قضايا وآراء

حالة نجاح

عمرو عادل
1300x600
1300x600

هل فقد المجتمع المصري رغبته في التحرر؟


هذا سؤال ربما يرى البعض أن الإجابة عليه هي واجب اللحظة، وخاصة بعد ما تسمى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولا أدري إن كان السؤال الصحيح هو الموجود بالأعلى أم أن الأصح أن يكون هل فقد المجتمع المصري قدرته على التحرر. فقد تمتلك الرغبة ولكن القدرات لا تسمح بذلك، والخلط بين الاثنين يغير كثيرا من تحديد المسؤولية عن النتيجة، كما ينبغي قبل محاولة الإجابة أن نفرق بين الجماهير الغفيرة وبين من يفترض أنهم يتحدثون باسمهم.


من المشكلات الكبيرة التي تواجه الجماهير أن طبيعة النظام السياسي والإعلامي تقلل من فرص ظهور من يكون من داخلهم ويتحدث فعلا باسمهم، وهذا لا يعني أن المتحدث لا يعبر عنهم فعلا؛ ولكنها تعطي الفرصة للأنظمة للدفع بمن لا يعبر إطلاقا عما تريده الجماهير.


إذا نحن أمام جماهير عريضة وقطاعات قد نسميها نخبوية ليست في سياق واحد، وهذه القطاعات النخبوية هي من تصنع الصورة الذهنية التي تصدر للجماهير باسمهم، ومع قلة المنتمين فعليا لهذه الجماهير، والزيادة المنطقية في المتحدثين الزائفين نتيجة لسيطرة النظم الفوقية بكل أشكالها؛ تكون الصورة الذهنية المصدرة دائما هي عدم القدرة على الفعل والتحرر، وهناك من يتحدث مخلصا باسم الجماهير ولكنه يشترك في تصدير فكرة عدم القدرة؛ بل ويؤكد البعض –دون أي سند– عدم رغبة الشعب في التحرر.


وكان البعض يؤكد وجود الرغبة والقدرة؛ ولكن تحتاج إلى شكل ما من العمل لضبط المسارات لتحقيق نتيجة إيجابية باستخدام القدرات الشعبية الكبيرة للتحرك في مسار التحرر، كان هذا الجدل والذي أفقدنا الكثير من الوقت والجهد، وأدى – طبقا لاختلاف التصورات-إلى مشكلات متتابعة خلال السنوات الأربع الماضية.


ما حدث في الشهر الماضي فيما تسمى انتخابات الرئاسة أعتقد أنه كان ردا حاسما من الجماهير على هذا الجدل، وأكد وجود رغبة في التحرر بل وقدرة على الفعل الاحتجاجي السلبي، وقد تعيد إلى ذاكرتنا المشاهد المبهرة للجماهير بعد انقلاب يوليو والتي لم تكن فقط احتجاجا سلبيا؛ بل كان نضالا شعبيا كتب بالدماء كان ينبغي أن يؤكد لنا وجود رغبة كبيرة في التحرر، ولم نكن نحتاج إلى مسرحية انتخابية لنتأكد من ذلك.


لم تكن فقط أحداث المقاطعة الانتخابية الشهر الماضي مجرد رسالة شعبية وجماهيرية؛ ولكنها كانت حالة نجاح تطيح بأفكار مروجي اليأس ومصدري الإحباط، كما أن حالة الانفصال عن الواقع التي يعيشها النظام الانقلابي ورسمه صورة مضللة عن الإقبال الجماهيري الواسع على ما تسمى الانتخابات؛ تشير إلى اقتناعه بخروج الجماهير عن دائرة سيطرته، فهو لم يستخدم أدوات البطش معه لإدراكه استحالة فعل ذلك مع شعب من مئة مليون، واستخدم الدوائر المحيطة به والمنتفعة بوجوده لمحاولة رسم هذه الصورة، إلا أنه حقق فشلا ذريعا على مستوى الحقيقة على الأرض، ولكنه حقق نجاحا في عالمه الموازي الذي يصنعه لنفسه.


وأسوأ ما قد يفسد الصورة الزائفة الكبيرة هي صور حقيقة صغيرة، وما فعله أحد الشباب أمام إحدى اللجان –حتى وإن اختلف البعض معه– قد أزعج كل النظام وحشد أدوات بطشه الإعلامية والأمنية لمحاربة تلك الصورة الحقيقية، إن هذا الشاب أكد الرسالة، كما فعلت أيضا تلك السيدة التي سقطت مغشيا عليها أمام لجنة انتخابية بالإسكندرية من أجل خمسين جنيه، فهي لم ترسل برسالة تأييد للنظام في حالتها تلك، بل أخبرتنا أننا أصبحنا بعيدين، فلم تجد غير هذا الطريق لتحصل على خمسين جنيه وهي وحيدة؛ لعلها تستطيع بها البقاء على قيد الحياة عدة أيام أخرى.


على أي حال؛ أعتقد أننا وجدنا الإجابة؛ وهي أن الجماهير أعلنت أنها تمتلك القدرة على الفعل، ودور من يستطيعون الحديث باسمهم في المجالات الإعلامية المختلفة يجب أن يكون مبنيا على ذلك، وربما العودة إلى مسارات خاطئة بحجة عدم القدرة أو الرغبة قد تكون مثارا كبيرا للتساؤل.

1
التعليقات (1)
مصري جدا
الثلاثاء، 10-04-2018 08:01 م
باختصار شديد ،، الشعوب نتاج مؤسسات التربية والتكوين والتنشئة ،،، هذه المؤسسات منها ما هو مدرسي مثل المدارس والمعاهد والجامعات ،، ومنها ما هو لا مدرسي مثل الاسرة والمسجد والكنيسة والاعلام ومجموعة الاصدقاء واخيرا المناخ العام ،،، فاذا اردت ان تعرف شعبا فانظر اولا الى مؤسساته التربوية من حيث النجاح والفشل ،،، واذا وجدت شعبا ناضحا فاعلا فاعلم ان مؤسساته التربوية حية فاعلة متجددة ،،،، مؤسسات الدولة في مصر تحولت منذ عهد محمد على باشا الى مؤسسات نظام ليس للشعب فيها نصيب او اعتبار ،،، وكان الامل في ثورة يناير ان تعيد مؤسسات الدولة الى وضعها الطبيعي لكن الحلم اجهض بل تحول لكابوس ،،،،، هنا تخلت مؤسسات النظام عن دورها في البناء والتكوين ومع ذلك مازالت طاقة التغيير وارادة التحول موجودة في جينات الشعب المصري رغم المحاولات المضنية من انظمة الحكم في تلويث الجينات الوراثية لتكون جينات العبودية وليست جينات التحرر ،،، ويبقى واجب استكمال البناء والمحافظة على الموروث الجيني المتحرر مسؤلية النخبة ومؤسساتها من احزاب وجمعيات ونقابات وتنظيمات وحركات ،،، نعم المناخ العام مغلق وهنا وجب ظهور نماذج وانماط اعداد وبناء متطورة تناسب طبيعة الاجواء وحجم الهدف وهو النضال السلمي لاستعادة المسار الديمقراطي الوليد لثورة يناير والذي يحاول العسكر قتله في المهد

خبر عاجل