اقتصاد عربي

هل تنجح الانتخابات اللبنانية في منع انفجار اقتصادي وشيك؟

خبير اقتصادي: كل الأزمات الاقتصادية سقطت من حسابات الطبقة السياسية سواء الحاكمة أو القادمة- جيتي
خبير اقتصادي: كل الأزمات الاقتصادية سقطت من حسابات الطبقة السياسية سواء الحاكمة أو القادمة- جيتي

يختار الناخبون اللبنانيون غدا الأحد، لأول مرة منذ 9 أعوام، ممثليهم في البرلمان المؤلف من 128 مقعدا، بناء على قانون جديد أعاد توزيع مقاعد البرلمان بين مجموعات طائفية وفقا لنظام تقاسم السلطة، بدلا من القانون القديم الذي يحسم فيه النتيجة من يفوز بأغلبية بسيطة.


ودعا وزير المالية اللبناني، علي حسن خليل، الحكومة الجديدة المقرر تشكيلها بعد الانتخابات النيابية، إلى وضع "أسس حقيقية لمحاربة الفساد وتطوير الأداء"، مشددا على ضرورة "إرساء قواعد جديدة للإنفاق تفرض على الجميع الالتزام بالأنظمة وبالشفافية في إدارة المناقصات من خلال الجهاز المركزي" المولج بها. 


وقال خليل إن "كل المؤتمرات التي تعقد وكل التقديمات والتسهيلات التي تعطى للبنان لا يمكن أن تحل مشاكله من دون مبادرة داخلية، تستهدف أولا تطوير الإدارة العامة والأنظمة والقوانين، ومن دون تفعيل أجهزة الرقابة والتفتيش والقضاء والالتزام بالأصول القانونية في التعاطي مع مسألة الإدارة وتجاوزات من يريد أن يتجاوز".


والسؤال الذي يطرح نفسه، إلى أي مدى سيساهم انتخاب 128 نائبا بالبرلمان، وتشكيل حكومة جديدة، في حل الأزمات المعقدة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني؟ وهل يحمل المرشحون أي رؤى جديدة لإنقاذ المواطن اللبناني من الأوضاع الطاحنة التي يعيشها المواطن اللبناني؟

 

كل المؤتمرات التي تعقد وكل التقديمات والتسهيلات التي تعطى للبنان لا يمكن أن تحل مشاكله

 

إعادة إنتاج الأزمة


الخبير الاقتصادي، والمدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات في بيروت، كمال حمدان، استبعد في تصريحات لـ "عربي21" أن تنعكس نتائج الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة جديدة بالإيجاب على إدارة الملفات الاقتصادية المتأزمة في لبنان.


ورجح حمدان أن تقتصر العملية الانتخابية على ترتيب البيت السياسي الحاكم في ضوء قانون جديد يرسخ للانقسام الطائفي، وينقل مستوى الصراع الدائر من المستوى القائم بين الأطياف المختلفة إلى داخل كل طيف، بحسب تعبيره، مؤكدا "منذ 20 عاما ونحن نعيد إنتاج الأزمة وننتقل كل عام من مستوى تفاقم الأزمة إلى مستوى أسوأ من هذا التفاقم".

 

اقرأ أيضا: حزب الله يحشد للانتخابات اللبنانية غدا.. والحريري يكافح

وأضاف: "في ظل هذا القانون لا أرجح حدوث أي تغيير اقتصادي مرتقب بمجيئ طاقم سياسي جديد، (قد تحدث بعض الخروقات)"، مشيرا إلى افتقار غالبية المرشحين لوجود رؤية تستهدف إدارة أزمة اقتصادية ومالية ونقدية واجتماعية بهذا القدر من التعقيد والخطورة الداهمة التي تواجه الاقتصاد اللبناني على كافة المستويات.

 

خدمة الدين العام تلتهم أكثر من 40% من واردات النظام الضريبي

 

اختلالات هيكلية


وأوضح حمدان أن الاقتصاد اللبناني يعاني من اختلالات هيكلية في بنيته الأساسية، وتراجع معدلات النمو، وعدم قدرة النموذج الاقتصادي الريعي على خلق فرص عمل للفئات المتوسطة والعالية التي لم تجد مفرا من الهجرة، ويتم استبدالها بجحافل من الأيدي العاملة الرخيصة المستوردة، إلى جانب أزمة النازحين السوريين. 


وتابع: "هناك أيضا خدمة الدين العام تلتهم أكثر من 40% من واردات النظام الضريبي، وهناك خلال للمرة الأولى متراكم منذ 7 سنوات في ميزان المدفوعات والميزان التجاري، وبطء في تنامي تحويلات اللبنانيين العاملين بالخارج، وهي كلها مؤشرات تشكل مصدر قلق كبير للوضع الاقتصادي الكارثي في لبنان، ويشكل ضغوطا كبيرة على سعر صرف الليرة اللبنانية أمم العملات الأجنبية، وما يترتب على ذلك من احتمالات العجز عن سداد تكاليف خدمة الدين المحرر بالعملة الأجنبية الذي يشكل أكثر من 50% من مجموع الدين العام".

 

اقرأ أيضا: ستاندرد آند بورز تخفض التصنيف الائتماني للبنان إلى (-B )

وأكد الخبير الاقتصادي خلال حديثه لـ "عربي21" أن نسبة مجموع المديونية اللبنانية للناتج المحلي الإجمالي تقترب حاليا من 200% (بديون إجمالية تقدر بنحو 100- 120 مليار دولار) وليس 150% كما تشير البيانات الحكومية التي تقدر المديونية بنحو 90 مليار دولار، وهي أعلى مستويات الدين العام في العالم.

 

ولفت إلى أن "لبنان منذ 20 عاما لم تنفق أكثر من 50 مليون دولار (أقل من 1% من الناتج المحلي ) على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والمرافق والخدمات العامة، ما جعلها مسرحا لدخول القطاع الخاص الذي يتسم بممارسات احتكارية، وهو ما أضر بشكل كبير بالطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تحصل منها الحكومة الضرائب".

 

اللبنانيون على استعداد للتضحية من أجل علاج المشاكل الوجودية التي يعانون منها منذ سنوات عديدة

 

سيناريو كارثي


وأشار إلى أن كل الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها المواطن اللبناني سقطت من ملفات وحسابات الطبقة السياسية سواء الحاكمة حاليا أو القادمة، مضيفا: "نحن بحاجة إلى طبقة سياسية بمواصفات تمكنها من وضع رؤية وخطة تنفيذية لبرنامج إصلاح اقتصادي شامل، وتكون قادرة على تنفيذها على أرض الواقع، مؤكدا أن لبنان مقبل على انفجار قريب لسيناريو اقتصادي كارثي يجب استباقه بالاتفاق على أجندة يتم توزيع فيها المنافع والأضرار على كافة اللبنانيين".

 

وحذر من أن يتحول البحث عن حلول لمنع انفجار السيناريو الكارثي إلى مجرد مناسبة يتحرر فيها ما وصفهم بـ "سمك القرش" (أصحاب المصالح) من كل الضوابط ويمعنون في الاستئثار بالثروة والسلطة والمنافع العامة.. الخ".


وقال حمدان إن "اللبنانيين على استعداد للتضحية من أجل علاج تلك المشاكل الوجودية التي يعانون منها منذ سنوات عديدة، وليس لديهم مانع من تطبيق برنامج تقشفي استباقي مدته عامان أو ثلاثة يضبط حسابات توزيع تكاليف المعالجات المطلوبة، ويعود بالنفع علي الطبقات المتوسطة والفقيرة".

التعليقات (0)