هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهدت القاهرة مؤتمرين كبيرين الأربعاء، غاب عبد الفتاح السيسي عن الأول، وهو "مؤتمر القدس"، رغم أهمية القضية وطبيعة ومستوى الحضور فيه، بينما حضر الثاني، وهو مؤتمر بعنوان "حكاية وطن"، مع مجموعة من المسؤولين المحليين والشباب، لعرض "إنجازاته" خلال 4 سنوات، تمهيدا لانتخابات الرئاسة.
ورغم أن مؤتمر القدس بدأ صباح الأربعاء، بقاعة الأزهر وينتهي الخميس، في حين بدأ مؤتمر "حكاية وطن" الخامسة عصرا ويستمر لثلاثة أيام في أحد الفنادق الكبرى، إلا أن السيسي لم يشارك في مؤتمر الصباح وشارك في مؤتمر المساء، ليثير حالة من الجدل حول غيابه رغم ما يعلنه نظامه من اهتمام بملف وقضية القدس المحتلة.
ومؤتمر القدس، ينظمه الأزهر الشريف للرد على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باعتبار القدس "عاصمة لإسرائيل"، بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين ومشاركة 86 دولة، وحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وبابا الإسكندرية تواضروس الثاني، وأمين منظمة التعاون الإسلامي يوسف بن أحمد العثيمين، إلى جانب حاخامات يهود معارضين للسياسات الإسرائيلية والأمريكية بشأن القدس الشريف.
وفي كلمة قوية لشيخ الأزهر، أثارت مشاعر ملايين المتابعين بمواقع التواصل عبر هاشتاغ (#الأزهر _ لنصرة _ القدس)، الذي أصبح الأكثر تداولا بعدد من دول العالم وشارك فيه أكثر من 214 مليون شخص.
كلمة الطيب دعا فيها إلى أن يكون "2018 عام نصرة القدس"، وقال إن "البعض يعتقد أن المؤتمر لا يضيف جديدا للقضية، لكنه يدق ناقوس الخطر والتصدى للعبث الصهيوني والمدعوم من السياسات المتصهينة".
ووصف ما آلت إليه قضية فلسطين من "تعقيدات السياسات الجائرة والقرارات غير المسؤولة"، في إشارة لسياسات دولة الاحتلال وقرارات أمريكا.
وأشار إلى عودة دور الأزهر بقضية فلسطين بعد غياب 30 عاما منذ آخر مؤتمر احتضنه الأزهر، وقال إن "مُؤتمرنا اليوم، قد يشعل ما عساه قد خبا وخمد من شُعلَة العَزم والتصميم، وإجماع العرب والمسلمين والمسيحيِّين وعُقلاء الدُّنيا وشُرَفائها على ضرورة الصُّمُود أمام العبث الصهيوني الهمَجِي، والذي تدعمه سياسات دولية، ترتعد فرائصها إنْ هي فكَّرت في الخروج قيدَ أنمُلَةٍ عمَّا يرسمه لها هذا الكيان الصهيوني والسياسات المتصهينة".
وأضاف: "أعتقد اعتقادا جازما، أن كل احتلال إلى زوال إن عاجلا أم آجلا، وأنه إن بدا اليوم وكأنه أمر مستحيل إلا أن الأيام دول، وقص الطيب تاريخ الدول الظالمة التي انهارت، وقال: "اسألوا كل هؤلاء لتعلموا -من جديد- أن الزَّوال هو مصير المُعتدين، وكل قُوَّة مُتسلِّطة".
وفي فقرات سريعة وحادة وقوية دعا الطيب المسلمين لامتلاك القوة، وقال إن "حقيقة زوال الدول الظالمة مقرونة بحقيقة أخرى تسبقها وتعد لولادتها، وأعني بها امتلاك القوة التي ترعب العدوان وتكسر أنفه وترغمه أن يعيد حساباته، ويفكر ألف مرة قبل أن يُمارس عربدته وطغيانه واستهتاره واستبداده".
وأكد في الوقت ذاته، أن "المسلمين رغم ذلك؛ دعاة سلام، لكنه السلام القائم على العدل وعلى الاحتِرام، وعلى الوفاء بالحقوق التي لا تقبل بيعا ولا شراء ولا مساومة، سلام لا يعرِف الذلة ولا الخنوع ولا المساس بذرة من تراب الأوطان أو المقدسات.. سلام تدعمه قوة علم وتعليم واقتصاد وتحكم في الأسواق، وتسليح يمكنه من رد الصاع صاعين وبتر أي يد تحاول المساس بشعبه وأرضه".
