أعلن ناصر
بوضياف، نجل الرئيس
الجزائري الراحل محمد بوضياف، الجمعة، عن تأسيس حزب جديد، تحقيقا لحلم والده. بعد 25 سنة كاملة من رحلة البحث عن حقيقة
اغتيال الوالد الرئيس، ليعلن عن وقف مساعيه نهائيا.
فعلى غير عادته، لم يخض ناصر بوضياف، في قضية اغتيال في 29 حزيران/ يونيو 1992، بمحافظة عنابة شرق الجزائر، ولم يتحدث عن تطورات مساعيه بالبحث عن حقيقة مقتل والده، كما كان يفعل في السابق، ولكنه أعلن بدلا من ذلك عن تأسيس حزبه "التجمع الجزائري"، بل أعلن صراحة عن "وقف البحث عن حقيقة الاغتيال الغامض".
وقال ناصر في خطاب ألقاه أمام الأعضاء المؤسسين للحزب، بالعاصمة الجزائر، الجمعة: "نهدف من خلال حزبنا إلى خدمة البلاد والعباد، وشخصيا لست أطمع في شيء من وراء تأسيس التجمع الوطني، فهذا المشروع يأتي في وقت الوضع الراهن للبلاد ليس بخير، ولهذا لنا مشروع ضخم رفعنا لأجله في حزبنا شعار: الجزائر قبل كل شيء"، كما قال.
ووسط تصفيات الأعضاء المؤسسين للحزب، تابع ناصر بوضياف: "لا تخيبونا فالجزائر بحاجة إلينا.. وأخطاء الماضي لن تتكرّر". ما يُوحي، بحسب متابعين، بأن نجل الرئيس بوضياف حصل على الضوء الأخضر لتأسيس حزب والحصول على اعتماد النشاط.
اتهامات لرموز النظام
ودرج ناصر بوضياف وعائلته وعشرات من أتباع الرئيس الراحل؛ على تنظيم وقفة بمقبرة العالية في العاصمة الجزائر، في 29 حزيران/ يونيو حزيران من كل عام، مطالبين السلطة في الجزائر بكشف حقيقة الاغتيال، وهوية القاتل وأسباب القتل، موجهين أصابع الاتهام إلى رموز في النظام آنذاك، كوزير الدفاع الأسبق خالد نزار، ومدير المخابرات الجزائرية السابق محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق، والذي أقاله بوتفليقة في أيلول/ سبتمبر من العام 2015، ولكن من دون رد منهما.
وفي صيف العام 2015، شن عمار سعداني، حينما كان زعيما لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في البلاد، هجوما شرسا على الجنرال توفيق، متهما إياه بالعجز عن حماية والده عندما كان يلقي خطابا للجزائريين، في أوج الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر خلال التسعينيات من القرن الماضي.
التخلي عن المطالبة بالحقيقة
لكن نجل بوضياف، قال الجمعة: "لم آت اليوم لأطالب بالحقيقة حول اغتيال والدي، وإنما جئت لأقول لكم إنه يجب علينا أن نستيقظ من أجل إنقاذ الجزائر.. بأن نضع حدا للنظام الذي عطل مقدرات الشعب الجزائري منذ 1962".
وتابع: "لم نأت فقط لنحيي ذكرى الاغتيال الجبان لمحمد بوضياف، ولكن لنحيي مشروعه.. المشروع الذي لأجله قتل، بعد أن حاول أن يضع حدا لنظام موروث عن استقلال لا يزال مصادرا"، على حد وصفه.
ورد ناصر بوضياف عل سؤال لـ"
عربي21"، حول إن كان قد تخلى عن معرفة حقيقة اغتيال والده، نهائيا، فقال: "الحقيقة لا يمكن أن تظهر في ظل النظام الحالي، وعلى الجميع أن يعمل على رحيله حتى يمكن أن تظهر هذه الحقيقة.. لذلك فإن النضال السياسي في هذه المرحلة يحظى بالأولوية"، مضيفا: "القضية ستبقى تسكنني لكن العمل السياسي بات أولى".
