عندما أزاح وزير
الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الستار عن استراتيجية بلاده للتعامل مع إيران في 21
مايو/أيار الماضي، والتي تضمنت 12 شرطا أو مطلبا، توعد بفرض أقسى عقوبات في
التاريخ ضدها، ثم بعد ذلك تحركت الإدارة الأمريكية لإعطاب المحرك الأساسي للاقتصاد
الإيراني أي النفط، حيث أوفدت دبلوماسييها لدى زبائن النفط الإيراني في أنحاء
العالم لممارسة الضغوط عليهم وثنيهم من شرائه، فرفضت دول مثل تركيا ذلك وقبلت أخرى
بالتوقف عن الاستيراد بالتدرج، وطالبت عواصم بإعفائها.
طالبت الإدارة
الأمريكية في أواخر يونيو الماضي الزبائن بتصفير شرائهم من النفط الإيراني حتى
نوفمبر القادم، متوعدة إياهم بفرض عقوبات إذا لم يستجيبوا لهذا المطلب. ثم لصعوبة
الأمر وبعد ارتفاع أسعار النفط واقترابه من 80 دولارا، تحدث مسؤول في وزارة الطاقة
الأمريكية عن احتمال إعفاء بعض الدول والسماح لهم بمواصلة الاستيراد من النفط
الإيراني بعض الوقت.
أمام سياسة ترامب
الرامية إلى تصفير صادرات إيران النفطية، هدد الرئيس الإيراني حسن روحاني من قلب
أوروبا خلال زيارته سويسرا الثلاثاء الماضي، بوقف صادرات النفط من المنطقة إذا ما
منعت طهران من تصدير نفطها.
روحاني لم يسمّ في
تهديده الطريقة التي ستلجأ إليها إيران لإيقاف صادرات النفط من المنطقة، لكن الحرس
الثوري فسّر كلامه من خلال التهديد الصريح بعدم السماح بعبور النفط عبر مضيق هرمز
إن منعت طهران من تصدير نفطها.
هذه ليست المرة الأولى
التي تهدد إيران بإغلاق المضيق حيث سبق أن هددت بذلك خلال الحرب العراقية
الإيرانية ما أدى إلى حادث حرب ناقلات النفط آنذاك، كما أنها في عهد الرئيس
المحافظ محمود أحمدي نجاد أطلقت تهديدات مماثلة أيضا.
على ما يبدو أن إغلاق
هذا الممر الاستراتيجي ليس الخيار الأوحد لدى طهران لإيقاف تصدير النفط، وإنما
تمتلك أدوات أخرى مثل الأذرع الإقليمية، حيث أن استهداف باب المندب بصواريخ من قبل
الحوثيين من شأنه عرقلة حركة الملاحة في هذا المعبر المائي الدولي أيضا.
تقنيا يمكن لإيران أن
تقوم بإغلاق مضيق هرمز حيث تمتلك القوات البحرية الإيرانية المعدات اللازمة لذلك،
أقله بإمكانها إعاقة حركة المرور فيه بشكل كبير، مما ستربك أسواق الطاقة العالمية
وترفع أسعار النفط بشكل مطرّد. فيكفي أن يتم تفجير ناقلة نفط عبر تلغيم أجزاء من
هرمز، لكي تتوقف حركة الملاحة فيه لفترة من الوقت.
مع ذلك، يستبعد أن
تقدم طهران على مثل هذه الخطوة لأسباب كثيرة، أهمها أن مثل هذا الإجراء يمكن أن
يؤدي إلى حرب ضدها هي بغنى عنها حاليا، ثم أن تصفير صادرات نفط إيران لا يمكن أن
يحدث عمليا، ففي أسوء التقديرات هي ستتمكن من تصدير ما يقارب مليون برميل يوميا،
ما يقلل من وطأة العقوبات الأمريكية وكذلك يمكّنها من مواجهة المرحلة المقبلة.
إيران التي تعتبر
السياسة النفطية للإدارة الأمريكية واعتزام هذه الإدارة تصفير صادراتها النفطية
بمثابة إعلان حرب عليها، ترى أن مثل هذا الوعيد الأمريكي يجب أن يقابل بآخر مماثل،
أي التهديد بمنع تصدير النفط من كل المنطقة، تحاول طهران من خلال ذلك توجيه رسائل
سياسية في الوقت الحاضر إلى ثلاث جهات هي واشنطن، الترويكا الأوروبية، ودول خليجية
(السعودية والإمارات).
طهران ترى أن المحاولة
الأمريكية لتصفير تصدير نفطها لا تكلفها فحسب، بل أن ذلك أيضا قد بدأت تؤذي الرئيس
ترامب وتربك حساباته الداخلية نظرا لقرب موعد الانتخابات التكميلية للكونغرس،
لتداعيات تركها هذا التوجه فورا في أسواق النفط مما تسبب بارتفاع أسعاره والذي
أثار قلق ترامب نفسه مما سارع في إشاعة أن الملك سلمان وعده بضخ مليوني برميل من
النفط يوميا في الأسواق تعويضا لنقص يخلفه وقف صادرات النفط الإيراني، ما لم تؤكده
الرياض رسميا حتى الآن. ثم قام بحرب تغريدات على منظمة أوبك وطالبها
"فورا" بزيادة الإنتاج بمقدار 2 مليون برميل وكذلك تخفيض الأسعار.
هنا أرادت طهران من
خلال اطلاق هذا التهديد إرباك أسواق النفط ودفع أسعارها إلى مواصلة الارتفاع بما
يترك مزيدا من التأثيرات السلبية على الحسابات الداخلية للرئيس الأمريكي قبل
انتخابات نوفمبر القادم، عسى أن يتراجع قليلا عن سياسته النفطية ضد إيران.
أما فيما يخص الرسالة
الموجهة إلى الترويكا الأوروبية، أرادت طهران حث الأوروبيين الذين يعيرون أهمية
كبيرة لأمن الطاقة في المنطقة إلى تبلية مطالبها حول إنقاذ الاتفاق النووي بعد
شهرين من المماطلة وإطلاق أقوال بلا أعمال منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق.
واللافت أن التهديد الإيراني جاء قبل تلقي طهران حزمة المقترحات الأوروبية وكذلك
الاجتماع الحساس لوزراء خارجية 1+4 في فيينا الذي انعقد يوم أمس الجمعة.
كما أن إيران رغبت في
توجيه رسالة إلى السعودية والإمارات مفادها أنه إذا ما أرادت الدولتان التعويض عن إمداداتها
النفطية في الأسواق من خلال زيادة صادرتهما لن تبقى مكتوفتي الأيدي وستواجه هذه
السياسة.
يبقى القول إنه مع
استبعاد لجوء إيران إلى خيار إغلاق مضيق هرمز في الوقت الحاضر لأسباب ذكر أهمها،
إلا أنها يمكن أن تفعل ذلك كآخر خيار في حالتين: الأولى عندما تتعرض لحرب خارجية،
حينئذ هذا الخيار سيكون الأكثر احتمالا، والثانية أنه إذا ما وصلت طهران إلى طريق
مسدود، وحوصرت من كل الجهات في الحرب الاقتصادية (والنفطية) التي قد تصبح أكثر
وطأة من النظامية، مما يعرض أمنها الداخلي ومصالحها الاستراتيجية لخطر وجودي،
حينئذ من الوارد أن تلجأ طهران إلى خطوة كهذه. في الحالة الثانية المرجح هو اللجوء
إلى إجراءات لعرقلة حركة الملاحة في ممر هرمز وليس إغلاقه بالكامل.