الحشد الشعبي في
العراق صار مؤسسة عسكرية وسياسية فاعلة، رغم أن الحكومة تدّعي أنه جزء من المؤسسة الأمنية، لكن الحقيقة الكبرى اليوم أن الحشد هو الأقوى والأشد في المعادلة الأمنية العراقية، وأقوى حتى من إمكانيات وزارتي الدفاع والداخلية!
بدايات تشكيل الحشد بصورة واضحة ورسمية؛ تعود لمرحلة سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل في حزيران/ يونيو 2014، حينما أعلن المرجع الشيعي علي السيستاني "الجهاد الكفائي" وذلك بعد ثلاثة أيام من هذا الحدث الكبير. وبعدها بشهر تقريباً، أعلنت حكومة حيدر العبادي تأسيس هيئة "الحشد الشعبي"، وربطها مباشرة برئيس الحكومة، وخصصت لها ميزانية جيدة من موازنة الدولة.
قراءة الخارطة الميدانية للحشد الشعبي؛ تظهر تفاوتاً في القدرات والإمكانيات العسكرية واللوجستية لتلك
المليشيات.
والقراءة الدقيقة تؤكد أن منظمة بدر التابعة لهادي العامري تُعد من أبرز فصائل الحشد، والتي تأسست في إيران بعد عامين من اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وتليها في الأهمية سرايا السلام، الجناح المسلح للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، ثم تليها مليشيا عصائب أهل الحق المنشقة عن التيار الصدري في العام 2007، بقيادة قيس الخزعلي، وبعدها تأتي كتائب حزب الله العراقي، التي ظهرت في ذات الفترة التي ولدت فيها عصائب أهل الحق، وبعدها تأتي مليشيا النجباء بقيادة أكرم الكعبي، وهي فصيل انشق عن العصائب عام 2013.
الحقيقة هنالك العشرات من المليشيات الأخرى التي لها مكاتب وهويات خاصة وسيارات تابعة لها، ومنها سرايا الجهاد والبناء، التابعة لعمار الحكيم، وسيد الشهداء، وسرايا خراسان، وكتائب التيار الرسالي، وغيرها من المليشيات الرسمية.
وهذا الحال ينطبق تماماً على المليشيات غير الرسمية التي تجاوز عددها المائة مليشيا في بغداد وحدها بحسب اعتراف رئيس الحكومة.
وعلى الرغم من أن مليشيات الحشد الشعبي شُكلِّت للحفاظ على "المقدسات"، كما تقول فتوى المرجعية الشيعية (وهذا السبب يفترض أن يوحدها)، إلا أن الواقع مختلف تماماً، حيث إن غالبية هذه المليشيات بينها "ما صنع الحداد"، وقد وصلت الخلافات بينهم لمراحل متقدمة بلغت درجة الاغتيالات والتصفيات الجسدية، فضلاً عن الاتهامات بالعمالة والابتزاز وغيرها.
وهنا سنحاول ذكر أهم القيادات المليشياوية التي تمت تصفيتها مؤخراً، وقد وجهت الاتهامات في غالبيتها لجهات مجهولة، ولا شك أن أصابع الاتهام تتجه في الغالب للخلافات في ما بين زعماء تلك المليشيات وعناصرها:
- في منتصف آذار/ مارس 2017، قتل قائد مليشيا "حشد المشاهدة" التابعة لمليشيا الحشد الشعبي (لطيف الجاري)، مع عدد من أفراد عائلته وحمايته، في هجوم على منزله بمنطقة المشاهدة شمالي بغداد.
- في بداية العام الحالي، قال مصدر أمني إن مسلحين هاجموا أمجد الجبوري، القيادي في عصائب أهل الحق، قرب منزله في منطقة الحصوة، وأردوه قتيلاً وأصابوا أحد مرافقيه.
- وفي نهاية نيسان/ أبريل الماضي، أعلن في بغداد عن وفاة مدير المديرية المالية للحشد الشعبي، قاسم الزبيدي، متأثراً بجراح تعرض لها خلال محاولة اغتيال بطلق ناري في بغداد.
وفي تطور خطير، وبعد اغتيال مدير مالية الحشد بأيام، كشف رئيس الوزراء العراقي عن وجود
فساد بين قيادات فصائل الحشد الشعبي، وأكد تعرضه لتهديد من قادة هذه المليشيات، مبيناً أن "بعضهم يقوم بسرقة أموال المقاتلين وتوزيعها بينهم كيفما شاء"، وأن "هناك فاسدين يأخذون أموال المقاتلين (في الحشد) ظلماً وعدواناً"، كما أكد "أن قيادات في الحشد ترفض التدقيق الحكومي على الرواتب"، وأن "أي قيادي يتعاون مع رئيس الوزراء في هذا الشأن يُعنَّف".
وهذا التصريح الحكومي يعد أكبر دليل على انتشار الفساد الإداري والمالي في فصائل وهيئة الحشد الشعبي!
آخر عمليات التصفية الجسدية وقعت في الجنوب، ففي بداية الشهر الجاري اغتال مسلحون مجهولون شوقي حداد، المساعد العسكري لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في مدينة الكوفة (10 كم شرقي مدينة النجف)، بعد أن اقتحموا منزله وأطلقوا النار عليه من أسلحة مزودة بكواتم للصوت، قبل أن يلوذوا بالفرار"!
هذه الاغتيالات المدروسة تؤكد حقيقة كبرى، وهي أن الخلافات بين هذه القوى ليست من أجل القيم والمبادئ التي يدّعون أنهم يحاربون من أجلها، وإنما لتحقيق مكاسب استراتيجية، أو لمنفعة هذا الفيصل أو ذاك، أو مغانم مادية شخصية. وعليه أتوقع أن تتعقد هذه الخلافات وتنمو عمليات الاغتيالات المتبادلة، وبالذات بعد التعقيدات المرافقة للعملية الانتخابية والاتهامات بالتزوير التي وجهت لبعض الفصائل المشاركة بقوائم انتخابية. وبالنتيجة، ربما سنكون أمام حرب أهلية بين تلك الفصائل؛ لا يمكن التكهن بنتائجها وارتداداتها على العراق والمنطقة!