هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فتحت أقوال السلفي السعودي، عبد العزيز الريس التي أكدَّ فيها تحريم الخروج على "ولي الأمر" وعدم جواز انتقاده علانية، حتى لو ظهر على التلفاز وهو يزني ويشرب الخمر لمدة نصف ساعة أبواب الجدل من جديد حول موقف السلفية من "المنكرات" التي يقترفها الحاكم علانية.
ففي الوقت الذي طالب فيه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة التفريق بين المدرسة السلفية التي ينتمي إليها عبد العزيز الريس، وغيرها من السلفيات الأخرى التي تختلف معها، رأى الأكاديمي الشرعي الأردني، أنس عناية أن الريس "لم يأت فيما قاله بجديد من حيث المضمون، سوى أنه عبر صراحة عما يعبر عنه شيوخ التوجه السياسي السلفي ضمنا".
وأوضح أستاذ الفقه وأصوله المساعد، الباحث في السياسة الشرعية لـ"عربي21" أن الحاكم إن زنى أو سرق أو شرب الخمر فهو لم يقع في الكفر البواح، الذي يبيح الخروج عليه، أو انتقاده علانية وفق ما تقرره أدبيات السلفية على العموم".
اقرأ أيضا: سلفي سعودي بارز يثير جدلا بحديثه عن "زنا الحاكم" (شاهد)
ورأى عناية أن مشكلة ذلك الفهم تكمن في استنادها إلى جزئيات وفروع وظنيات مثل الجزء الحديثي الذي يقول "اسمع وأطع وإن أخذ مالك وجلد ظهرك"، منبتة ومبتورة عن أصولها العقدية الكلية، وأصولها الفقهية العملية الكلية.
وأضاف: "وفي إغفال صريح كذلك لما يقابل هذا الفهم من نصوص وجزئيات توجب مقاومة جور الحاكم، فضلا عن نزع النص من سياقه التاريخي، وظرفه الاجتماعي وإسقاطه على واقع وسياق مختلف تماما".
من جهته لفت أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بالجامعة الإسلامية في غزة، صالح الرقب إلى أن "عبد العزيز الريس ينتمي إلى ما يعرف بالمدرسة الجامية أو المدخلية، التي تجنح إلى مناصرة الحكام الظلمة في محاربتهم لدعاة الصحوة الإسلامية والحركات الإسلامية عموما".
وتابع قوله لـ"عربي21": "كما أن أتباع تلك المدرسة يعلنون الولاء التام للحكام في بلدانهم ما داموا محاربين للدعاة، وهم يتوافقون مع الليبراليين الذين يحاربون الدعاة والحركات الإسلامية وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، ويشاركونهم في مواقفهم العدائية تجاه الحركات الإسلامية".
ووفقا للرقب فإن أدق وصف يمكن أن ينطبق عليهم هو ما قاله الإمام يوسف الحنبلي: "العجب من بعض المتفقهة الفجرة، يذكرون أحاديث الطاعة لكثير من الظلمة، ممن انغمس في الظلم، وعام فيه وسبح، وأخذ أموال الناس من غير حلها، وقتل النفس الحرام أكثر من ألف مرة بغير حق، واستحل أموال الناس ودماءهم وأعراضهم، ويُزين له أنه عادل... فلا كثر الله في المسلمين من أمثالهم" بحسب عبارة الحنبلي.
بدوره أوضح داعية سلفي (فضل عدم ذكر اسمه) أن مسألة إنكار منكرات الحكام علانية تحتاج إلى بيان وتفصيل، فليس الأمر كما ذكره الريس، في تصويره للأمر على هذه الشاكلة المفترضة، التي لا يبالي فيها الحاكم بإشهار معاصيه ومنكراته علانية، ثم يأتي العالم ليأمر الناس بالسكوت على ارتكابه لتلك الفواحش، وعدم استنكارها علانية.
وأضاف الداعية السلفي لـ"عربي21": "يعرف عن الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، دقة نظره في الأدلة الشرعية، واتباعه منهج الجمع بين الأدلة وعدم ضرب بعضها ببعض، كما في هذه المسألة، فثمة نصوص يستفاد منها إنكار منكرات الولاة علانية، وثمة نصوص أخرى يستفاد منها عدم إنكارها علانية وإنما بمناصحة ولي الأمر سرا، فكيف يمكن الجمع بين تلك الأدلة في هذه الحالة؟".
وتابع الداعية السلفي: "سئل الشيخ العثيمين عن صحة من يقول إن الإنكار على الولاة علنا من منهج السلف، ويستشهد بحديث أبي سعيد الخدري في إنكاره على مروان بن الحكم حينما قدم الخطبة في العيد على الصلاة، وبقوله عليه الصلاة والسلام "ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم".. فهل هذا صحيح، وكيف الجمع بين هذه الأحاديث والآثار الصحيحة وبين قوله عليه الصلاة والسلام "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية؟"".
اقرأ أيضا: بعد الريّس.. أشهر سلفي إماراتي يتحدث عن الحاكم الزاني (شاهد)
وأردف الداعية السلفي (الذي فضل عدم ذكر اسمه) قائلا: "كان جواب الشيخ ما خلاصته التأكيد على أن إنكار المنكر واجب على كل قادر عليه، لكن يجب أن نعلم بأن الأوامر الشرعية في مثل هذه الأمور لها محال، ولا بد من الحكمة، فإذا رأينا أن الإنكار علنا يزول به المنكر والشر، ويحصل به الخير فلننكر علنا، وإذا رأينا أن الإنكار لا يزول به الشر، ولا يحصل به الخير، بل يزداد بغض الولاة للمنكرين وأهل الخير، فإن الخير أن ننكر سرا، وبهذا تجتمع الأدلة".
بدوره انتقد الناشط الإسلامي، والباحث الشرعي الكويتي هاني محسن طريقة مناقشة هذه المسألة بين الطرفين المتنازعين عليها، بين من يرى حرمة الإنكار العلني على الحاكم، وبين من يرى جواز الإنكار على الحاكم علانية، ومن ثم إنزالهم للنصوص الشرعية على غير مواضعها الصحيحة.
وتساءل محسن في حديثه لـ"عربي21": "لماذا ينزل كلا الطرفين نصوص الشريعة الإسلامية التي تتناول الحاكم الشرعي الذي يحكم بالإسلام على واقع لا يمت للإسلام بصلة؟".
وأنهى محسن حديثه بالإشارة إلى أن إنزال النصوص الشرعية الآمرة بالسمع والطاعة لولي الأمر على حكام زماننا، "لا يجوز أن يصدر من جاهل فضلا عن أن يصدر من عالم، لأنهم ليسوا "أولياء أمور" بالمفهوم الشرعي وفق الأدلة الشرعية الثابتة والمقررة"، على حد قوله.