من القضاء الطبيعي، إلى تشكيل دوائر الإرهاب والإحالة للمحاكم العسكرية، ومؤخرا اللجوء إلى محاكم أمن الدولة العليا.. هكذا يلاحق النظام العسكري الحاكم بمصر معارضيه.
والأحد، أصدرت حكومة الانقلاب قرارا بإحالة الدعاوى الجديدة في قضايا التظاهر والتجمهر والإرهاب والإضراب؛ إلى محاكم أمن الدولة العليا
طوارئ، بدلا من المحاكم العادية.
وبناء على القرار، فإنه يتوجب على النائب العام إحالة الدعاوى الجديدة الخاصة بالجرائم المنصوص عليها بقانون التظاهر 107 لسنة 2013، إلى محكمة أمن الدولة، إضافة إلى القضايا المتعلقة بقانون التجمهر 10 لسنة 1914، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، وقانون تجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت (الإضراب) 34 لسنة 2011، وقانون الأسلحة والذخائر 394 لسنة 1954، وقانون حرية العبادة 113 لسنة 2008، هذا إلى جانب الجرائم المتعلقة بالإرهاب والمساس بأمن الدولة والترويع والبلطجة وتعطيل وسائل المواصلات، وكذلك جرائم التموين ومخالفة التسعير الجبري.
المعتقلون الجدد
والقرار يسري على الدعاوى الجديدة بالقضايا المذكورة والتي لم تتم إحالتها لمحاكم أخرى، ويتم تطبيقه مع استمرار حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ 10 نيسان/ أبريل الماضي.
وأحكام محاكم أمن الدولة العليا- طوارئ؛ لا يمكن الطعن عليها بأي صورة، بل إن من سلطات رئيس الجمهورية التصديق على أحكامها أو تخفيفها وإلغاؤها، وهو ما يعني، حسب حقوقيين وقانونيين، عودة لتطبيق قانون الطوارئ بشكل أسوأ من عهد حسني مبارك، وحرمان المعتقلين الجدد من حقهم في الاستئناف على الأحكام بحقهم، كما اعتبر هذا مؤشرا خطيرا حول انتهاك حقوق المعتقلين في
مصر.
وتشن سلطات الانقلاب بشكل متكرر حملات أمنية واسعة بجميع أنحاء مصر، وتعتقل العشرات من المعارضين للنظام أو المتهمين بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وأنصارها. ومن المتوقع أن تتم محاكمة هؤلاء بمحاكم أمن الدولة العليا، بحسب القرار الجديد.
خلط السياسي بالقضائي
وفي تعليق له، أكد المحامي بالنقض والإدارية العليا، فيصل السيد، أن القرار "يعني أنه لا يجوز الاستئناف على أو تقديم نقض الأحكام الصادرة، ولكن يسمح بتقديم التماس فقط"، معتبرا أن "هذا مؤشر خطير حول حقوق الإنسان الطبيعية".
وفي حديث لـ"
عربي21"، وصف السيد؛ القرار بأنه "تدخل سافر في أعمال السلطة القضائية، فضلا عن الإخلال بالضمانات التي يكفلها القانون في حق التقاضي على أكثر من درجة والمنصوص عليها دستوريا؛ وفضلا عن ذلك خلط السياسي بالقضائي".
وحول توقيت إصدار القرار في الوقت الذي يطبق فيه النظام قانون الطوارئ، قال السيد: "هناك أكثر من سبب؛ أهمها كم الأحكام التي يتم نقضها من محكمة النقض، فضلا عن أن تعديل قانون محكمة النقض المعدل أثقل كاهلها؛ لأنها أصبحت موكلة بالفصل موضوعيا في الأحكام المنقوضة".
وأضاف المحامي المهتم بالشأن الحقوقي: "أما سياسيا، فهذه أحد مظاهر السلطوية التي لا تحترم الدستور أو القانون، فضلا عن حقوق الإنسان في مصر".
وحول إمكانية الطعن على تنفيذ هذا القرار، أوضح السيد أنه "يمكن الطعن حول ما يتعلق بقانون الطوارئ وتشكيل محاكم أمن الدولة طوارئ؛ أمام مجلس الدولة، وأيضا أمام المحكمة الدستورية العليا".
التفنن بارتكاب الجرائم
من جانبه، أكد مدير المنظمة السويسرية لحقوق الإنسان، علاء عبد المنصف، أن "إحالة الدعاوى الجديدة في قضايا التظاهر والتجمهر والإرهاب والإضراب إلى محاكم أمن الدولة طوارئ؛ يعني مزيدا من التوسع في
الانتهاكات، ومزيدا من
المحاكمات غير العادلة".
وأضاف الحقوقي المصري لـ"
عربي21": "القرار يعني أيضا بطشا شديدا ضد المعارضين، وأحكاما قاسية سيُحكم بها، ويعني غياب الطعن على تلك الأحكام في نهايتها وعدم جواز الطعن عليها"، مؤكدا أن القرار "يعني أيضا، عودة لتطبيق حالة الطوارئ بأسوأ ما كانت عليه في عهد حسني مبارك"، وفق تقديره.
وحول أسباب إقدام النظام على هذا القرار، أوضح عبد المنصف أن "النظام يبحث دائما عن سرعة تنفيذ جرائمه، فعندما وجد القضاء الطبيعي لا يؤدي الغرض كما يريد، التجأ إلى تشكيل دوائر الإرهاب، فلم تفلح بأحكامها المهترئة، فالتجأ إلى الإحالة للمحاكم العسكرية، فزاد الاعتراض عليها، فذهب لاختراعه الجديد محاكم أمن الدولة العليا"، مضيفا: "هكذا سيستمر النظام في التفنن بارتكاب الجرائم"، بحسب تعبيره.