدلا منها، ووضعوا شروطا لا تفيد ولا تنتهي إلى شيء"، مضيفا: "وكان يجب تركها بالونة اختبار بدلا من أن يدور الجميع بحلقة مفرغة ونعود لنقطة الصفر"، منتقدا "تناحر التيارات السياسية مع بعضها، وعدم وجود وسيلة تقارب بينها".
زارع، ضرب مثلا بنجاح المبادرات بجنوب أفريقيا بإنهاء العداء بين البيض والسود، عبر مبادرات تشبه ما قاله السفير معصوم، بغلق ملف الماضي، وتحقيق العدالة الانتقالية الناقصة ببداية صفحة جديدة تسمح للأجيال القادمة بعدم تكرار جرائم الماضي، موضحا أن "هذا ما فعله أيضا ملك المغرب الحسن الثاني، بغلق ملفات الماضي، وتعويض الضحايا، وعمل إصلاحات سياسية".
وقال إن "المعادلة الصعبة هي أن يتفق الجميع على المستقبل بدلا من أن نبقى بالماضي ونتكلم عن ضحايا المذابح والمجازر، رغم أننا لا نقلل من حجم تلك الجرائم، لكن المستقبل مرشح لجرائم أخرى"، مضيفا: "ولذا يجب أن نتسامح ونضع رؤية للمستقبل على قواعد وأسس وحوار وتوافق بدلا من رفض الآخر وتكريس الانشقاق وتضييع الوقت"، مبينا أنه "ليس بالضرورة أن تكسب كل شيء، ولا بد من التضحية ببعض الأمور".