الآن، وقد
اتضحت الصورة وبات واضحا لكل ذي عينين أن مسألة بقاء السيسي واستمراره على رأس
السلطة أصبحت مسألة حياة أو موت، بالنسبة لكل من الكيان الصهيوني والقيادات
العربية الخليجية التي تسعى لتعزيز وجودها على رأس السلطة في بلادها، مثل محمد بن
سلمان في السعودية أو محمد بن زايد في الإمارات أو ملك البحرين؛ الذي تعتبر مملكته
تحت الحماية السعودية منذ انفجار ثورة الشعب البحريني منذ سنوات.
السيسي،
وفي الوقت الذي يحاصر الشعب المصري برفع الأسعار والتعذيب والقهر والقتل البطيء والتصفية
المدروسة لمئات المختفين قسريا، يعاني هو الآخر، وهو من وجهة نظري أسير الوضع الذي
يعيشه. فالمطلوب منه كان ومنذ اليوم للانقلاب هو تصفية القضية الفلسطينية، وهزيمة
الثورة المصرية، وإفشال الربيع العربي، والقضاء على الإخوان، والنيل من الإسلام
بصورة أو بأخرى، أو في صورة عملية تجديد كما يزعم، وهي عملية هدم حقيقية، إذ يتم
النيل من العقيدة، كما يتم القضاء على الأخلاق، ونقض الفقه وأصوله، واختراع دين جديد
في المعاملات يليق بمقام الانقلاب ويتفق مع ما تدعو إليه الصهيونية العالمية، سواء
في تل أبيب أم في البيت الأبيض بوضعيته الراهنة.
السيسي، وفي الوقت الذي يحاصر الشعب المصري برفع الأسعار والتعذيب والقهر والقتل البطيء والتصفية المدروسة لمئات المختفين قسريا، يعاني هو الآخر، وهو من وجهة نظري أسير الوضع الذي يعيشه
لقد قلنا
إن السيسي ومنذ اليوم الأول قد جاء لهذه المهمة، لكن دراويش السيسي، حتى من بعض
التيارات السلفية وعلى رأسهم حزب النور إضافة إلى بقايا القوميين العرب الذين
تلوثوا وتلونوا بفعل البترودولار، تصدوا لنا معلنين أن السيسي إنما جاء لنصرة
الدين وصيانة العقيدة وتجديد العبادة، وأنه ملهم ومجدد، كما أنه المخلص الذي خلص
مصر من الإخوان وفاشيتهم واستبدادهم المدعوم من الإمبريالية الأمريكية.. إلى آخر
الاسطوانة المشروخة التي قمنا بدحضها، والفضل والمنة لله الذي كشف للقريب والبعيد
صحة ما ذهبنا إليه، واعترف نفر قليل من أولئك بأنهم أخطأوا التقدير، ويُحمد لهم
ذلك حتى ولو جاؤوا متأخرين، ولكن أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي على الإطلاق.
إذا حللنا
ما حققه السيسي من الأهداف التي حددها له الحلف العربي- الصهيوني الجديد، فسوف نجد
أنه وحتى تاريخه لا تزال مصانع الغضب تشتعل، ولا تزال الثورة هي حديث الناس سرا أو
جهرا، مع القدرة على القيام بها أو الاعتراف بأنه لم يحن توقيتها الجديد بعد. فلا
الثورة المصرية انتهت، ولا القضية الفلسطينية تم القضاء عليها؛ لأن تحركات السيسي
ومعه بنو سلمان وزايد؛ أصبحت مقروءة، والأطراف الفلسطينية على اختلاف درجة إخلاصها
للقضية لم تستسلم حتى اللحظة ولم تقدم ما يثبت إمكانية استسلامها، ولعلها تستمر في
الصمود.
المطلوب من السيسي لم يتم بعد، وأن بقاءه حسب مموليه ومعاونيه، وأسمح لنفسي بالقول: حسب مستخدميه، أصبح ضروريا
هذا يعني
أن المطلوب من السيسي لم يتم بعد، وأن بقاءه حسب مموليه ومعاونيه، وأسمح لنفسي
بالقول: حسب مستخدميه، أصبح ضروريا لحين التفكير في بديل يخدم الأهداف المطلوبة أو
النظر في سيناريوهات أخرى، أو ربما عاجل الشعب المصري الجميع بتحرك ما في أي اتجاه
يزيد أمور هؤلاء تعقيدا.. لا أحد يدري.
