هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثبتت الأزمة الخليجيّة الأخيرة بما لا يدع مجالا للشك بأنّ مجلس التعاون الخليجي قد انتهى، وإن بقي هيكله قائما كما هو الحال بالنسبة اإلى جامعة الدول العربية التي لم تعد موجودة منذ وقت طويل. لقد كان من الطبيعي توقّع مثل هذه النتيجة نظرا لأنّ "الكل" هو مجموع "الفرد المعتل" ولا يمكن له أن يكون أفضل حالا من حال أعضائه، إلاّ أنّ التوقيت والطريقة التي انتهى بها المجلس كانت مفاجئة للجميع.
هناك من لا يزال يأمل بأن يكون الاستنتاج خاطئاً وأن تكون الأزمة الخليجية مجرّد سحابة صيف عابرة، لكن مثل هذه التوقعات لا تستند الا على آمال زائفة. من الصعب بمكان توقع ان يعود مجلس التعاون الى الحياة وهو الذي كان يعاني الكثير من المشاكل حتى حينما كان التفاهم يسود اعضاءه. وإذا ما إفترضنا جدلا أنّ الازمة الخليجية انتهت غداً، فمن من أعضاء المجلس سيأمن على نفسه من الآخر؟ وكيف ستكون العلاقة بين أفراده منفردين قبل ان تكون وهم مجتمعون؟
من المفروغ منه أن لا أحد من أعضاء المجلس سيثق بالآخر بتاتاً، خاصّة فيما يتعلق بالدول الأصغر. هناك من يذهب أبعد من ذلك للقول بأنّ الازمة لن تنتهي بتاتاً وأنّ الدول المعنيّة بها لن تعود في علاقاتها الطبيعية مع بعضها البعض إلا بسقوط أو رحيل الشخصيات التي خططت لهذه الأزمة، على اعتبار أنّ ما جرى حتى الآن ليس أمراً بسيطا ولا يمكن إصلاحه بجلسة تقبيل لحى على الطريقة القبليّة المعتادة.
إندلاع الازمة بحد ذاته هو تجاوز لقوانين وآليات عمل مجلس التعاون، وهو إفراغ للمجلس من مضمونه، فالمجلس أنشئ بهدف تحصين أطرافه من المخاطر الخارجيّة، لكن عندما تكون هذه المخاطر الخارجية على أعضائه من الداخل تصبح فكرة المجلس أو اهميّته من دون قيمة تذكر. المشكلة بين دول مجلس التعاون الخليجي أصبحت الأن أكثر تجذّراً ولذلك نلاحظ انّ المجلس انشطر الى قسمين مبدئياً، السعودية والامارات والبحرين في جهة، وقطر والكويت وسلطنة عُمان في جهة أخرى.
هناك الكثير من المؤشرات الإضافيّة التي توحي بأنّ هذا الإنشطار قد لا يبقى ثنائياً على المدى المتوسط أو البعيد وإنما قد يتبعه إنشطار آخر، وإن كانت العلاقة بين قطر والكويت وسلطنة عُمان تبدو أكثر إنسجاما، الا أنّ العلاقة بين دول المحور الآخر ليست كذلك. البحرين تدور في الفلك السعودي عملياً بحكم الامر الواقع، أمّا العلاقة بين السعودية والامارات فهي تستند حالياً الى العلاقة التي تربط مجموعة محدودة جدا من الأشخاص في البلدين ببعضهم البعض، وهذا النوع من الروابط لا يسمح بعلاقات مستدامة على مستوى الدول خاصّة إذا لم يتم حسم مصير بعض هؤلاء بعد.
صحيح أنّ محمد بن سلمان يدير دفّة الحكم في السعودية الآن، لكنّه لم يصبح ملكا بعد، وما هذه المشاريع الأسطورية التي يتم طرحها بين الفينة والأخرى وينسب الفضل فيها اليه إلاّ تمهيد للبحث له عن شرعية تحميه مما هو قادم. وفي هذا السياق، فان المعركة التي تخاض ضد قطر لا تخرج هي الأخرى عن هذا المسار. الجميع خائف من النتائج المستقبلية وهو خوف مبررٌ تماماً، فالمرحلة التي تعيشها دول الخليج حاليا أشبه بمقدّمات زلزال قادم قد يطلق في السنوات القادمة الموجة الثالثة من موجات الثورات العربية وان بأدوات واشكال مختلفة.