قضايا وآراء

بيض الإخوان وسلَّة أردوغان

عبد الرحمن أبو ذكري
1300x600
1300x600

ليس العجيب أن يرى الإسلاميون المتصدِّرون في أردوغان مُخلِّصا ومهديّا مُنتظرا، فقد رأى هذا الجيل وآباؤه مثل ذلك وأكثر في السفاح ضياء الحق حين انقلب على ذو الفقار علي بوتو. وطبَّل أكثرهم تطبيلًا سفيها مُبتذلا لمهاتير محمد حتى انقلب على أنور إبراهيم.

 

صحيح أن التجربة أثبتت أن استقامة أردوغان الأخلاقية لا تقارن بهؤلاء، إلا أن افتراض دوام شهر عسل الأيديولوجيات "الإسلامية" مع النظام التركي هو مجرد وهم يُشبه الغرق الإخواني الساذج في "شهر العسل السعودي"، الذي بدأ مع فيصل بن عبد العزيز (عدو عبد الناصر) وانتهى في حرب الخليج الثانية (حين اصطنعت السعودية الطائفة المدخلية)، إذ صارت السعوديّة من حينها أعدى أعداء الإخوان وجمهرة الإسلاميين الذين دعمتهم قبل المداخلة.

 

وإذا كان شهر العسل مع النظام السعودي، الذي ادَّعى منذ اللحظة الأولى تمثيله للإسلام؛ قد انتهى بعد عقود ثلاثة بصفعة مؤلمة للإخوان المسلمين، فهو أولى بالانتهاء بأسرع مما يتخيلون مع نظامٍ راسخ ابتداء في عدم ترحيبه أصلًا بمظاهر الإسلام في المجال العام.


الخلاصة أن سياسة النظام التركي المشوبة بعناصر وديباجات "إسلامية"، منذ وصول العدالة والتنمية للحكم؛ تعتمِد على عنصر أخلاقي وعاطفي في موقف أردوغان، عنصر شخصي؛ وليست مكونًا حزبيًّا أصيلًا ولا عنصرا استراتيجيّا مُترسخا في سياسات الدولة ووجهة مؤسساتها. مما يعني أن شهر العسل مع الإسلاميين مرهون بوجود أردوغان شخصيًا، وبعض قيادات حزبه. أما لماذا أطرح هذا الموضوع الآن؛ فالسبب الرئيس هو التماس العبرة من التاريخ. فلا دعم ولا حلفاء يدومون في عالم السياسة الحديث. ومن الأفضل أن يبدأ الإسلاميون بتطوير رؤية لما سيكون عليه حالهم ونشاطهم بعد عقد من الآن، خصوصًا إذا اختفى أردوغان من المشهد سواء بالوفاة أو بالانتخابات. ومن الخير لهم أن يدرسوا ذلك ويحسبوا عاقبته وهم في سعة من أمرهم، بدل أن يفعلوه مُضطرين مطاردين مخذولين، وقد تبدَّل الحال وتحطَّم كل البيض في السلة القلقة، وقلَّبت لهم الدولة التركية ظهر المجن.


السؤال الرئيس الذي يثيره هذا العصف الذهني، ويصِح أن تُختَم به هذه التذكِرة السريعة؛ هو سبب تعلُّق الحركات والأحزاب الإسلامية "القُطرية" بدعم دول ما بعد كولونيالية حتى تقوم بالحد الأدنى من "واجباتها"، هذا إن كانت بالفعل تضطلع بواجباتها بسبب هذا الدعم وكنتيجة له. وعندنا أن لهذا التعلُّق سببين مُتصلين: أولهما صيرورتها حركات وأحزاب قُطرية علمانية الرؤية والخطاب، مع تدثُّرها ببعض الديباجات الإسلامية عند اللزوم (للاستهلاك التنظيمي)؛ وثانيهما ما ترتب عليه من تغييبها للبُعد العالمي الذي تقتضيه دعوة الإسلام، حتى إن كان لها ما يُسمى بـ"تنظيم دولي"؛ فهو في نهاية الأمر بنية مخصيَّة أشبه بالجمعية الخيرية، تقع في دولة غربية، وتخضع خضوعًا مباشرًا للسُلطة الكولونيالية التي تقع على أرضها وتحكم تحركاتها وتحد من آفاقها. 


من جهة أخرى، فإن الحركة الإسلامية هي بالأصل نظام عالمي يتكون من لبنات/مجتمعات محلية (وليست تنظيما حزبيّا داخل المجتمع)، لكنها حين تتنازل عن هذا البُعد لصالح النظام العالمي الغربي، وتتماهى مع لبناته وتُدمج في بنيته المُمثلة في دوله الكولونيالية ودوله ما بعد الكولونيالية، سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا واستخباراتيّا؛ فهذا يعني أنها قد تخلَّت عن رسالتها كحركة إسلامية وتشظَّت إلى أحزاب قُطريَّة وشيع علمانية تتخبط بتنظيماتها في تيه الشتات الغربي والعربي، ولن تُغني ولن تُسمن من جوع، وإن ظل أفرادها أتقياء يُصلون ويصومون!