في مهمته
القذرة للطعن في الدين وثوابته، أتى السيسي بكل ما لا يمكن تصوره من منحرفين وشواذ،
وأظهر قصصهم واحتفالاتهم حتى يقدم الدليل على أن المصريين ليسوا أهل دين، وأن منهم
منحرفين وشواذا، وأن منهم لصوصا وقطاع طرق ومتعاطي مخدرات، كما أتى بجيش هائل من إعلاميين
فسقة وفجرة، حتى إن إحداهن أعلنت على الهواء أنها أم بلا زواج، وذلك في محاولة
لنشر الرذيلة واعتبار أن حمل المرأة وإنجابها من دون زواج حرية شخصية، كما سمح
السيسي لمذيعة أن تتعاطى المخدرات على الشاشة.. كل ذلك في محاولة لوصم الشعب
بالفجور وقلة الحياء والجهل بالدين، حتى يبدو هو العالم العلامة والفهم الفهامة،
وأن الدين بحاجة إلى مجددين على طريقة السيسي ومحمد بن سلمان.
أخرج
السيسي من قاع المجتمع أشباه رجال، وأشباه باحثين وأشباه علماء، وقدمهم للناس على
أنهم أفضل من ابن تيمية والبخاري، ونال إعلاميو السيسي من السادة أبي بكر وعمر
وعثمان. كل ذلك تم، ولكن لم ينجح ولن ينجح؛ لأن الأمة المصرية لا تزال تحتفظ
بوعيها، وبطائفة من علمائها ومفكريها وأبنائها المخلصين.
يرفع السيسي
الأسعار بجنون وتهور غير مسبوق، معتقدا أن الشعب راض أو مضطر للرضى لأنه يثق به،
وهذه هي آفة المستبدين الكبار الذين أصابتهم لوثة عقلية انتهت بهم إلى القتل غير
الرحيم، بدءا من موسوليني وهتلر، وصولا إلى ميلوسوفيتش والقذافي وعبد الله صالح.
يرفع السيسي الأسعار بجنون وتهور غير مسبوق، معتقدا أن الشعب راض أو مضطر للرضى لأنه يثق به، وهذه هي آفة المستبدين الكبار
يتوهم
السيسي أنه قادر على إسكات الأصوات بالحديد والنار، وينسى أن النار نفسها تذيب
الحديد، وأن نار الغضب تذيب كل شيء، وتجعل الشعب مستعدا لفعل أي شيء، خصوصا وأن
الأمر تخطى مسألة التجويع إلى مسألة التركيع.
ويبقى
السؤال: هل يمكن له البقاء في السلطة، أم أنه من الممكن ألا يكمل مدته الثانية؟
يعتقد
السيسي أنه لا يزال شابا (تجاوز الستين عاما بأربع سنوات). وكما صرح يوما ما، فإنه
يقارن نفسه برئيس الوزراء الماليزي الدكتور مهاتير محمد البالغ من العمر 92 عاما،
أي أن أحلام الجنرال تتجاوز المدة الحالية ومدد مثلها، وهذا ما قاله أثناء حكم
الرئيس مرسي حين كان يمهد للانقلاب على الرئيس، وكنا نظنه محذرا منه:‘ي "إذا تدخل الجيش ما تسألوش عن
البلد ثلاثين أربعين سنة".
مع الفشل المتلاحق له ولمن جاؤوا به؛ أن المعادلة ستتغير، وأن المعركة اتسع نطاقها لتتجاوز فكرة إنهاء حكم السيسي، لتصل إلى فكرة ضرورة إحداث تغيير جوهري بكامل المنطقة
تتجاوز
أحلام السيسي أو من جاؤوا به فكرة المدد الزمنية؛ لأن الأصل أنه جاء لتحقيق حزمة
من الاهداف السابق ذكرها، وبالتالي لا يتعلق الأمر ببقائه بإرادته إن أراد أو رفض،
بل بمدى تحقيق تلك الأهداف.
وأظن مع
الفشل المتلاحق له ولمن جاؤوا به؛ أن المعادلة ستتغير، وأن المعركة اتسع نطاقها
لتتجاوز فكرة إنهاء حكم السيسي، لتصل إلى فكرة ضرورة إحداث تغيير جوهري بكامل
المنطقة.
المطلوب
اليوم ليس فقط إزاحة أنظمة، بل تغيير استراتيجي شامل أعتقد أن الشعوب كلها تنتظر
حدوثه. والسؤال لم يعد حول إمكانية اندلاع شرارة التغيير، بل عن الكيفية والتوقيت.