قضايا وآراء

محاضن العنف والسلام في سيناء

هاني بشر
1300x600
1300x600

أتت مجزرة قرية الروضة بشمال سيناء؛ كحدث فارق على مستوى أعداد الضحايا من المدنيين وعلى مستوى نوعية الهدف المستهدف، وهو مسجد عادي وقت صلاة الجمعة. وبعيدا عن مجال المقارنات بين رد فعل السلطة على هذه المجزرة، مقارنة بأحداث عنف مفصلية أخرى، مثل حادث الواحات قبل أسابيع، والذي قتل فيه عدد كبير من ضباط الشرطة، إلا أن هناك عدة نقاط هامة تحتاج لتوضيح ووضع هذا الحادث في سياق جغرافي وسياسي أوسع.

النقطة الأبرز هي أن المتابع للأخبار الآتية من سيناء يدرك أن هناك جنوبا ينعم بدرجة عالية من الاستقرار الأمني، لدرجة أن عبد الفتاح السيسي أقام فيه عدة مؤتمرات دولية (في مدينة شرم الشيخ)، تشارك فيها وفود رسمية وغير رسمية، مثل المؤتمر الاقتصادي الدولي، وكان آخرها منتدى الشباب الدولي قبل أسبوعين، تحت شعار من أجل السلام.

شرم شيخ مدينة تقع في جنوب سيناء. وكما هو معروف، فإن شبه جزيرة سيناء تنقسم إلى محافظتين، إحداهما هي شمال سيناء والأخرى هي جنوب سيناء. والسؤال هنا: لماذا تفلح الأجهزة الأمنية في تأمين وفود دولية في جنوب سيناء، ولا تستطيع أن تحمي حتى المدنيين العاديين من العنف في شمال سيناء؟

إن معظم عمليات العنف الدائرة منذ فترة تتركز بشكل رئيسي في الجزء الشمالي الغربي من سيناء، الذي يضم بشكل رئيسي مدينتي رفح والعريش والشيخ زويد والحدود مع قطاع غزة، أي أن معارك الجيش والشرطة مع الجماعات المسلحة ليست منتشرة في شبه الجزيرة بالكامل. ومع ذلك، لم تستطع القوات المصرية أن تجعل المعارك محصورة في هذا المربع، وامتدت الآن، مع هذه العملية الأخيرة، للقسم الشمالي الشرقي من سيناء، حيث قرية الروضة التابعة لمركز بئر العبد، الأمر الذي يعني أن العنف الممنهج ضد المدنيين يزحف شرقا باتجاه مناطق التمركز السكاني في الدلتا والوادي، من دون أفق واضح لوقف هذا العنف، أو على الأقل محاصرته جغرافيا في مناطق محددة. والمنطقة الأخطر استراتيجيا في جهة الشرق هي قناة السويس، بكل ما تمثله من أهمية اقتصادية وسياسية كممر مائي دولي.

من الجدير بالذكر هنا أيضا أن هذا التمدد يتم من دون وجود محاضن شعبية لجماعات مثل ولاية سيناء أو غيرها، بخلاف الحال في دول مجاورة تشهد مظاهر استقطاب عسكري مسلح. ويعود هذا بشكل رئيسي إلى قلة عدد سكان شمال سيناء نسبيا، ولتاريخ مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي. أي أن العدو بالنسبة لهم واضح تاريخيا، رغم محاولات التنظيمات المسلحة تجنيد أبناء القبائل ضد الجيش المصري؛ بسبب المظالم التي يتعرضون لها والتهميش المستمر، ونجاحها المحدود في ذلك على مستوى بعض الأفراد. وتشير التقديرات المختلفة إلى أن أعداد المسلحين هم نحو ألف شخص. فلماذا يخفق الحل الأمني مع مجرد ألف مسلح؟

 

نقطة البدء الأولى في إزالة الغموض هي توافر المعلومات التي تحجبها السلطات المصرية بقصد. فليس هناك عذر لهذا التعتيم الكامل على أخبار سيناء، ومنع الصحفيين من الدخول


ليس خافيا أن إسرائيل شريك في المعارك الدائرة في سيناء، تحت ستار المساعدة الأمنية للجيش المصري، وأن التنظيم يستهدف إسرائيل أيضا، وبالتالي تريد أن تساهم في محاربته. وهنا سؤال مشروع يتعلق بشكل التنسيق المصري الإسرائيلي في هذه المعارك، وحجم المعلومات التي لدى إسرائيل عن هذه التنظيمات المسلحة، مع الأخذ في الاعتبار أن إسرائيل كانت دول احتلال؛ خاضت مع مصر حربا لانتزاع هذه الأرض وضمها للكيان الصهيوني.


كل هذه نقاط غامضة تحتاج لتوضيح؛ قبل الوصول لأي تحليل دقيق لفهم ما يجري من عنف في شمال سيناء، بعيدا عن الإجابات السهلة التي تنتهي عند إدانة النظام المصري وطريقته في التعاطي مع هذه الملفات، أو اعتبار أن العنف المنفلت للجامعات المسلحة حادث عرضي منفصل عن السياقات المحلية والإقليمية المختلفة. فكل هذه الإجابات هي مبتدأ التحليل وليس منتهاه؛ لأن المعادلة معقدة. ونقطة البدء الأولى في إزالة هذا الغموض هي توافر المعلومات التي تحجبها السلطات المصرية بقصد. فليس هناك عذر لهذا التعتيم الكامل على أخبار سيناء، ومنع الصحفيين المحليين والدوليين من الدخول إلى هناك.

التعليقات (0)