الإخوان المسلمون في انحسار
القمع الجماعي أسلوب خاطئ في التعامل مع الإسلاميين السياسيين
سجلهم في السلطة يبعث في العادة على القلق، ولكنهم يمكن أن يكونوا براغماتيين ولا يمكن تجاهلهم
قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية إنه رغم سجل جماعة الإخوان المسلمين "المقلق" في السلطة، إلا أنه لا يمكن تجاهل الجماعة المختلفة عن الكثير من الجماعات التي تعمل باسم الإسلام، لافتا إلى القمع الذي تتعرض له الجماعة من الأنظمة من جانب، والتحديات التي تواجهها من ناحية الجماعات التي تتبنى المنهج الجهادي.
ولفتت في التقرير الذي ترجمته "
عربي21" إلى أن الجماعة تتحمل جزءا من المسؤولية في عدم وضوح الرؤية، وتماهي الفوارق، بسبب ما قالت إنه الازدواجية في الخطاب؛ وحد موجه إلى الغرب يطلق باللغة الإنجليزية، وآخر إلى الأنصار يحمل رسائل مختلفة تماما.
وعن العملية الديموقراطية قالت المجلة إن "الإسلاميين" يتعاملون مع الانتخابات على أنها "تكتيك" لا أكثر، ضاربة مثالا ما يجري في
تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، التي قالت إنه يصفي خصومه السياسيين، ومذكرة بالرئيس المصري السابق، محمد
مرسي، الذي "عين الإخوان" في الجهاز الحكومي وأقصى آخرين.
واستدركت بأن ذلك لا يعني أن مرسي لو استمر لكان أسوأ من الرئيس الحالي، عبد الفتاح
السيسي، الذي قالت إنه ارتكب أفظع مذبحة في تاريخ مصر الحديث، وقتل المئات من أنصار مرسي، وأصبحت البلاد في عهده أكثر قمعا، ويبدو أنه لا يملك أدنى فكرة عن كيفية إيجاد وظائف للمصريين.
وتابعت بأن تصرفات "الجماعة" في السلطة لا تعني أنه يمكن وضع جميع الإسلاميين في سلة واحدة، فالجهاديين الذي تبنوا العنف يستمدون الأدلة من نصوص السلفية التي تتبناها المملكة العربية السعودية، والجماعة نفسها تلقى لوما من الجهاديين بأنها "معتدلة" وتهتم بالخدمات والانتخابات.
وتاليا التقرير كاملا:
قبل أقل من عقد مضى، كانت الأحزاب الإسلامية قوى لا تقاوم في الشرق الأوسط. وما إن زلزلت الانتفاضات العربية في 2011 الأرض من تحت أقدام الطغاة، حتى اكتسبت هذه المجموعات، وبشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين وتفريعاتها، نفوذا وسيطرة. وبدا كما لو أن المسجد وصندوق الاقتراع حلا محل القصر والثكنات والشرطة السرية كمصدر للنفوذ والسلطة.
ولكن في حطام العالم العربي اليوم، كثيرون يتصرفون كما لو أن فكرة أن الإسلاميين يمكن أن يؤدوا دورا ديمقراطيا مفيدا قد تحطمت أيضا، فهم يتعرضون للقمع من جديد على أيدي أنظمة رجعية، ويواجهون التحدي من قبل الجهاديين الممارسين للعنف، ويبادَرون بالشك والريبة من قبل الناخبين الذين يشعرون بأنهم خذلوهم. كثيرون منهم اليوم معتقلون في السجون أو مشردون في المنافي، وممولهم الرئيسي، دولة قطر، تتعرض للإقصاء والمقاطعة دبلوماسيا واقتصاديا من قبل جيرانها العرب، بدعم ومساندة من الرئيس دونالد ترامب. في هذه الأثناء تحث كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر الحكومات الغربية على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
عندما يقوم الجهاديون بأعمال قتل – كما فعلوا في إسبانيا الأسبوع الماضي – فقد يغري ذلك البعض بالفعل لأن يعامل أولئك الذين يسعون إلى الحكم باسم الإسلام كما لو كانوا شرا مستطيرا، إلا أن القمع الجماعي الشامل لجميع الإسلاميين يشكل أسوأ رد ممكن، إذ سيؤدي في نهاية المطاف إلى مزيد من الامتعاض والغضب، وإلى مزيد من الفوضى، وإلى مزيد من الإرهاب.