وإذا انبرى مُدافِع قائلا بأن ما يدفع مُنتسبي الحركات الإسلامية اليوم لذلك المصير البائس إنما هو فرارهم المستمر والدائم من الاضطهاد، في مصر وكثير من الأقطار العربية، بما أن الأنظمة التي تتابعت على الحكم في هذه البلدان أنظمة فاشية دموية؛ فجوابنا أنه يعني أيضا أن الفارين مجرد حفنة من الحزبيين العلمانيين الفاشلين. إذ أنهم بغير رأس مال اجتماعي ولا حاضنة شعبية حقيقيَّة بعد أربعة عقود من العمل الحركي والدعوي (المفترض!!)، وبدون مواجهات صفرية مع الدولة، خصوصا الإخوان وأكثر التيارات المسيَّسة في مصر؛ منذ دمجهم السادات في نظامه وطوال عهد خلفه مبارك الذي استمر في نفس السياسة. وإنما أنفق أكثرهم عمره يُطنطن في المعارِك الانتخابية بإذن من الأجهزة الأمنية، وتجاهلوا بالكُليَّة واجبهم الدعوي الذي يخلِق الحاضنة الشعبيّة والحماية الاجتماعيَّة؛ فبددوا جهد جيل كامل من عُمر الحركة الإسلاميَّة في لغو لا طائل تحته، وكان مآل هذا المسار هو الخُذلان، نعوذ بالله منه.

التعليقات (6)
اينشتاين
الأحد، 15-04-2018 02:22 ص
قلت : " نظامٍ راسخ ابتداء في عدم ترحيبه أصلًا بمظاهر الإسلام في المجال العام." . هل تستكثر على تركيا الجديدة على طريق التفوق الحضاري أن يكون فيها " وازع القرآن " أقوى من " وازع السلطان " ؟
اينشتاين
الأحد، 15-04-2018 02:08 ص
هل تستطيع أن تثبت أن المجتمع التركي رفقة أردوغان هو صورة طبق الأصل لما تصفه أو تعبر عنه بلنموذج الحزبي الطهوري ، كونه حلقة ضمن الحركات الإسلامية التي عبرت عنها بالكيانات المغلقة أو الكيانات الطوباوية ، ما المانع أن تكون تركيا الجديدة على طريق التحول مجتمعا ربانية يسع المجاهدين والقاعدين والضعفاء والمنافقين ؟ خصوصا أن أردوغان لم يصدر منه ما من شأنه أن يفرق بين تركي وآخر على أساس مظهره العام( تنقية الصف كما يفعل الحزبيون ) والملاحظ أنك تفضل أن يكون أردوغان متشبعا بما هو مكون حزبي كعنصر غالب في علاقته بمفاصل الدولة ، من أن يكون مكونا أخلاقيا روحيا وفكريا يسع الأفق العام ، هل يمكن أن تفسر رؤيتك هذه خصوصا أنك تميز كثيرا بين الحركة الإسلامية والحركات الإسلامية ، أو بين مجتمع الأفق ـ المجتمع المثال أو المجتمع الرباني ـ من جهة ، والمجتمع الطهوري أو الحزبي الطوباوي ؟
مهند
الأحد، 01-04-2018 11:48 ص
رغم أن الكلمات لاذعة إلا أن المقال يحوي فائدة ولكن بداية المقال مقدمة خاطئة وغير علمية بالمقارنة غير العادلة بين " أردوجان" وكل من "ضياء الحق ومهاتير محمد" وحصر الفارق فقط في (الاستقامة الأخلاقية) وكأنه نسي أو تناسي اختلاف التأثير والفاعلية من النواحي الجغرافية والسياسية والايدلوجية والزمنية وغيرها. اضافة إلى تعمد كاتب المقال إلى التقليل من شأن جهود الإسلاميين (المتصدرين) لاسيما الإخوان ووسمهم مرة بالسذاجة والتطبيل (السفيه المبتذل) وهذا ينفي وصف العلمية والموضوعية عن المقال. كما أن سياسة أردوجان ليست متعلقة بشخصه (أو عاطفته) بقدر ما كونها استراتيجية وضعها أردوجان ورفاقه لتسيير تركيا الحديثة صحيح أن (شخص أردوجان) يشغل حيزا كبيرا في الصورة الظاهرة، ولكن من البين لكل ناظر أن هناك أشخاص كثر معظمهم يمثلون قيادات وكوادر تقف في ظل الصورة.
احمد
الأحد، 01-04-2018 08:03 ص
والله قرفنا هتكرهونا في كل حاجة
مصري جدا
الأحد، 01-04-2018 12:02 ص
بعيدا عن البيض والسلة في ظل زيادة الاسعار والتكلفة ،،، الاخوان في مرحلة ليس امامهم خيارات ،، هم في مرحلة المحافظة على مجرد حقهم في الحياة ،،، الاخوان ليس امامهم ترف الاختيار بين اردوغان وغيره ،، فقد ضاقت عليهم الدنيا بما رحبت لكنهم يثقون بالله ولا يظنون به الظنونا ،،، اللهم فرج كرب كل مكروب