صحافة دولية

قصة المؤسسة الاستخباراتية الغامضة التي يهتم بها مولر كثيرا

يعكف مكتب روبرت مولر حالياً على التحقيق في ويكيستارت وزامل- جيتي- ارشيفية
يعكف مكتب روبرت مولر حالياً على التحقيق في ويكيستارت وزامل- جيتي- ارشيفية

تناولت صحيفة "ذي ديلي بيست" الأمريكية في تقرير لها الغموض الذي يحيط بشركة "ويكيستارت" والتي ظهر اسمها في التحقيقات التي يجريها المحقق روبرت مولر الذي يتولى التحقيق بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.

ويكشف التقرير الذي أعده كين كليبينستين وترجمته "عربي21" الأعمال الاستخبارية التي تقوم بها الشركة إضافة لعلاقتها بإسرائيل.


وفيما يلي الترجمة الكاملة للتقرير:

يحكى أن دونالد ترامب الابن وبعض كبار مساعدي الرئيس القادم التقوا في خريف عام 2016 داخل ترامب تاور (برج ترامب) مع جو زامل، مؤسس شركة اسمها ويكيستارت.

تقدم "ويكيستارت" نفسها على أنها وكالة متخصصة في تحليل "البيانات التي تجمع عن الجمهور". إلا أن مقابلات مع موظفين حاليين وسابقين في هذه المؤسسة التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقراً لها، إضافة إلى وثائق اطلعت عليها صحيفة ذي ديلي بيست ، تحكي قصة مختلفة تماماً، ومفادها أن الغالبية العظمى من زبائن ويكيستارت هم حكومات أجنبية، وأن ويكيستارت ما هي أولاً وأخيراً سوى مؤسسة إسرائيلية، وأن عمل الشركة لم يقتصر فقط على تحليل البيانات، بل لقد كانت ضالعة في جمع المعلومات الاستخباراتية.

بحسب ما نشرته صيحفة ذي وال ستريت جورنال يعكف مكتب روبرت مولر حالياً على التحقيق في ويكيستارت وزامل، حيث أن دائرة التحقيق الذي يقوم به المحقق الخاص قد اتسعت لتشمل محاولات بذلتها حكومات بلدان في الشرق الأوسط للتأثير في السياسة الأمريكية.

تسعى ويكيستارت للظهور في العلن كما لو أن تحليلها للبيانات التي تجمع عن الجمهور، والذي تطلق عليه عبارة "ويكيبيديا تلتقي بالفيسبوك"، إنما يقصد منه تزويد عملائها بتقارير تعدها بناء على ذلك. كما أن الوثائق المتاحة تسلط الضوء على اعتماد ويكيستارت بشكل مكثف على استخدام مواصفات تصاميم الألعاب لتشجيع المستخدمين على الاندماج معها – بمعنى آخر لاستخلاص المعلومات بيسر من مصادرها. ويقول الموظفون السابقون في ويكيستارت إن مؤسسها يرى نفسه كما لو أنه مارك زكربيرغ (مؤسس فيسبوك) في عالم الأمن القومي.

ولكن على الرغم من تعهد الشركة العلني بالتزام "الشفافية، واستخدام وسائل مهنية وعلنية في جمع البيانات" إلا أن الوثائق التي حصلت عليها ذي ديلي بيست تظهر شيئاً مختلفاً، حيث أن الشركة تلجأ إلى استخدام "مخبرين داخل كل دولة" كمصادر للمعلومات.

ترد في الجزء الخاص بتعريف ويكيستارت داخل موقعها على الإنترنيت عبارة "جمع البيانات في الميدان".

إلا وثائق داخلية خاصة بويكيستارت، مختومة بعبارة "مادة سرية للغاية وبالغة الحساسية" تشير إلى أن 74 بالمائة من دخل المؤسسة يأتي من زبائن هم في واقع الأمر حكومات لبلدان أجنبية.

على الرغم من أن الغالبية العظمى من زبائن وييكستارت هم عبارة عن حكومات بلدان أجنبية، إلا أن الشركة تتباهى بأن لديها تواصل مع أعلى الرتب العسكرية ومع كبار المسؤولين في أجهزة المخابرات داخل الولايات المتحدة. وتشتمل قائمة مجلس مستشاري المؤسسة على أسماء كبيرة منها مايكل هايدن، المدير السابق للسي آي إيه ولوكالة الأمن القومي، وجيمز إل جونز، المستشار السابق في الأمن القومي، وإليوت أبرامز، الذي كان يشغل سابقاً منصب نائب مدير مجلس الأمن القومي، ودافيد شيد، الذي كان سابقاً يشغل منصب القائم بأعمال مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، وآخرون.

