خطة السلام وخارطة الوفاق للأزمة الليبية وضع بذرتها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بعد انتخابات 7 حزيران/ يونيو 2012، السيد طارق متري.
حاول متري جمع بعض أطراف النزاع قبيل تفجر الوضع سياسيا وأمنيا إبان إطلاق عملية الكرامة في أيار/ مايو 2014 ثم عملية فجر
ليبيا في تموز/ يوليو من العام ذاته، لكنه لم ينجح في بلورة مقاربة واضحة المعالم، إذ جاءت جهود التوافق التي أشرف عليها في نهاية فترة توليه الملف الليبي.
أشرف برننادينو ليون على حوار وتفاوض طويل ومرير، أسفر عن وضع خارطة الطريق التي تمثل أهم خلاصاتها بعض ملامح المشهد السياسي والأمني اليوم، أي المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة والترتيبات الأمنية التي تُنفذ في طرابلس ومحيطها.
وذلك بحسب
اتفاق الصخيرات الذي تابع ليون تطوير خمس مسودات منه، ثم جاء مارتن كوبلر ليسير على خطى ليون ويكمل ما بدأه حيث تم التوقيع على النسخة الأخيرة من الاتفاق من قبل بعض أطراف النزاع وليس جميعهم، وذلك في كانون الأول/ ديسمبر 2015.
المبعوث الجديد، غسان سلامة، تسلم منصبه في مرحلة صعبة من عمر الأزمة الليبية، ومن مراحل تطبيق الاتفاق السياسي.
فالبرلمان لم يصادق على الاتفاق كما رفض منح الثقة للحكومة التي شكلها المجلس الرئاسي لمرتين، الأمر الذي حصر السلطة الفعلية للمجلس التنفيذي المنبثق عن الصخيرات في حدود العاصمة، رغم أنه تحصل على تأييد معظم مدن الغرب والجنوب.
البرلمان والجيش التابع له ظل في موقف رافض بل وحتى معاد للاتفاق ومخرجاته، ولم تفلح جهود التقريب بين حفتر قائد عام الجيش التابع للبرلمان، باعتباره الأقوى نفوذا في الشرق الليبي، وبين فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، في حلحلة الخصومة.
ويبدو أن أجواء التفاؤل التي سادت بُعيد لقاء أبوظبي تتلاشى، وذلك في ظل التطورات التي يشهدها الوضع خاصة في الشرق والجنوب.
إذ يبدو أن التقدم العسكري الذي أحرزه حفتر في بنغازي وفي الجنوب ساهم في التمهل قليلا وعدم تقديم تنازلات يبدو أن حفتر وعد بتقديمها في أبوظبي، كما يبدو أن المناخ الإقليمي المتوتر جدا يلقي بظلاله محليا وبشكل سلبي.
الأهم من ذلك أنه لم يتبق على عمر الاتفاق السياسي إلا أشهر معدودات، فقد استنفد البرلمان فرص التمديد، ولا يوجد في الاتفاق ما يعطي شرعية لأي تمديد للأجسام القائمة بما في ذلك المجلس الرئاسي.
ما يعني أن المبعوث الجديد في وضع حرج قد تكون نتيجته العودة بالملف الليبي إلى المربع الأول حيث لا وفاق ولا اتفاق.
بصيص الأمل يتراءى في فتح باب الحوار بين الأجسام المقبولة محليا -ولو في نطاق محدود- ومقبولة دوليا، وهي البرلمان بطبرق والمجلس الأعلى للدولة بطرابلس.
فقد شكل مجلس الدولة فريقه للحوار معتمدا نظام الدوائر الانتخابية التي قامت على أساسها الانتخابات التشريعية، وهو في انتظار أن يفعل البرلمان الشيء ذاته، لتنطلق جولة من التفاوض حول نقاط الخلاف التي تضمنها الاتفاق السياسي وحول مقاربة تعديله بما يسمح بتخطي العقبات الراهنة.
التحدي الأكبر أمام هذا المخرج هو الوضع المرتبك جدا في المنطقة الشرقية الذي يدور حول خلاف شديد بين أعضاء البرلمان وكتله، وإذا ما هناك جدوى من الاستمرار في مسار الوفاق المطروح من عدمه، حيث يدفع بعض الأعضاء ببديل خارج منظومة الوفاق، وهو تسليم السلطة لمجلس عسكري بإمرة خليفة حفتر يقود البلاد لفترة انتقالية حتى تستقر الأوضاع.
وكان من مظهر الخلاف توتر في العلاقة بين الحليفين السابقين، عقيلة صالح، رئيس البرلمان، وخليفة حفتر، قائد الجيش حول الرؤية المستقبلة ومقاربة إدارة البلاد.
إذ ما يزال عقيلة صالح يراهن على المسار الانتقالي السلمي ويدعم مقاربة الوفاق بعد تعديل فيها ويتحفظ على عسكرة الدولة وتنصيب حفتر حاكما عسكريا على البلاد، فيما يشرط حفتر شروطا يراها كثيرون تعجيزية، وتؤكد أنه يريد استمرار المسار العسكري إلى نهاية الطريق، ولا يعول على طاولة المفاوضات والحوار بين الفرقاء كوسيلة لإنهاء الأزمة.