نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا؛ سلط من خلاله الضوء على مشروعيْ قانون المصالحة وقانون حماية قوات
الأمن، اللذين كانا محل جدل خلال الآونة الأخيرة في
تونس.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن مشروعيْ القانون سيقوضان المساعي الرامية إلى تحقيق الكرامة والعدالة، وذلك لأن مشروع القانون الأول سيعفو عن الموظفين العامين الذين ارتكبوا جرائم في تونس ما قبل الثورة. أما مشروع القانون الثاني، فسيمنح قوات الأمن "الفاسدة" مساحة أكبر لانتهاك حقوق الإنسان.
وسيتم إقرار هذين التشريعين في غضون أيام أو أسابيع، ما لم تتمكن منظمات المجتمع المدني والجهات الدولية التونسية الفاعلة، والأهم من ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من إقناع الحكومة بتغيير توجهها.
وذكر الموقع أنه تم اقتراح كلا التشريعين منذ سنة 2015، وكان الرئيس المنتخب حديثا آنذاك، الباجي قايد السبسي، هو من اقترح التشريع الأول الذي يسمى "بقانون المصالحة"، والذي في حال تم تمريره سيكون لمصلحة رجال الأعمال والموظفين العموميين الفاسدين.
وأشار الموقع إلى أن مناصري قانون المصالحة شددوا على مدى أهمية هذا القانون؛ بحجة أنه سيعود بالنفع على اقتصاد البلاد المتعثر. بالإضافة إلى ذلك، كما يدفع هؤلاء بأن هذا القانون لا يمنح عفوا عن الفاسدين؛ يشترط على الفاسدين تسديد المكاسب غير المشروعة.
ونوه الموقع إلى أن قانون المصالحة واجه معارضة فورية من المجتمع المدني وخبراء القانون الدوليين؛ ذلك لأنه يفتقر إلى آليات تنفيذ مستقلة، وسيقوض عمل لجنة الحقيقة والكرامة، وهي هيئة مدعومة دستوريا تسعى إلى تحقيق العدالة الانتقالية وتسوية الانتهاكات السابقة، بما في ذلك الجرائم المالية.
وأورد الموقع أن المشروع الثاني تم اقتراحه من قبل وزارة الداخلية التونسية في نيسان/أبريل سنة 2015، أي بعد أقل من شهر من مقتل 23 شخصا في متحف باردو في تونس العاصمة. وسيسمح هذا القانون لقوات الأمن بصلاحية أوسع لاستخدام القوة المميتة. كما يتضمن هذا القانون نصا غامضا يجرّم فيه "تشويه سمعة" قوات الأمن.
وأفاد الموقع أنه منذ سنة 2015، تمت عرقلة الجهود الرامية إلى تمرير قانون المصالحة ثلاث مرات. وأصدرت منظمات المجتمع المدني مؤخرا بيانا آخر يندد بقانون قوات الأمن.
والجدير بالذكر أن أكبر ثلاث منظمات أو أحزاب سياسية في البلاد (حزب نداء تونس، وشريكه في الائتلاف حزب حركة النهضة، والاتحاد العام التونسي للشغل)، تدعم هذين القانونين، لأسباب مختلفة.
وبيّن الموقع أن هاجس السبسي المتعلق بتمرير قانون المصالحة أدى إلى تهميشه لقضايا تشريعية وسياسية أكثر إلحاحا، على غرار الحاجة إلى تمرير قانون الحكم المحلي، وجذب الاستثمار، والتصدي بشكل جدي للفساد، وإنشاء هيئات رقابة مستقلة مكلفة دستوريا، على غرار إنشاء محكمة دستورية.
وتطرق الموقع للدور الذي من الممكن أن يضطلع به الاتحاد العام التونسي للشغل، لوقف قانون المصالحة عن طريق التهديد بإضراب عام، وهو تكتيك استخدمه بنجاح ضد الحكومة السابقة (برئاسة النهضة) سنة 2013، بيد أن دور الاتحاد في ظل الحكومات التي يقودها النداء اقتصر على معارضة التقليص في الأجور، والإعانات، فضلا عن المطالب المتعلقة بموظفي القطاع العام. وفي الوقت نفسه، كان التحالف مع حزب النداء الحاكم من أولويات حركة النهضة، إذ لم تعارض الحركة قانون المصالحة.
وعلى ضوء ذلك، صوت مجلس الشورى في حركة النهضة، الذي يحدد الاستراتيجية للحركة، في 30 نيسان/ أبريل، ضد تأييد القانون ما لم يتم تعديله. واعتبر القرار بمثابة توبيخ للقيادة التنفيذية للحركة، واستجابة للاحتجاجات العامة ضد القانون، بقيادة حركة "مانيش مسامح" أو "أنا لن أغفر". وكنتيجة لذلك، تم تعديل مشروع القانون. وفي نسخته المحدثة لن يشمل العفو سوى الموظفين العموميين الذين خدموا في ظل النظام السابق.
وقال الموقع إن الخبراء وقادة المجتمع المدني حذروا من خطورة قانون حماية قوات الأمن. واعتبروا أن الحفاظ على الدستور الديمقراطي الجديد في تونس وتحسين الكفاءة بين قوات الأمن التونسية في مجال مكافحة الإرهاب يتطلب المزيد من المساءلة. علاوة على ذلك، يؤكد قادة المجتمع المدني أيضا أن هذا القانون سيشجع الممارسات السلبية لقوات الأمن التونسية، التي شكلت حجر الزاوية للدولة البوليسية قبل الثورة. ولهذه القوات تاريخ طويل من قمع حرية التعبير، ومحاولات عرقلة إصلاح القطاع الأمني.
وأشار الموقع إلى الانتهاكات التي كانت ترتكب قبل الثورة؛ من تعذيب للسجناء السياسيين، اليساريين والإسلاميين في مبنى وزارة الداخلية الذي يقع في قلب وسط مدينة تونس. وقد سارعت الوزارة بإغلاق أبوابها أمام جماعات المجتمع المدني بعد الثورة. لكن، بعد فوز النداء عادت لتفتحها خلال سنة 2014.
وذكر الموقع أن قادة المجتمع المدني التونسي، وخاصة الناشطين الشباب الذين يدعمون منظمة مكافحة
الفساد خاصة منظمة "أنا يقظ" وحركة "مانيش مسامح"، عارضوا تمرير هذين القانونين؛ لأنه يمكن أن يحيد أو حتى يعكس التقدم الذي أحرزه رئيس الوزراء يوسف الشاهد في مجال مكافحة الفساد في وقت سابق من هذا الصيف.
وقال الموقع إنه بدلا من مجرد الإشادة برئيس الوزراء، ينبغي للجهات الفاعلة الدولية، ولا سيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين بإمكانهما التأثير بقوة على السياسة التونسية، أن تبذل المزيد من الجهد لضمان أن تكون عمليات اعتقال المذنبين جزءا من حرب متماسكة ضد الفساد.