هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للباحث غرانت راملي، حول تهديد إدارة دونالد ترامب إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، إن لم توقف المنظمة حملتها في محكمة الجنايات الدولية، وتوافق على المشاركة في عملية السلام التي سيعلن عنها قريبا.
ويقول الكاتب إن "المنظمة أعلنت ردا على ذلك أنها ستوقف اتصالاتها بالمسؤولين الأمريكيين كلها، ومع أن الفلسطينيين انضموا إلى محكمة الجنايات الدولية قبل أكثر من عامين -ولا زالوا لم يخوضوا قضية واحدة ناجحة ضد شخص إسرائيلي- إلا أن كلام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، حيث دعا محكمة الجنايات الدولية إلى فتح تحقيق ومقاضاة مسؤولين إسرائيليين، كان أكثر مما تستطيع إدارة ترامب تحمله".
ويشير راملي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن هذه الأزمة تأتي في وقت حساس، حيث يأمل البيت الأبيض بأن يعيد إطلاق مفاوضات السلام قريبا بحسب برنامج سيتم الإعلان عنه، وهو برنامج يأمل أن يستفيد من العلاقات المتنامية لإسرائيل مع العالم العربي الأعرض.
ويفيد الكاتب بأن "أحد العناصر المهمة في التركيبة الإقليمية بالنسبة للعالم العربي هو التقدم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسواء كانت هذه الأزمة الأخيرة مجرد تحرك بيرقراطي أو محاولة للضغط على الفلسطينيين للقبول بخطط البيت الأبيض، فإن رد عباس هو ذاته، وهو أنه سيقاوم الضغط الخارجي، ويصر على موقفه، ويكثف من حملته الدولية".
ويقول الباحث: "لطالما نظر المسؤولون الأمريكيون إلى هذه الحملة الدولية، التي تعد محكمة الجنايات الدولية جزءا مهما منها، على أنها أمر مزعج، وكانت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة آنذاك سوزان رايس قد علقت عندما تمت ترقية الوضع الدبلوماسي للفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 قائلة: (سيفيق الفلسطينيون غدا ويرون أن القليل في حياتهم قد تغير، عدا عن احتمال سلام متين قد تراجع)، وحتى أن بعض الفلسطينيين رأو أن حملتهم ينقصها الثقل الدبلوماسي، فقد اشتهر أن رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض، كسر يده وهو يضربها على الطاولة لعدم موافقته على الخطة".
ويجد راملي أنه "مع ذلك فإن مطالبة ترامب للفلسطينيين بوقف حملتهم أو مواجهة إغلاق مكتبهم في واشنطن -دون خطة صلبة لمفاوضات السلام تلوح في الأفق، أو انتزاع أي تنازلات من إسرائيل- أمر جديد، في الماضي كان كل من الفلسطينيين والإسرائيليين يطلبون شروطا مسبقة قبل بدء أي جولة مفاوضات سلام، توقف عن بناء المستوطنات أو إطلاق سراح سجناء مثلا، ومع أخبارهذا الأسبوع يبدو أن فريق ترامب يعتمد على أن عباس سيكون مهتما أكثر بمفاوضات السلام ومكتب منظمة التحرير في واشنطن، الذي تم إنشاؤه بعد أوسلو في تسعينيات القرن الماضي أكثر من حملته الدولية ضد إسرائيل".
ويعلق الكاتب قائلا: "قد تكون تلك الحسابات قديمة، ففي الأيام الأولى من الحملة الدولية التي يشار إليها في رام الله باسم: (فلسطين 194)، كان الهدف منها إيجاد قوة ضغط في مفاوضات السلام، من خلال الاعتراف الدولي، وكان عباس نفسه قد هدد بالذهاب للأمم المتحدة للحصول على الاعتراف عام 2011، بعد انهيار أشهر من المفاوضات مع الإسرائيليين؛ بسبب مطالب مضادة بخصوص شروط مسبقة للمفاوضات، ولم يوقف عباس سوى تهديد أمريكا باستخدام الفيتو، لكن بعد ذلك بعام عاد عباس إلى الجمعية العمومية ورفع الوضع الدبلوماسي للفلسطينيين إلى (دولة مراقبة غير عضوة)، حيث صوت 138 مع و9 ضد (وامتنعت 41 دولة عن التصويت)".
