استمرت أجواء الهدوء المشوب بالكآبة في ثاني أيام عيد الفطر في
مصر، بسبب تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ومنع
الغلاء ملايين المصريين من الاستمتاع بالعيد وممارسة العادات المرتبطة بهذه المناسبة، ومن بينها شراء الملابس الجديدة، وتناول الكعك والأسماك المملحة.
وارتفعت
أسعار السلع والخدمات في مصر بشكل كبير خلال الفترة الماضية، وخصوصا بعد تعويم الجنيه وزيادة أسعار الوقود في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وهو ما أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين، الذين ظلت رواتبهم على حالها، أو ارتفعت بنسب ضئيلة في ذات الفترة.
ركود في الأسواق وتغيير للعادات
وشهدت الأسواق ركودا واضحا، حيث اشتكى تجار من ضعف الإقبال، وعدم تحقيق المبيعات المعتادة في مثل هذا الوقت من العام، بسبب إحجام كثير من المواطنين عن الشراء واكتفائهم بالمشاهدة فقط، في ظل ارتفاع أسعار الملابس والكعك والأسماك، مقارنة بالعام الماضي، بنحو 100 في المئة.
ولجأ بعض المواطنين، ممن تحدثوا لـ"
عربي21"، لتقليص مشترياتهم من مسلتزمات
العيد، حيث اشتروا كميات أقل بكثير مما اعتادوا، حتى إن بعضهم أُضطر لشراء قطعة ملابس واحدة لكل طفل بسبب ضيق ذات اليد.
وأكد تجار أن الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا عاما بعد عام منذ 2013، وأن كثيرا من المواطنين يصابون بالصدمة عندما يشاهدون أسعار المنتجات، لينصرفوا دون أن يشتروا شيئا.
وشهدت الأسواق هذا العام تغيرا ملحوظا في نمط الاستهلاك، خاصة في الطبقة المتوسطة، فبعد أن كانوا يشترون ملابس العيد من متاجر وسط القاهرة أو المراكز التجارية الكبرى، أصبحت الأسواق الشعبية وأسواق الملابس المستعملة تجذب أعدادا أكبر من الزبائن، وأصبحت مناطق "وكالة البلح" وسوق "السيدة عائشة" ملاذا للكثير من المواطنين؛ ليتمكنوا من شراء ملابس العيد منها لأول مرة، بعد أن كانت تلك الأماكن مقصدا للفقراء وذوي الدخل المحدود فقط.
وتعد ألعاب الأطفال من بين أكثر السلع ارتباطا بالعيد، لكنها أصبحت هي الأخرى بعيدة المنال بسبب ارتفاع أسعارها الكبير.
وقال أحمد عامر (موظف حكومي) إن أسعار ألعاب الأطفال شهدت ارتفاعا كبيرا؛ لأن أغلبها مستورد من الصين، مؤكدا أنه اشترى "عروسة" لابنته الصغيرة بـ85 جنيها، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على راتبه المحدود.
شوارع خالية
وعلى غير المعتاد، فقد فقدت شوارع القاهرة ازدحامهما وصخبها، احتفالا بالعيد، وشهدت المراكب النيلية والملاهي الترفيهية إقبالا محدودا، بعدما فضل الكثيرون البقاء في منازلهم أو الاكتفاء بتبادل الزيارات مع الأقارب تقليصا للنفقات.
واعترف الإعلامي المؤيد للنظام، يوسف الحسيني، بمعاناة المواطنين في العيد، حيث كتب عبر "تويتر" يوم الأحد: "الكورنيش والحدائق العامة شبه خالية، أول مرة أشوف العيد كده، الغلاء الفاحش المصحوب بضيق ذات اليد خنق الناس لدرجة إنهم مش قادرين ينزلوا من البيوت يتفسحوا، لم يمر علينا فقر زي كده من زمان أوي، الغلابة صبرهم نفد".
الناس لم تعد تحتمل
وقال الخبير الاقتصادي مصطفى عطوة؛ إن "الناس لم تعد قادرة على تحمل ارتفاع الأسعار في الشهور الماضية، وهذا أثر بالطبع على قدرتهم على شراء مسلتزمات العيد التي اعتادوا عليها طويلا".
وأوضح عطوة، في حديث لـ"
عربي21"، أن "السياسات الاقتصادية الخطيرة" التي يتبعها النظام تنفيذا لشروط صندوق النقد الدولي المفروضة على مصر، ومن بينها تعويم الجنيه ورفع الدعم، "تجعل البلاد تسير في طريق مظلم، طالما ظلت تطبقها دون مراعاة لمعاناة الفقراء"، كما قال.
وأكد أن النظام ليس لديه رؤية أو خطة للسيطرة على الأسعار، مشيرا إلى أن الأسعار في طريقها للزيادة مرة آخرى في غضون أيام، بعدما أعلنت الحكومة رفع أسعار المواد البترولية في تموز/ يوليو المقبل.
وقلل من تأثير قرار عبد الفتاح السيسي بزيادة المعاشات ورواتب الموظفين منذ عدة أيام، ورأى أن السيسي هدفه تقليل حجم الغضب المتوقع بين المصريين و"منعهم من الانفجار" بسبب الزيادات المتوقعة في الأسعار، متسائلا: "ما فائدة أن تعطي المواطن جنيها اليوم ثم تأخذه منه بعد أسبوع عدة جنيهات؟"، وفق قوله.
انهيار اجتماعي متوقع
من جانبها، قالت أستاذة علم الاجتماع هبة زكريا؛ إن الحالة الاجتماعية في مصر هي انعكاس للأوضاع الاقتصادية والسياسية، مؤكدة أن المجتمع أصبح مفككا بشكل كبير بسبب التدهور الاقتصادي وارتفاع الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة.
وأضافت زكريا لـ"
عربي21": "مصر مقبلة على انهيار اجتماعي كبير بسبب سياسات النظام الخاطئة"، موضحة أن هناك أسرا كثيرة لم تعد قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من المأكل والملبس، و"هناك الكثيرون الذين، يبيتون بدون عشاء بسبب الغلاء"، وفق قوله.
ولفتت إلى أن هذه التغيرات تؤدي إلى تزايد الجرائم وتوفر مبررات للفساد، موضحة أن أي موظف حكومي قد يضطر لقبول رشوة أو يختلس المال العام "تحت ضغط الحاجة والأوضاع البائسة التي وصل إليها"، بحسب تعبيرها.