تسعة وتسعون وجها
للجماعات الإسلامية أشكال متعددة وكثيرة، فهناك حركة النهضة التونسية التي يطلق أعضاؤها على أنفسهم لقب "الديمقراطيون المسلمون"، وهناك حركة حماس الفلسطينية التي أرسلت الانتحاريين ليفجروا أنفسهم في إسرائيل. ما من شك في أن الذين يرون قمعهم جميعا دون تمييز، يرتكبون الأخطاء التالية: أما الخطأ الأول فهو زعمهم بأن الإسلاميين جميعا شيء واحد، وأما الخطأ الثاني فهو اتهامهم بأنهم من حيث المبدأ غير ديمقراطيين، وأما الخطأ الثالث فهو ظنهم أن الحل يوجد لدى الأقوياء.
فلنبدأ بأسلوب الدمج. يزعم الناقدون بأن الإسلاميين السياسيين لا يختلفون كثيرا عن الجهاديين من أمثال القاعدة والدولة الإسلامية، نظرا لأن كلا النوعين من هذه التنظيمات يسعى لإعادة الخلافة الإسلامية التي تحكم بالشريعة، وأنهما إنما يختلفان فقط من حيث التوقيت والأساليب، والأسوأ من ذلك أن الإسلام السياسي يشكل في العادة البوابة التي يعبر من خلالها الجهاد العنيف.
تتحمل جماعة الإخوان المسلمين جزءا من المسؤولية عن عدم وضوح الرؤية وتماهي الفوارق. فزعماؤها تعودوا على الحض على تجنب اللجوء إلى العنف إذا ما تحدثوا باللغة الإنجليزية، أما إذا تحدثوا باللغة العربية، كما هو الحال في القضايا المتعلقة بفلسطين وسوريا على سبيل المثال، فيدعون إلى المقاومة بل وحتى إلى الجهاد. وبالطريقة نفسها، يبدو أن بعض العنف الذي يمارس ضد الحكومة المصرية هو من عمل متطرفي الإخوان. كما أن بعض أبرز الشخصيات الجهادية على المستوى العالمي هم من الإخوان السابقين، بما في ذلك أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة.
إلا أن من التبسيط الشديد وضع جميع هذه المجموعات في سلة واحدة. من المعروف أن الجهاديين الممارسين للعنف يستدلون بكثير من النصوص لتبرير ما يرتكبونه من فظائع، ولا أقل في ذلك من السلفية المتشددة التي تتبناها المملكة العربية السعودية، التي تنافس الإخوان المسلمين. كما يستنكر الجهاديون ما عليه الإسلاميون الأكثر اعتدالا لاهتمامهم بالعبادات والخدمات الاجتماعية والانتخابات. ويعتقد هؤلاء بأن التشريعات التي يضعها البشر تمثل عدوانا على التشريعات الإلهية؛ ولذلك فإن معاملة جميع الإسلاميين كما لو كانوا جهاديين يشبه القول بأن الديمقراطيين الاجتماعيين هم نسخة طبق الأصل من الألوية الحمراء في إيطاليا؛ لأنهم جميعاً قرأوا مؤلفات كارل ماركس.
ماذا عن الديمقراطية؟ ثمة خشية من أن الإسلاميين، حتى أولئك الذين ينبذون العنف، يتعاملون مع الانتخابات كتكتيك لا أكثر: لكل شخص واحد، صوت واحد، ولمرة واحدة. خذ على سبيل المثال رجب طيب إردوغان، رئيس تركيا، الذي كان ذات مرة نموذجا يحتذى من بين الإسلاميين، سهل حين يتعلق الأمر بالتدين، وذو طموحات عريضة حين يتعلق الأمر بالإصلاحات الليبرالية. أما هذه الأيام، وبينما يشن حملات التطهير ضد الخصوم الحقيقيين منهم والمتصورين على حد سواء، فقد بات تقريبا لا يقل سوءا عن الطغاة العرب، الذين كان ذا مرة يندد بهم (ومع ذلك فلا يكف عن الفوز بالانتخابات). وفي مصر، بدا الرئيس محمد مرسي، الذي لم يعمر طويلا، كما لو أنه يحكم لصالح الإخوان فقط لا غير. فقد عين الإخوان في مختلف أرجاء الجهاز الحكومي وأعلن نفسه فوق القضاء (المشبوه)، فأقصى بذلك الأحزاب الأخرى، الأمر الذي أثار ضده موجة من الاحتجاجات الجماهيرية.