ولربما لم يكن مستغرباً إذ ذاك أن يكون موقع الشركة على الإنترنت مزوقاً بشعارات المؤسسات العسكرية الأمريكية وأن تزعم الشركة بأن مقرها الرئيسي يقع في العاصمة واشنطن.

ولكن ليس واضحاً بالضبط مدى ارتباط هؤلاء المستشارين بالشركة. ففي رسالة وصلت صحيفة ذي ديلي بيست من مايكل هايدن، قال الرجل" "لطالما كانت مشاركتي غير رسمية .... ولكني أدعم المفهوم الذي ينبثق عنه عملهم، كما تشير إلى ذلك عبارة منقولة عني في موقع ويكيستارت على الإنترنيت. لكن لا يوجد شيء مكتوب على الورق بيننا ولم أحضر من قبل أي لقاء للمجلس."

في مقابلة مع ذي ديلي بيست، وصف جيمز كادتك، الذي عمل في السابق كبير محللين في ويكيستارت، تجربته داخل الشركة. يحمل هذا الرجل مؤهلاً علمياً في الفيزياء، وعمل من قبل مستشاراً لشؤون الدفاع والتكنولوجيا مع السيناتور جون وارنر ما بين عام 2002 وعام 2005، ثم كزميل مخضرم في جامعة الدفاع الوطنية إلى أن انضم إلى ويكيستارت في عام 2016.

يقول كادتك إنه عندما أجرى معه اثنان من مدراء ويكيستارت مقابلة لمناقشته في طبيعة عمله معهم بدا واضحاً بالنسبة له أن الشركة ليست فقط كما يبدو للعيان لأول وهلة.

وأضاف كادتك في مقابلته مع صحيفة ذي ديلي بيست: "كان جلياً بالنسبة لي أن هذين الرجلين كانت لديهما خلفية استخباراتية، وأنهما كانا مسؤولين في جهاز من أجهزة المخابرات، ولم يكونا أكاديميين أو مجرد باحثين. كانا يستخدمان الخبراء الذين يتعاملان معهم لجمع معلومات سرية عما يجري في مختلف أنحاء العالم. وتشكل لدي انطباع بأنهما ربما كانا يفعلان ذلك خارج إطار ويكيستارت. بدا الأمر ملتبساً وغامضاً."

لا يبدو أن العمل مع ويكيستارت كان كافيا للإجابة على ما كان يدور في ذهن كادتك من تساؤلات. يقول كادتك مستدركاً إن ويكيستارت بدت مهتمة بجمع المعلومات الاستخباراتية أكثر من أي شيء آخر.

لم يستجب إيلاد شافر، المدير التنفيذي لشركة ويكيستارت الذي حل محل زامل هذا العام، لطلب تقدمنا به له لكي يعلق على الموضوع.

وحينما سئل موظف سابق رفيع المستوى عما قاله كادتك حول جمع المعلومات الاستخباراتية، قال: "هل يمكن له (مؤسس ويكيستارت) أن يقوم بذلك؟ نعم، بكل تأكيد." وأضاف إن عمل ويكيستارت "لم يكن محدوداً للجيوسياسات."

تعطي الوثائق فرصة لإلقاء نظرة نادرة على شركة طالما وصفها موظفو ويكيستارت بأنها سرية بشكل يفوق التصور.

يقول في ذلك أحد كبار الموظفين السابقين: "كان جويل يدير منظمة بالغة السرية. كنت أشعر أنني لا أرى في واقع الأمر ما الذي كانت تقوم به الشركة فعلياً."

ويقول موظف سابق آخر: "كان شديد السرية، وكل شيء كان محاطاً بأغلفة وراء أغلفة من السرية. كان واضحاً إبقاؤه الشركة بأسرها في الظلام. حتى المدراء التنفيذيون في الشركة لم تكن لديهم الصورة مكتملة عن نشاطات الشركة وكيفية عملها." وأضاف هذا الموظف بأنه فيما لو التقط أحد صورة لأي اجتماع أو تجمع داخل الشركة كان زامل يغادر المكان مباشرة، "ولم يكن يسمح لأحد بالاقتراب من هاتفه أو من جهاز الكومبيوتر الخاص به، أو أي شيء من هذا القبيل."

