هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعاد التقرير الفرنسي الذي نشرته صحيفة "موند أفريك" المتخصصة في الشؤون الإفريقية حول إحباط مخطط انقلاب إماراتي سعودي في تونس، مخاوف الأوساط السياسية والشعبية على مصير آخر قلاع الديمقراطية العربية الناشئة ومهد ثوراتها، بعد نجاح ذات القوى الخليجية في إفساد ثورات كل من اليمن وسوريا ومصر وليبيا.
وخرج محتجون تونسيون منذ يومين في مظاهرة ليلية وسط العاصمة التونسية منددين بالتدخل الإماراتي السعودي السافر في تونس وبتآمر وزير الداخلية المقال، ورافعين شعارات تطالب بطرد السفير الإماراتي من قبيل "تونس حرة والإنقلابي على بره" و"لطفي براهم يا عميل الإمارات" و"إماراتي يا جبان ثورة تونس لاتهان".
وفي هذا السياق أكد الناشط السياسي عماد دغيج، وأحد أبرز الداعين والمشاركين لهذه الوقفة الاحتجاجية في تصريح لـ"عربي 21" عن إدانته للمحاولات المتكررة من السعودية والإمارات خصوصا للانقلاب على المسار الديمقراطي الثوري في تونس والعودة لدائرة الاستبداد والدكتاتورية.
وتابع: "بغض النظر عن مصداقية ما جاء في التقرير الفرنسي من ضلوع الإمارات في محاولة انقلاب في تونس فإن خروجنا في تظاهرة ليلية شعبية خالية من أي نفس حزبي لنقول أننا سئمنا من المحاولات المتكررة لهذه الدويلة في زعزعة استقرار تونس ووأد ثورتها منذ 2011 والعودة بها لمربع المخلوع بن علي ولنوجه رسالة لكل الأطراف داخليا وخارجيا أن الشعب لكم بالمرصاد وسيدافع عن ثورته بروحه ودمه".
واعتبر دغيج، أن نجاح النموذج الديمقراطي التونسي يعزز مخاوف هذه الدول من "دمقرطة" العالم العربي الذي سيأتي على عروشهم ونظامهم الدكتاتوري، محذرا من المال السياسي الفاسد الذي تضخه هذه الدول للأحزاب السياسية والإعلام لإنجاح أجندتها المشبوهة في تونس.
وأضاف: "بعض وسائل الإعلام التونسية استغلت خروج عشرات الأمنيين المحسوبين على وزير الخارجية المقال لطفي براهم لتنفخ في صورته وتصور للجماهير أن التظاهرة مليونية وهو تظليل مقصود بهدف خلق حالة من البلبلة في البلاد".
جدير بالذكر أن بعض وسائل الإعلام الإماراتية استغلت حادثة خروج العشرات من الأمنيين المحتجين على إقالة وزير الداخلية السابق لطفي براهم، حيث عنونت وكالة "إرم نيوز" الإماراتية ومقرها أبوظبي تقريرها حول تونس بصياغة لم تخل من التحريض بالقول: "احتجاجات ودعوات للعصيان المدني في تونس رفضًا لعزل وزير الداخلية" في تظليل إعلامي مفضوح وكاذب وتهويل للحدث.
من جانبه، أكد الناشط السياسي لسعد البوعزيزي وأحد المشاركين في التظاهرة الاحتجاجية لـ "عربي 21" أن التمويل الإماراتي للانقلابات الفاشلة في تونس لم يهدأ منذ 2011، مثنيا على وعي الشعب التونسي.
وأضاف: "أردنا توجيه رسالة للخونة واللصوص والانقلابيين في تونس وخارجها بأن ثورة تونس ثورة وعي وحرية وكرامة وبأننا سنحميها بأجسادنا وعقولنا".
وكشف تقرير الصحفي الفرنسي نيكولا بو عن مخطط إماراتي سعودي بطله وزير الداخلية التونسي المقال لطفي براهم الذي كان يحضر له للعب دور سياسي كبير بحسب التقرير، وتم إحباط المخطط بفضل تقارير استخباراتية جزائرية فرنسية ألمانية وصلت لرئيس الحكومة يوسف الشاهد حول لقاء مريب جمع براهم برئيس المخابرات الإماراتية في جزيرة جربة التونسية في شهر مايو الماضي للتحضير للإنقلاب من خلال الإطاحة برئيس الحكومة يوسف الشاهد وتعيين أحد أذرع بن علي سابقا ووزير دفاعه كمال مرجان خلفا له فضلا عن الإطاحة برئيس الدولة لدواعي صحية شبيهة بسيناريو عزل بورقيبة من قبل المخلوع بن علي خلال الثمانينات.
واعتبر القيادي في حزب التيار الديمقراطي محمد عبو في حديثه لـ"عربي 21" أن التدخل الإماراتي في تونس منذ اندلاع الثورة لا يمكن إنكاره من خلال الدعم المالي واللوجستي الذي قدمته الحكومة الإماراتية لنداء تونس ولرئيسه السبسي إبان الحملة الانتخابية للحزب في 2014 وباعترافهم هم لعل أبرزها السيارتان المصفحتان اللتان أهدتهما حكومة أبوظبي للسبسي.
ونبه للمخاطر والتهديدات المتواصلة للمسار الديمقراطي في تونس من أطراف داخلية وخارجية، لكنه في المقابل، شكك في صحة التقرير الفرنسي معللا ذلك بوجود أطراف سياسية من مصلحتها الترويج لمثل هذه الأخبار وتقديم نفسها كمنقذ للبلاد وكحامي لبعض الأحزاب المستهدفة.
وكانت أوساط سياسية وحزبية تفاعلت مع التقرير الفرنسي حيث سارع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لإعادة نشر مقتطف من حوار له لصحيفة تونسية في 2016 بالقول: "المشكل يكمن ليس في تراجع أو تقدم النتائج في اللعبة الديمقراطية، ولكن المشكل يكمن في مَنْ يتدخل لإيقاف اللعبة الديمقراطية ليحل محلها القمع والدكتاتورية والفساد.. اللجوء إلى استخدام القوة ليس علامة نجاح بل بالعكس، وهو محاولة فاشلة لإيقاف مسار التاريخ".
فيما هاجم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الإمارات بالقول: "غضب الله من أمّة العرب غضبا شديدا وقد خيّبت كل آماله فيها، هو الذي لم ينطق بلغة بشرية غير لغتها فقرّر أن يبلوها بثلاث: الاستعمار والاستبداد وحكام الإمارات".
يشار إلى أن وزير الداخلية المقال لطفي براهم أكد في تصريح لراديو "موزاييك" أنه فوجئ بقرار عزله، مكذبا جملة وتفصيلا الاتهامات التي وردت في التقرير الفرنسي بضلوعه في محاولة انقلابية ولقائه برئيس جهاز المخابرات الإماراتية كما برر زيارته للسعودية ولقائه بالملك سلمان ضمن اتفاقيات مشتركة بين الأجهزة الأمنية التونسية والسعودية، وأعلن رفعه قضية ضد الصحفي الفرنسي نيكولا بو وضد قناة الجزيرة.
وفي سياق متصل، نفى سفير الإمارات بتونس سالم عيسى القطامي الزعابي خلال مؤتمر صحفي الاتهامات الموجهة لبلده بالتخطيط لانقلاب في تونس.