يفترض النقاد بأن الخلل في حالتي السيد أردوغان والسيد مرسي ناجم عن كونهما إسلاميين. إلا أنه يوجد تفسير آخر لذلك: وهو أنهم قلدوا أساليب الاستحواذ على السلطة التي كان ينتهجها الأقوياء في تركيا ومصر، وذلك بهدف استباق الجهود التي كانت تبذلها "دولة الأمن" لاستعادة السلطة – إلا أن ذلك لم يحقق نجاحا في حالة السيد مرسي.
ربما كان المثال الأفضل في هذا السياق هو ما جرى في تونس، حيث انطلقت شرارة الربيع العربي. لقد تفادت تونس الوقوع في حالة الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية في ليبيا، كما أفلتت من القبضة الخانقة للبوليس السري كما هي الحالة في كل من مصر والجزائر. كانت حركة النهضة من الحكمة بحيث أشركت معها في السلطة الجماعات الأكثر علمانية، بل واختارت التنازل لها، إذ أدركت أن التحول الديمقراطي الهش يتطلب إجماعا أوسع. وفي المغرب تنازل الملك عن بعض صلاحياته للبرلمان وسمح لرئيس وزراء إسلامي بأن يقود تحالفا عريضا.
والخطأ الثالث هو الاعتقاد بأن بإمكان الدول أن تعالج الإشكالات الناجمة عن الإسلامي السياسي من خلال الاعتماد على الأنظمة التي يحكمها ملوك مستبدون أو رؤساء نصبوا مدى الحياة. فهؤلاء سجلهم فظيع. من حكم الشاه الحديدي في إيران، الذي أدى إلى تفجر الثورة عام 1979، إلى الرعب الذي مثله صدام حسين في العراق، إلى الانقلاب الذي شطب النجاحات الانتخابية للإسلاميين في الجزائر في 1992، إلى سحق الاحتجاجات على يد نظام بشار الأسد في سوريا في 2011، كان القمع باستمرار ينجم عنه في أفضل الأحوال استقرار هش وفي أسوأ الأحوال حرب أهلية. على النقيض مما كان عليه حال المستبدين في بلدان مثل كوريا الجنوبية وتايوان، أخفق معظم مستبدي منطقة الشرق الأوسط في خلق رخاء مستدام.
لا السيسي ولا داعش
بعد أربعة أعوام من الإطاحة بالسيد مرسي، يصعب الزعم بأنه كان سيكون أسوأ من عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي أطاح به. فالسيد السيسي، الذي بات الآن رئيسا لمصر، هو الذي ارتكب أفظع مذبحة في تاريخ مصر الحديث، حيث قتل المئات من أنصار مرسي في القاهرة في عام 2013. لقد أصبحت البلاد اليوم أكثر قمعية مما كان عليه الحال في عهد حسني مبارك، ومع ذلك تشتعل نيران التمرد الجهادي في سيناء، ولا يبدو أن لدى السيد السيسي أدنى فكرة عن كيفية إيجاد وظائف للناشئة من سكان مصر الذين يزداد تعدادهم بشكل مضطرد.
كل ما يفعله الاضطهاد والظلم وسوء الإدارة هو تعميق الأزمة التي تعصف بالعالم العربي، ولا يبدو أنها ستجتث في القريب العاجل. ما من شك في أن الاستبداد يفضي إلى طريق مسدود. لا يوجد سبيل للخروج من الأزمة سوى الانفتاح التدريجي للاقتصاد والسياسة في العالم العربي، وهذا يعني السماح للأفكار والمعتقدات بأن تتنافس طالما أن أصحابها ينبذون العنف ويحترمون الأعراف والقيم الديمقراطية، وينبغي السماح للإسلاميين بدخول المنافسة، لأن الإسلام يحتل مكانة مركزية في مجتمعات الشرق الأوسط.
لا يمكن اعتبار الإسلاميين السياسيين بمنزلة المسيحيين الديمقراطيين في العالم العربي، وذلك أنهم في العادة يتبنون مواقف غير ليبرالية في كل القضايا، ابتداء من موقع الإله في السياسة إلى دور النساء. ومع ذلك، بإمكانهم أن يكونوا براغماتيين ولا يمكن تجاهلهم. وبدلا من السعي إلى سحقهم جميعا، الأمر الذي لا يؤدي إلا إلى توجههم نحو التطرف، ينبغي أن يكون الهدف هو العمل مع المعتدلين منهم ومطالبة البغيضين منهم بإصلاح أنفسهم، ومحاربة أولئك الأشد خطرا. وبذلك قد يشكل الإسلاميون حاجزا يعيق الجهادية بدلا من أن يكونوا معبرا لها.