ودعا الأمة إلى الوحدة، وأشار إلى أن "العدو الصهيوني ليس هو من ألحق بنا الهزيمة في الـ48 أو الـ67 أو غيرهما من الحروب والمناوشات، وإنما نحن الذين صنعنا هزيمتنا بأيدينا، وبخطأ حساباتنا، وقصر أنظارنا في تقدير الأخطار، وتعاملنا بالهزل في مواطن الجد، وما كان لأمة موزعة الانتماء، ممزقة الهوية والهوى أن تواجه كيانا يقاتل بعقيدة راسخة، وتحت راية واحدة.
وأشار الطيب إلى المخطط الذي قد يطيح بمستقبل الأمة، وقال: "وإن نظرة على ما يدبر لهذا الوطن على شواطئ الأطلسي، ومداخل البحر الأحمر وشواطئ شرق المتوسط، وامتداداتها، في اليمن والعراق وسوريا؛ لجديرة بالتنبيه إلى أن الأمر جلل".
وقال: "علينا ألا نتردد في التعامل مع قضية القدس من المنظور الديني: إسلاميا كان أم مسيحيا".
حرج أمام داعميه
وفي تعليقه على كلمة الطيب، أكد الإمام لدى المركز الثقافي الإسلامي في إيرلندا، الشيخ حسين حلاوة، أن "موقف الأزهر من قضية القدس موقف شرعي؛ يتناغم مع مكانته"، مستدركا بالقول: "إن كنت أراه فما زال دون مكانة الأزهر".
وقال لـ"عربي21" إنه "برغم ما يمكن أن يقال من سلبيات حول مواقف الأزهر تجاه بعض القضايا الداخلية والخارجية، فإن موقفه من القدس التي لا خيار له سوى أن يقف معها ويناصرها بقوة، مختلف".
وعن موقف النظام من المؤتمر، قال: "إن كان الأزهر لا يستطيع أن يقيم مثل هذه المؤتمرات دون الإذن والموافقة؛ فإن النظام أراد أن يدفع عن نفسه آثار التسريبات على الشعب"، مؤكدا أن "رأس النظام لم يحضر حتى لا يحرج أمام داعميه من الصهاينة وساكني البيت الأبيض".
تحصين الطيب يحميه
وقال الكاتب الصحفي في "الأهرام" عماد أبو زيد، قال إنه "باختصار، فإن السيسي ولا أي مسؤول في حكومته سيشارك في أي شيء بخصوص ملف وقضية القدس على الإطلاق، ولذلك لا تجد أي مسؤول مصري يشارك رسميا في المؤتمر"، وفق قوله.
وحول كلمات شيخ الأزهر التي عدّت "قوية" ورسائل غير مسبوقة، أكد أبو زيد، في حديثه لـ"عربي21"، أن "موقف شيخ الأزهر معاكس تماما للموقف الرسمي منذ اندلاع أزمة القدس"، مشيرا إلى "أن هناك خلافا كبيرا مع شيخ الأزهر في هذا الشأن".
ومواقف الطيب بدت واضحة منذ إعلان ترامب، حيث أعلن رفضه مقابلة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، بالقاهرة في 20 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ثم أدان الثلاثاء، منع الاحتلال الإسرائيلي خطيب المسجد الأقصى يوسف سلامة، من العبور إلى مصر للمشاركة في المؤتمر.
وأوضح أبو زيد أن السلطة لا تستطيع عمل شيء بمقابل مواقف الطيب بهذا الملف، قائلا إن "منصب شيخ الأزهر محصن بالدستور، ولا يمكن عزله تماما مثل تحصين منصب وزير الدفاع صدقي صبحي لمدة 8 سنوات.. ولذا لا يستطيع النظام أن يتخذ موقفا معه حتى اللحظة".
وعلق وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان، على غياب السيسي بقوله عبر "فيسبوك" بالقول: "غاب عن مؤتمر الأزهر لنصرة القدس، فلا يعنيه الإسلام ولا الأزهر ولا الأقصى ولا فلسطين"، على حد تعبيره.
الجدير بالذكر، أنه تم تصميم ديكور خاص للمؤتمر، بحيث يعطي شعورا للمشارك وكأنه داخل المسجد الأقصى وخلفه قبة الصخرة، حيث إن الخلفية على المنصة الرئيسة والجدران وكذلك اللوحة العريضة في الجدار الخلفي للطابق الثاني في مواجهة المنصة كلها استهدفت إعطاء هذا الانطباع، وفقا لما سرده مشاركون.