ويستدرك راملي بأنه "بعد التصويت كان واضحا أن أمريكا لن تسمح للفلسطينيين بالتواصل مع المجتمع الدولي في الوقت الذي يستمرون فيه بمفاوضات السلام مع إسرائيل، وفي بداية المفاوضات في 2013، أصر وزير الخارجية الأمريكي حينها، جون كيري أن يوقف الفلسطينيون حملتهم ليشاركوا في المفاوضات، وفي المقابل ستطلق إسرائيل سراح 100 سجين فلسطيني على أربع دفعات خلال المفاوضات، وعندما أخّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إطلاق سراح الدفعة الرابعة، قام عباس مباشرة بإعادة تفعيل حملة فلسطين 194، وانضم إلى 15 منظمة دولية منهيا المفاوضات بالفعل".
ويلفت الباحث إلى أنه "بعد عدة أشهر وقع اتفاقية مصالحة مع حركة حماس، منافسته في غزة، ومع حلول صيف 2014 اندلعت حرب بين حركة حماس وإسرائيل، وفي وقتها أصر المسؤولون الفلسطينيون بأن الخمس عشرة منظمة التي انضموا إليها هي جزء من باقة من المنظمات الدولية (مجموعها حوالي 60 منظمة) تنتهي بهم للوصول إلى محكمة الجنايات الدولية، وسرعت الحرب في غزة خططهم، وطالب الفلسطينيون قياداتهم بالذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية بعد خمسين يوما من الحرب، وفي نهاية عام 2014 حاول عباس الدفع نحو الحصول على اعتراف من مجلس الأمن، وهذه المرة اضطر المجلس للتصويت، لكن عباس فشل في الحصول على الأصوات الكافية، وبعد ذلك بأيام قام عباس بتوقيع نظام روما الأساسي".
وينوه راملي إلى أن "الكونغرس حاول في أوقات مختلفة وقف تلك الحملة، لكن مع نهاية عام 2011 أضاف شروطا على المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، مهددا بقطع تلك المساعدات إن بدأ الفلسطينيون بالانضمام لمنظمات دولية، إلا أن هذا تغير مع قدوم باراك أوباما إلى البيت الأبيض، حيث قام بتوقيع إلغاء، واستمر في تمويل السلطة، وبعد انضمام السلطة لمحكمة الجنايات الدولية حاول الكونغرس أن يضع العوائق أمام السلطة بتعديل قانون العمليات الأجنبية لعام 2015، حيث دعا إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير إن قام الفلسطينيون برفع قضايا في المحكمة ضد إسرائيل، ويبدو أن طلب عباس خلال كلمته في الجمعية العامة من محكمة الجنايات الدولية البدء بالتحقيق في أفعال الإسرائيليين أدى إلى استخدام هذا القانون".
ويبين الكاتب أنه "تحولت هذه الحملة على مر السنين من تكتيك للمفاوضات إلى استراتيجية ذاتية الطاقة، وإن كانت خاطئة، وحولت السلطة الفلسطينية كثيرا من العناوين الحكومية لتحمل اسم (دولة فلسطين) بعد تصويت الجمعية العامة في 2012، كودائما ما يطالب المسؤولون الفلسطينيون محكمة الجنايات الدولية وغيرها من المؤسسات بالتدخل في الصراع، وقام عباس نفسه بالطلب من دول بأن تقوم بذاتها بالاعتراف بدولة فلسطين، وتحظى هذه الحملة الدولية وقليل من الخيارات السياسية المتوفرة بدعم شعبي من الفلسطينيين، كما تظهر الاستطلاعات دائما أن غالبية الفلسطينيين يريدون من عباس أن يستقيل، ومع ذلك هناك أكثرية مشابهة تدعم الذهاب للأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية، فأن يقوم رئيس ليست له شعبية بأفعال تحظى بشعبية كبيرة أمر لا يحتاج إلى تفكير".
ويختم راملي مقاله بالقول إن "هذا الأمر يجعل توقيت هذا الإعلان الأخير محيرا، ففريق ترامب لا يزال يرسم خطة للسلام في الشرق الأوسط -وبعض التقارير تشير إلى أنه لن يتم الكشف عن تفاصيل الخطة حتى آذار/ مارس 2018- ولذلك يبدو أنه يطلب من عباس إيقاف حملة لها شعبية دون شيء في المقابل، وقد يكون الأمر أيضا أن عباس يشعر بالضغط من جميع الجهات -فقد استدعي حديثا للرياض لمقابلة مع السعوديين، الذين بدأوا يؤدون دور صانع الملوك مؤخرا- وأن إعلان الأسبوع الماضي كان جزءا من جهود متضافرة للضغط على عباس، وإن كان الأمر كذلك فإنه لن يؤدي دورا، بل سيضاعف جهوده في الحملة الدولية، ما يعني أن واشنطن شجعت حملة فلسطين 194".