ويشير موقف ناصر بوضياف الجديد إلى رغبته في الانخراط في الحياة السياسية، في وقت تعرف فيه العلاقة بين السلطة والمعارضة انسدادا كبيرا، جراء مطالبة معارضين بتطبيق البند 102 من الدستور الخاص بعزل الرئيس بسبب المرض والعجز عن أداء مهامه الدستورية.
وتعتقد المحللة السياسية الجزائرية، حكيمة ذهبي، أن "قرار ناصر بوضياف وقف البحث عن الحقيقة في قضية اغتيال والده؛ بسبب إدراكه الجيد أنه لو استمر بمساعيه تعرية الحقيقة، لن يتم منحه الاعتماد للحزب"، وفق تقديرها.
وقالت لـ"
عربي21": "ربما الذين توجه لهم أصابع الاتهام في اغتيال والده، أو على الأقل من كانوا مسؤولين عن حمايته، ليسوا موجودين حاليا في السلطة، بعد التغييرات التي أحدثها بوتفليقة على مستوى الأجهزة الأمنية".
وأضافت ذهبي: "بالنسبة لقراره تأسيس الحزب، أعتقد أن تنظيمه السياسي؛ حركة جامعة يريد من خلالها استنساخ ما حدث عند تأسيس جبهة التحرير الوطني خلال الثورة (1954- 1962)، حيث تمكنت من جمع كل المناضلين بمختلف تياراتهم تحت اسم "جبهة"، ولأن نجل بوضياف يرى أن النضال ضد المستعمر مستمر اليوم، بما أنه معارض للنظام ويريد استجماع كل القوى التي تشك في مقتل والده"، وفق قولها.
المشروع السياسي
لكن نجل الرئيس الراحل؛ لم يكشف إن كان "التجمع الجزائري" معارضا أم معتدلا أم مواليا للسلطة.
وردا على سؤال لـ"
عربي21" حول هذه المسألة، قال ناصر بوضياف: "ما يهمنا أننا متفقون على تبني مشروع مجتمع حقيقي مخالف تماما لما هو مكرس في باقي التشكيلات السياسية"، مؤكدا أن "كل شيء جاهز حتى برنامج الحزب"، كما قال.
وشدد بوضياف الابن على القول: "نعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وندعو الشعب الجزائري لتحقيق الأهداف التي رسمها والدي، وهي إدخال جبهة التحرير الوطني في المتحف".
واقترح ناصر بوضياف: "إنشاء مجلس تأسيسي.. حكومة لا تتعدى 25 وزيرا، وبرلمانا بغرفة واحدة؛ يتكون من الكفاءات وخريجي الجامعات حصرا"، على حد قوله.
وأكد على ضرورة "التعرف على المشروع الذي تركه والدي، والذي اغتيل من أجله، وأن يلتفوا من حولي لإنجاح التجمع الوطني؛ كما تصوره بوضياف، وتكريس القطيعة مع ممارسات رجال النظام السائد منذ استقلال البلاد"، بحسب قوله في معرض رده على سؤال "
عربي21".
الفعل المعزول
وكانت عائلة الرئيس بوضياف قد كشفت خلال الصيف الماضي؛ أنها راسلت وزارة العدل بالجزائر، بغرض إعادة فتح ملف اغتياله. غير أن العائلة لم تتلق ردا من وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، حيث أن السلطات الجزائرية تعتبر هذا الاغتيال "فعلا معزولا".
واتهم القضاء الجزائري أحد حراس الرئيس الراحل باغتياله في عنابة، خلال خطابه الذي يُنقل على الهواء مباشرة على التلفزيون الجزائري.
وحكم القضاء العسكري الجزائري على الحارس محمد بومعرافي؛ بالإعدام، لكن القرار لم ينفذ بسبب قرار السلطات بتجميد عقوبة الإعدام، فتحول الحكم إلى السجن مدى الحياة.
ولم تقبل عائلة بوضياف بفرضية "الفعل المعزول"، وطيلة 25 سنة كاملة، طالبت السلطة ورموز النظام آنذاك بتعرية الحقيقة، لكن دون جدوى.