والمثير للانتباه أنه حتى في وثائق الشركة الداخلية، والتي تضمنت صفحة عن الإدارة العليا في الشركة، كان يحتفظ بصورة لكل واحد من المدراء فيما عدا زامل نفسه.

ويضيف الموظف السابق: "كنت أشك في قيامه بأعمال أخرى، وذلك ببساطة لأن الرجل الذي لا توجد لديه أسرار لا يحتاج لأن يتحرى السرية التامة في كل شيء. لو لم يكن لديه ما يخفيه لكان أكثر انفتاحاً على الآخرين. ظننت فعلاً أنه كان ضالعاً في عمليات أخرى."

الصلة بإسرائيل

إذا كانت شركة ويكيستارت تعمل في جمع المعلومات الاستخباراتية، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لمن تجمع هذه المعلومات؟

معظم ما نشر حتى الآن كان يركز على علاقة ويكيستارت بدولة الإمارات العربية المتحدة، فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً تقريراً حول اجتماع سري كان قد عقد في برج ترامب قبل ثلاثة شهور من الانتخابات الرئاسية عام 2016، وذكرت أن الاجتماع حضره دونالد ترامب الابن، وزامل وجورج نادر، مبعوث دولة الإمارات العربية المتحدة. وحينها جرت مقارنة هذا الاجتماع بذلك الاجتماع سيء الصيت الذي عقد في برج ترامب وحضره ترامب الابن وجاريد كوشنر وبول مانافورت ومحامي روسي على صلة وثيقة بالكرملين.

 

اقرأ أيضا: تفاصيل اجتماع ترامب الابن مع مبعوث الرياض وأبوظبي

ويقال بأن زامل سعى لإقناع ترامب الابن باستراتيجية للتلاعب بمواقع السوشال ميديا لمساعدة والده في كسب الانتخابات. وبعد أن نجح ترامب في الانتخابات، يقال إن نادر دفع لزامل مبلغاً ضخماً قد يكون وصل إلى 2 مليون دولار.

وفي ضوء التدقيق في ارتباطات زامل بدولة الإمارات العربية المتحدة، كان من الطبيعي أن تسلط التغطية الإخبارية على ذلك البلد. ولكن قد تكون ويكيستارت، في واقع الأمر، على علاقات أوثق بكثير مع إسرائيل.

وللعلم، زامل مواطن إسرائيلي، حاصل على شهادة الماجستير من كلية صغيرة نخبوية في هيرتزليا اسمها آي دي سي، عادة ما تقارن بمدارس آيفي في الولايات المتحدة. في تلك الكلية، درس زامل الحكم والدبلوماسية والاستراتيجية وتخصص في مكافحة الإرهاب وأمن الوطن.

وتؤكد الوثائق الداخلية التي اطلعت عليها صحيفة ذي ديلي بيست أن زامل يملك أيضاً نصيب الأسد من أسهم ويكيستارت – 86 بالمائة – بينما لا يتجاوز نصيب أكبر مالك في أسهم الشركة من بعده 6 بالمائة.

ورغم أن موقع ويكيستارت على الإنترنيت يذكر أن مقرها الرئيسي هو واشنطن، إلا أن الشركة حسبما يقول كادتك كانت تدار بالكامل من داخل إسرائيل طوال الوقت الذي كان يعمل هو موظفاً فيها.

ولقد أكد موظف سابق في ويكيستارت أن الشركة كانت تدار من داخل تل أبيب، وأن كل ما يوجد في واشنطن لا يتعدى مكتباً صغيراً لمتابعة شؤون المبيعات وتطوير الأعمال.

وأضاف: "كان يعرف الكثير جداً من الناس في إسرائيل، وكان من معارفه الرئيس السابق لمديرية المخابرات الإسرائيلية عاموس يادلين."

وبالفعل، وكما ورد في نسخة من رخصة ممارسة المهنة الصادرة عن فيرجينيا في عام 2015، دون كل واحد من مدراء ويكيستارت عنوانه في تل أبيب.

ويقول موظفون سابقون إن ثلاثة من الإسرائيليين شكلوا الأساس الذي تقوم عليه إدارة ويكيستارت، وهم: دانيال غرين، المدير التقني، وإيلاد شافير، مدير التشغيل سابقاً والذي أصبح الآن المدير التنفيذي، وزامل، مؤسس الشركة والذي كان حتى العام الماضي المدير التنفيذي فيها.

وقال موظف سابق: "هؤلاء الأشخاص كانوا على صلة وثيقة ببعضهم البعض والأمر لم يكن يقتصر على الجانب المهني."

