تسود داخل الأوساط الطبية والصحية في مصر حالة من الغضب بسبب اتفاقية قرض سعودي خاص بتطوير
مستشفى قصر العيني، يحوله من مستشفى حكومي مجاني إلى مشروع استثماري ربحي.
وكان قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي قد صدق على الاتفاقية وتم نشر القرار بالجريدة الرسمية الأسبوع الماضي والتي تم توقيعها بين
الحكومة المصرية والصندوق السعودي للتنمية بقرض قيمته 450 مليون ريال سعودي (ما يزيد عن 2 مليار جنيه مصري) ضمن 23 اتفاقية تم توقيعها في نيسان/ أبريل 2016 أثناء زيارة ملك
السعودية سلمان بن عبد العزيز للقاهرة، على رأسها اتفاقية نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة.
مخطط قديم
وفي هذا السياق، أصدرت لجنة "الدفاع عن الحق في الصحة" ونقابة أطباء مصر بيانات صحفية أعلنت فيها اعتراضها الشديد على هذه الاتفاقية.
وأعلن أمين عام نقابة الأطباء الدكتور إيهاب الطاهر، أن الاتفاقية تعد امتدادا لمخطط قديم يعود إلى عام 2012 يهدف إلى تغيير الإطار القانوني للمستشفيات الجامعية التابعة للدولة وتحويلها إلى شركات قطاع أعمال عام هادفة للربح وليست كيانات هادفة إلى تقديم خدمة تعليمية وعلاجية متميزة.
وأضاف الطاهر، في تصريحات لصحيفة "البديل" يوم السبت الماضي، أن خصخصة مستشفى قصر العيني لن يضر فقط آلاف المرضى البسطاء بل إن هذا المشروع سيهدد أيضا مستقبل آلاف الأطباء الذين كانوا يتعلمون ويتدربون على تطبيق ما تعلموه في كلية الطب التي تتبعها هذه المستشفيات.
تطوير لا خصخصة
من جانبها رحبت الحكومة باتفاقية مستشفى قصر العيني، حيث أكدت على لسان المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور خالد مجاهد أن الوزارة ترحب بتطوير القطاع الصحي للنهوض بالمنظومة الطبية وتقديم خدمات طبية مميزة للمواطنين.
ونفى مجاهد في تصريحات صحفية المساس بالمستشفيات الحكومية بجميع أنواعها، مؤكدا أن الاتفاقية السعودية لا تعني خصخصة أو بيع مستشفى قصر العيني، لكنها تهدف إلى تطويره وتقديم خدمة علاجية عالية الجودة للمواطنين بحلول عام 2020.
لكن الاتفاقية الجديدة نصت على وجود ملاك آخرين للمشروع بخلاف جامعة القاهرة دون أن توضح هوياتهم أو أسماءهم أو جنسياتهم، كما أنها لم تؤكد على استمرار الطابع غير الربحي للمستشفى، على غرار مستشفيات قصر العيني الجديد (الفرنساوي) ومستشفيات عين شمس التخصصي.
أفكار ضيقة
وتعليقا على هذه الاتفاقية، قال الخبير الاقتصادي مصطفى عطوة إن ما يحدث هو استمرار للأفكار الضيقة التي يتبعها النظام كلما تحدث له أزمة اقتصادية، فلا يفكر وقتها إلا في بيع المشروعات الخاسرة للمستثمرين الأجانب والرضوخ لشروطهم دون وضع ضوابط حقيقية أو ضمانات لعدم تأثر المواطنين سلبا بهذه الاستثمارات، تماما كما كان يفعل الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وأضاف عطوة، في تصريحات لـ "
عربي21" أن فكرة
الخصخصة في حد ذاتها مرفوضة لأنها ليست حلا للمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، خصوصا وأن هذه المشروعات التي يتم بيعها هي ملك للشعب.
وأوضح أن مستشفى قصر العيني هو مستشفى حكومي موجود في البلاد منذ القرن التاسع عشر بهدف تقديم خدمة العلاج مجانا للمرضى غير القادرين، وأكد أن سعي النظام لخصخصة هذا المستشفى هو حكم بالقتل على آلاف المرضى الذين لا يملكون تكاليف العلاج بعدما يتحول إلى مشروع استثماري يهدف إلى الربج.
وأشار إلى تجربة الحكومة مع خصخصة المستشفيات الحكومية خلال السنوات الماضية كما حدث مع المنيل الجامعي ومستشفى قصر العيني الفرنساوي وعين شمس التخصصي والتي تحولت إلى مشروعات استثمارية لا تعالج إلا الأثرياء فقط بعد أن كانت ملاذا للفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة.
أزمة حقيقية
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية أحمد الرشيدي إن "هناك أزمة حقيقية في كثير من المشروعات الحكومية التي تصرف عليها الدولة، لأن هذه المشروعات تمنى بخسائر فادحة منذ سنوات طويلة حتى أنها أصبحت غير قادرة على دفع رواتب العاملين بها، ما يجعل الحكومة تأخذ من الموازنة العامة لسدادها، ومن هنا جاء التفكير في تحويل هذه المشروعات إلى كيانات استثمارية بحيث تقدم خدمات مدفوعة الأجر للمواطنين وليست مجانية".
وأضاف الرشيدي لـ "
عربي21" أن أزمة خصخصة مستشفى قصر العيني تأتي في أنه مستشفى عام يقدم خدمات طبية مجانية لعشرات الآلاف من المرضى البسطاء وغير القادرين، والمشكلة أن تحويل هذه الخدمات الصحية المجانية إلى خدمات مدفوعة يمثل كارثة لأن من يملك المال هو فقط من سيحصل على العلاج وهذا سيجعل آلاف المرضى عرضة للموت، كما أن المستشفى لا تستقبل الحالات الحرجة إلا إذا دفعت أموالا مثلما يحدث في المستشفيات الخاصة.
وأكد أن سياسة الخصخصة قد تكون مفهومة في المشروعات الصناعية أو الإنتاجية الخاسرة، لكن أن تتم خصخصة مشروعات صحية بطريقة تهدد حياة المواطنين من أجل تقليل الخسائر المادية يعد قرارا غير مقبول سياسيا وإنسانيا.