حقوق وحريات

القضاء يبرئ مواطنا اتهم بارتكاب "أمر موحش" ضد السبسي

إن تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية أداة لتصفية المعارضين في تونس- أ ف ب
إن تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية أداة لتصفية المعارضين في تونس- أ ف ب

في حكم قضائي اعتبره كثير من الحقوقيين انتصارا جديدا للديمقراطية وحرية التعبير في تونس، وحجة على استقلالية القضاء التونسي بعد الثورة، استطاع ناشط سياسي تونسي أن يكسب قضية رفعت ضده بتهمة "ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية" الباجي قائد السبسي.


 وقضت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس منذ أيام، بعدم سماع الدعوى لفائدة الناشط  السياسي وأحد أعضاء روابط حماية الثورة سابقا عماد دغيج، في قضية ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية.

 

وتعود أطوارها إلى  سنة 2016، حين نشر الناشط السياسي عماد دغيج فيديو عبر صفحته الرسمية على فيسبوك، انتقد خلاله مقترح السبسي حول قانون المصالحة الاقتصادية الذي يعطي بموجبه عفوا لمسؤولي ابن علي من سياسيين وموظفي دولة، تورطوا سابقا في قضايا فساد مالي وجرائم اقتصادية واستغلال نفوذ، وهاجم خلالها دغيج رئيس الجمهورية ذاكرا إياه  بالاسم، مصرحا بأن تونس ليست بيت أبيه "تونس ماهيش دار بوك" باللهجة العامية. وهي الكلمة التي استفزت رئيس الجمهورية ومستشاري الرئاسة، بحسب ما يقول الناشط ومحاموه وتحركت على إثرها  الشرطة العدلية والنيابة العمومية.

 

وكانت المحكمة نفسها قد قضت غيابيا بالسجن ضد دغيج، في القضية ذاتها لمدة سنة، غير أنه اعترض على الحكم واستأنفه، حيث اعتبر محاموه أن ما صدر عنه من تدوينات عبر صفحته الشخصية على فيسبوك، لايرتقي لارتكاب عمل موحش ضد الرئيس ويتنزل ضمن حرية التعبير.

 

وفي تعليقه على الحكم  القضائي بالبراءة الصادر بحقه، عبر دغيج في تصريح لـ"عربي21"  عن سعادته بما أسماه بنزاهة واستقلالية القضاء التونسي بعد الثورة، وعدم خضوعه لأي إملاءات سياسية، مضيفا: "اليوم يستوي رئيس الجمهورية مع المواطن التونسي البسيط أمام القضاء، وكنت متفائلا بأن القضاء سوف ينصفني لأني عبرت عن رأيي بكل حرية، في إطار ما يكفله لي القانون والدستور لما بعد الثورة ".

 

بدوره اعتبر المحامي سيف الدين مخلوف أحد موكلي الناشط السياسي، أن قرار القضاء يعد انتصارا لمكسب حرية التعبير في تونس بعد الثورة، وبأن ما جاء على لسان موكله خلال الفيديو محور القضية لايعدو أن يكون مجرد رأي لمواطن تونسي عادي، في إطار حرية التعبير المكفولة بالدستور من قرار سياسي لرئيس الجمهورية بخصوص قانون المصالحة الاقتصادية المثير للجدل.

 

وأضاف لـ "عربي 21": رئاسة الجمهورية حركت الشرطة العدلية للتحقيق في مضمون التدوينة التي نشرها موكلي، ثم تم إصدار حكم غيابي بسنة سجنا له، رغم أنه لم يتسلم أصلا استدعاء بحضور الجلسة للغرض، وقمنا بعدها باستئناف الحكم الصادر ضده وتمت تبرئته".

 

وترى العديد من المنظمات  الحقوقية في تونس، أن تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية الواردة بالفصل 67 من المجلة الجزائية -الصادرة سنة 1913 ولاتزال أغلب فصولها سارية المفعول حتى اللحظة- أداة لتصفية الخصوم والمعارضين السياسيين في البلاد، وسط دعوات إلى تنقيح هذا القانون ليتماشى مع متغيرات العصر.

 

ويفرض الفصل 67 عقوبة السجن ثلاثة أعوام نافذة على "كل من يرتكب أمرا موحشا (إهانة) ضد رئيس الدولة" 

 

وفي هذا الإطار، يؤكد كاتب عام مرصد الحقوق والحريات بتونس مالك بن عمر لـ"عربي21"  أنه  "بالرغم من التغيير الجذري للواقع السياسي في تونس بعد الثورة وتحسّن واقع الحريات، لايزال هذا القانون يمثل اعتداءا صارخا على حرية التعبير، ومواصلة لتقديس شخص الرئيس بحمايته بنص جزائي خاص".

 

وشدد على أن هذا الفصل لم يكن مستعملا في عهد المخلوع ابن علي بالرغم من مناخ الدكتاتورية آنذاك، وحرص المسؤولون في الحكم حينها على انتقاء فصول قانونية بعينها ليتم تلفيقها للمعارضين السياسيين بهدف تكميم أفواههم، داعيا في الآن ذاته إلى ضرورة التخلي عن هذا القانون في بلد بدأ يشق طريقه نحو الديمقراطية.

 

وذهب ابن عمر لاعتبار الحكم القاضي بعدم سماع الدعوى بخصوص تهمة ارتكاب أمر موحش ضد رئيس الجمهورية الموجهة لعماد دغيج، بأنه "حكم منصف ومتناسق مع روح الثورة ومقتضيات المرحلة، ومؤشر على تعافي السلطة القضائية في تونس من سياسة الإملاءت والضغوطات، التي كانت تسلط على رقاب القضاة ". على حد وصفه.

 

يشار إلى أن التهمة نفسها وجهت سابقا لنشطاء وسياسيين معارضين وإعلاميين تم سجن بعضهم ثم أطلق سراحه، على غرار الإعلامي التونسي معز بن غربية الذي وجهت له النيابة العمومية في 2015 تهمة إهانة الرئيس برفقة كوميدي شاب، برع في تقليد أصوات المشاهير وبينهم صوت الرئيس التونسي، ووجهت لهم بالتوازي تهمة التحيل. كما أدينت في 2016 ناشطة تونسية مقيمة في إيطاليا تدعى سلوى العياري بالتهمة ذاتها وتم تغريمها بمبلغ من المال، ولاتزال في 2018 قضية مرفوعة ضد النائب عن دائرة ألمانيا ياسين العياري المنضم حديثا لمجلس الشعب، حيث يقول محاموه إنه تم توجيه  التهمة ذاتها من قبل رئاسة الجمهورية لموكله، الذي من المنتظر أن يواجه الحكم إبان عودته القريبة إلى تونس لأداء القسم كنائب عن مجلس الشعب.

 

ونفت رئاسة الجمهورية في أكثر من مرة علاقاتها بتتبع نشطاء أو إعلاميين بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، أو بتحريك الدعوى لدى الجهات القضائية.

التعليقات (0)