وأضاف ذلك الموظف السابق: "ذات مرة دار حوار بيني وبين جويل وقلت له إحدى المشاكل التي ستواجهها، إذا كنت ستركز على عمل الحكومة الأمريكية، هو أنك ستقع في مشاكل كل يوم بسبب الصلة بإسرائيل. فقال ولكن لماذا؟ إنهم حلفاء رائعون."

ومضى يقول: "كانت تدور نقاشات كثيرة حول هذا الموضوع، وذلك أن الولايات المتحدة تضع إسرائيل على رأس قائمة الدول التي تقلقها نشاطاتها التجسسية."

ويرد في واحدة من الوثائق الداخلية التي اطلعت عليها ذي ديلي بيست اسم شاي هيرشكوفيتس بوصفه ضابط الأمن الأول ومدير المجتمع التحليلي داخل الشركة، ومن المعروف أن هيرشكوفيتس هو رائد سابق في وحدة التحليل الاستخباراتي، وهي وحدة نخبوية داخل جهاز المخابرات الإسرائيلي. كما تصف نفس هذه الوثيقة شافير بأنه ضابط سابق في مجال مكافحة الإرهاب داخل جهاز المخابرات الإسرائيلي.

وقال موظف سابق آخر: "كان إيلاد يشارك في مجموعة نخبوية جداً واختار من الأفراد الذين تناط بهم المهمات الحيوية جداً ... فيما يتعلق بالحرب الكونية على الإرهاب. وقد ساهم في بعض الأعمال مع نظراء له من الولايات المتحدة ممن كانوا يعملون داخل منطقة الشرق الأوسط للتعامل مع التهديدات الصادرة عن تنظيم القاعدة. إلا أن إيلاد كان ينأى بنفسه عن الأضواء."

لم يستجب شافير لطلب التعليق على الموضوع.

وقع فلين مباشرة في غرام جويل

يبدو أن زامل كان يرغب في ضم مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق، إلى المجلس الاستشاري للشركة، فتحدث معه زامل عن ذلك في العديد من المناسبات، وكان فلين يعكف حينها على تشكيل مجموعة فلين إنتيل التي لم يحالفها الحظ، حسب ما صرح به لصيحفة ذي ديلي بيست موظف سابق رفيع المستوي في ويكيستارت.

وقال المصدر: "لقد وقع فلين مباشرة في غرام جويل"

كما أكد موظف سابق آخر في ويكيستارت المعلومة التي تتحدث عن علاقة وثيقة بين زامل وفلين، وقال إن صديقاً مشتركاً هو آدم لوفنغر ساعد في تعريف زامل على العديد من المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون). ويذكر أن لوفنغر واحد من المحللين الاستراتيجيين في البنتاغون وعمل سابقاً محللا في مجلس الأمن القومي التابع لإدارة ترامب، ورشحه فلين لعضوية مجلس الأمن القومي، ويقال إن له علاقة بالمؤسسة التي أقامها فلين تحت اسم "فلين إنتيل غروب".

خضعت مؤسسة "فلين إنتيل غروب" فيما بعد للتحقيق من قبل المحقق الخاص روبرت مولر بخصوص دفعة بمبلغ 530 ألف دولار تلقتها من رجل أعمال مقرب من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

أخبر لوفنغر صحيفة ذي ديلي بيست بأنه قام فعلاً بتعريف زامل على المسؤولين في البنتاغون بعد أن جاء به إلى مكتب التقييم الإجمالي التابع للبنتاغون أحد قادة سلاح البحرية.

وأضاف لوفنغر: "أعرف جويل وأعرف مايك فلين، ولكني لا أعرف مدى ما بينهما من علاقة."

يبدو أن الذي عرف زامل على فلين كان بيجان كيان، نائب الرئيس السابق لمجلس إدارة شركة "فلين إنتيل غروب"، وذلك بحسب ما صرح به أحد المصادر، حيث كان كيان أحد الشركاء في "فلين إنتيل غروب" وكان وسيطاً في الحوارات التي تمت بين فلين وزامل.

لا فلين ولا كيان استجابا لطلب التعليق على الموضوع.

إلا أن محامي زامل، واسمه مارك موكاسي، قال في مكالمة هاتفية مع صحية ذي ديلي بيست إن جويل زامل لم يلتق بتاتاً بمايكل فلين. وعندما سئل عن علاقة زامل بكيان، أغلق موكاسي الهاتف، ولم يجب على الأسئلة الأخرى.

التعليقات (0)